لطالما كان عام (1492) محكًا تاريخيًا، احتفل الأوروبيون والأمريكيون مؤخرًا بمرور (500) عام على “اكتشاف” كريستوفر كولومبوس للعالم الجديد، كان هناك احتفال آخر للغرب بسبب حدوث أمر لطالما سعوا إليه عبر السنين.
كان هذا الأمر هو سقوط مدينة غرناطة المسلمة (غرناطة باللغة العربية) آخر معاقل الخلافة الأموية في الأندلس بعد سيطرة الأمويون عليها قرابة ثمان قرون، وذلك في اليوم الثاني من عام (1492)، على يد ملوك قشتالة الكاثوليك، منهياً خلاف قوية حكمت العالم الإسلامي في شبه الجزيرة الأيبيرية وإغلاق واحد من أكثر القصص الجميلة في التاريخ الإسلامي.
بداية الحكم الأموي للأندلس
كما ذُكر في المصادر التاريخية، وصلت الجيوش الأموية الإسلامية إلى شبه الجزيرة في عام (711) بعد الميلاد بناءً على طلب جانب واحد من الحرب الأهلية التي اندلعت في إسبانيا القوط الغربيين، انتشر الدين الإسلامي في اسبانيا ودخل الكثير من الإسبان الإسلام.
في عام (732)، بعد (100) عام فقط من وفاة الرسول، عبرت القوات المسلمة جبال البرانس لإحراز تقدم في أعماق أوروبا الغربية، تم صدهم في معركة بواتييه والتي تُسمى أيضًا معركة بلاط الشهداء، وهي المعركة التي استمرت على مدى قرون في الأساطير الغربية، ولكن سجلها المؤرخون المسلمون على كل حال، بأنها كانت مقبرة للشهداء وفيها انتصر المسيحيون على المسلمين وقتل فيه عدد كبير من المسلمين.
لكن محاولات المسلمون استمرت ورجعوا مرة أخرى وأقاموا الإسلام في إسبانيا، في الأراضي التي أطلقوا عليها اسم الأندلس، واستطاع الأمويون بناء مجتمع متجانس فقد عاش العرب والبربر جنبًا إلى جنب مع الإسبان من كافة الديانات، وتفاعلوا فيما بينهم سواء بالزواج أو العلاقات المختلفة.
حكم الخلفاء الأمويون الأندلس في دمشق حتى عام (750)، عندما تولت الدولة العباسية السلطة في الشرق، استطاع أمير أموي وحده وهو عبد الرحمن بن معاوية والذي عُرف بعبد الرحمن الداخل الهروب إلى إسبانيا، هناك أسس دولة أموية مستقلة في عام (756).
استمر الحكام الأمويين في حكم الأندلس سياسياً، لكن كانت الخلافة الشرعية للعباسيين لما يقرب من (200) عام، لكن الحاكم الثامن للسلالة الأموية عبد الرحمن الثالث الناصر، نال لقب الخلافة لنفسه وذريته في عام (929)، عاشت الأندلس عصرًا ذهبيًا في أثناء حكم الخلافة الأموية من حيث السلطة السياسية، توحد ثلثا شبه الجزيرة الأيبيرية الجنوبية تحت حكم الخليفة في قرطبة، والذي أيضًا لعب دورًا مهمًا في شؤون شمال إفريقيا.
كيف بدأ سقوط الأندلس
كان الأمويون هم من وضعوا، من خلال المهارة والذكاء والقسوة العرضية، الأساس لعظمة الأندلس، بين عامي (1009) و (1031)، وقعت العديد من الثورات وتعاقب الحكام الضعفاء وهو السبب الذي بدأ ينذر بسقوط الأندلس، لملء الفراغ ظهرت أكثر من مجموعة من الملوك الصغار المستقلين، يُطلق عليهم “ملوك الحزب” أو باللغة العربية ملوك الطوائف، من كلمة الطائفة (الطائفة الإسبانية)، أي حزب أو فصيل.
كانت الممالك المتنافسة أضعف من الدولة الأموية الموحدة في الأندلس إلا أنها استطاعت التقدم والازدهار في مجال الفنون ومجال التعلم، حيث كان كل حاكم يريد إثبات وجوده، والتفوق على نظرائه في الممالك الأخرى، كما يشير الكاتب التاريخي ديفيد واسرشتاين في كتابه “صعود وسقوط ملوك الحزب”،” فإن كثرة الحكام تعني أيضًا وفرة من الرعاة، لذلك يمكن للفنانين والعلماء العثور على راعٍ، أو حتى رعاة منافسين، بسهولة نسبية“.
استغل المسيحيون ضعف الممالك والنزاعات الداخلية فقد انشغل الملوك بقتال بعضهم البعض، مما أدى إلى إعادة السيطرة المسيحية في شبة الجزيرة الأيبيرية، وفي عام (1085)، استطاع القشتاليون السيطرة على مدينة (توليدو) طليطلة المهمة، وعندها استغاث ملوك الطوائف بالحاكم المرابطي الجديد في المغرب يوسف بن تاشفين وطلبو منه التدخل.
استطاع المرابطون (بالعربية “الحاميون”) وهم سلالة متشددة نشأت بين الأمازيغ (البربر) في أقصى جنوب المغرب، من مساعدة ملوك الطوائف عسكريًا فترة من الزمن،واستطاع إنقاذ الأندلس من الضياع بعد انتصاره على القشتالين في معركة الزلاقة، لكن في (1090) قرر يوسف بن تاشفين أنه يجب إبعاد ملوك الطوائف وأن يضم الأندلس إلى ولايته.
وبذلك نستطيع القول أن ضعف تماسك ملوك الطوائف والتنافس فيما بينهم ونهوض مملكة قشتالة من جهة والقوطيين من جهة أخرى كانت بداية الخطر الذي سينهي الحكم الأموي، وقد اجتمعت هذه العوامل مع بعضها وأسقطت الإمارة الأموية في الأندلس.