استرداد الرياض وبداية التوحيد والتأسيس:
إنّ أهم ما شغل بال الملك عبد العزيز، هو استعادة الرياض، وبقية أجزاء بلاده من يد من قام على السيطرة عليها، كان الخروج من الرياض أشد ما أحزن الأمير الشاب، بينما كان متواجداً في مكانه بالكويت على أمل العودة إِلى الرياض بعد أن يقوم في أخذ العدة، فلما وجد مجموعة من عشرات الرجال من الإِخوان والأعوان، أظهرهم ابن عمه عبد االله بن جلوي، إِلى جانب قتل الشيخ مبارك شيخ الكويت لابن رشيد.
عندما وجد عبد العزيز ذلك توجه إِلى الرياض على خلاف من رأي والده الذي كان متخوفاً عليه من الهزيمة، أما أخته نورة فقامