كيف تمَّت الفتوحات الإسلامية في عهد عبد الملك بن مروان وابنه الوليد في بلاد الروم؟

اقرأ في هذا المقال


الفتوحات الإسلامية في عهد عبد الملك بن مروان وابنه الوليد في بلاد الروم:

في أواخر سنة 73هـ أحسَّ عبد الملك بن مروان بأن الدولة تستعد قوتها وأن الأمور تعود لمجاريها، وأنها تستطيع أن تكمل حركة الجهاد التي بدأت بها، وكانت العلاقات حينها بين الدولة الإسلامية والروم لم تكن طيبة، وكان الروم مستعدون لأن ينقضوا على الدولة الإسلامية ولكن عبد الملك كان يقظاً للأمر، فعيَّن أخاه محمد بن مروان والياً على أرمينيا والزيرة؛ حتى يكون قائداً للجبهة القادمة.
ومنع عبد الملك بن مروان النقود التي كان يقوم بدفعها وقت الضرورة، فأثار ذلك غضب الإمبراطور الروماني البيزنطي، وقام بإعلان الحرب ضد الدولة الأموية، وقد جهَّز جيشاً كبيراً وأرسله لغزو المسلمين من ناحية أرمينيا، فقام محمد بن مروان بملاقاته وحصلت معركة عنيفة بين الطرفين، انتهت بهزيمة الروم والفوز العظيم للمسلمين، وهرب الإمبراطور وبعد أن هرب تركه الكثير من جنوده.
وتلك الحادثة قامت بزعزعت الأوضاع في الدولة البيزنطية، واستغل عبد الملك بن مروان هذ الوضع واستمر في الضغط على الروم عن طريق الحدود، وبدأ في الدخول للأراضي البيزنطية القريبة، فكانت الصوائف تخرج بطريقة منتظمة للهجوم على الأراضي البيزنطية وكان يقودها محمد بن مروان.
وفي عام 81هـ بعث عبد الملك بن مروان ابنه عبد الله فقام بفتح قاليقالا، وتعتبر من إحدى مدن الدولة البيزنطية الكبيرة، وفي عام 84هـ استطاع عبد الله بن عبد الملك أن يفتح مدينة رئيسية أخرى من مدن الروم، وهي مدينة المصيصة فقام ببناء حصنها، وعمل على وضع حاميات تتكون من ثلاثمائة مقاتل من الأشداء، ولم يكن أحد من المسلمين يسكن فيها، وقام ببناء مسجد داخلها.
وبهذا تقدمت قوة إسلامية قوية للأمام، وقامت بفتح المعاقل واستولت على الحصون بداخل أرض الروم، وأثبت حينها عبد الملك بعد أن أعاد الوحدة السياسية، أن الدولة تكمن قوتها في وحدتها وأنها بهذه الوحدة قادرة على أن تتفوق وتحرز السيادة والنصر، واستمرت الحركات الجهادية طوال فترة خلافة الوليد وسليمان ابنا عبد الملك.
وبرز بعدها مسلمة بن عبد الملك في هذه الحروب كقائد شجاع ومقدام ومقاتل عظيم، وكان في كل سنة يقوم بفتح مدينة أو حصن من الحصون العظيمة التي تخص البيزنطيين، وكان يغزو معه العباس بن الوليد بن عبد الملك واستطاع أن يفتح أعظم الحصون ومنها: حصن عمورية وهرقلية وقمونية، وحصن طوانة وسمطية والمرزبانين وطروس.
أما في بلاد ما وراء النهر كان قتيبة بن مسلم والياً عليها في عام 86هـ، وكان قد عمل من مرو قاعدة حربية له، ثم قام بفتح بلاد النهر المعروف بنهر جيحون، واستطاع المسلمون الدخول للعديد من البلاد، ودخل الكثير منهم للدين الإسلامي ودافعوا عنه مثل: الصفد، طخارستان، الشاش، فرغانة، وأنهى أعماله الحربية في كاشغر في التركستان الصينية، حيث قام بفتحها في عام 96هـ، وبهذا تجاوزت الدولة الإسلامية حدود الصين.
وكان عقبة بن مسلم قد فتح الهند في عهد الوليد بن عبد الملك، بعد أن قام المسلمون بفتح بلاد فارس وخراسان وسجستان، وكانت الغاية من هذه الفتوحات هو نشر الدين الإسلامي، وأن يقوموا بحماية الحدود الجنوبية للدولة الإسلامية، فقد أعطى الوليد مهمة فتح بلاد الهند لمحمد بن القاسم.
وسار محمد بن القاسم للهند في سنة 89هـ، وقام بفتح ثغر الديبل وهي إحدى مدن الساحل الغربي لدولة الهند، ثم ذهب عنه وبدأ بفتح كل مدينة يمر منها، وبعدها وجد داهر ملك السند والهند وجنوده يقاتلون وهم على ظهور الفيلة، وحصلت معركة عنيفة بين الطرفين انتهت بإنتصار المسلمين ورفع راية الإسلام وقُتل داهر على يد محمد بن القاسم، وكانت فتوحاته تمتد لسائر أرجاء بلاد السند حتى وصل إلى الملتان واغتنم منها الكثير بعد أن قام بفتحها.
وتوفي الوليد بن عبد الملك في عام 96هـ، بعد أن رُفعت راية الإسلام على حدود فرنسا والصين وخراسان وسجستان والسند والهند، وكانت قد اتسعت رقعة الدولة الإسلامية في عهده اتساعاً كبيراً، فكان قد قام ببناء المسجد الأقصى وله آثاراً ببناء الجامع الأموي وعمارة المسجد النبوي، وكان قد قام ببناء أول مستشفى في الإسلام لعلاج المجذومين مجاناً، وعمل على تقديم المساعادات لكل المحتاجين في الدولة.
وكانت وفاة الوليد بن عبد الملك بعد أن حزن على موت الحجاج بن يوسف الثقفي، فكان قد استعان به حتى يقر الأمن في شرق العالم الإسلامي، وكان يعرف فضل الحجاج ومكانته فتمسك به كثيراً، وكان قد أطلق يده في شؤون المشرق الإسلامي؛ لأنه كان منبعاً للثورات ضد الحكم الأموي، ولم تهدأ أحوال هذه البلاد إلا على يد الحجاج.
وكان للحجاج الفضل الكبير في استقرار الدولة الأموية في عهد عبد الملك بن مروان، وكانت وصية عبد الملك عند وفاته أن يتمسكوا بالحجاج وأن يكرموه، ولأنه كان مخلصاً للأمويين، ولم يكن يوفر أي مجهود حتى يوطد الأمن والاستقرار والقيام بالإصلاحات في أرجاء الدولة، فقد كان الحجاج قائداً إدارياً حازماً ومصلحاً مادياً، وعمل على إنعاش البلاد بعد أن أنهكتها الحروب والثورات.
فقد شهد عصر الوليد بن عبد الملك أعظم حركات الفتوحات في العالم الإسلامي، فاستطاع المسلمون أن يبسطوا أيديهم على أكبر بقعة من العالم القديم، واتسعت دولتهم على نحو لم يتم من قبله، وظهر العديد من القادة البارزين والأكفاء في القدرة العسكرية ومهارتهم الحربية.
ففي الجنح الشرقي للدولة الإسلامية جعل الحجاج أهل العراق يشتركون في جيش قتيبة بن مسلم؛ حتى يقوموا بفتح بلاد ما وراء النهر، وكانت قد استمرت جهوده في الفتوحات لعشر سنوات، وأرسل الحجاج ابن عمه محمد بن القاسم حتى يقوم بفتح إقليم السند وكان لم يكمل العشرين من عمره، وبالرغم من صغر سنه كان قائداً عظيماً واستطاع النجاح في المهمة الموكلة إليه.


شارك المقالة: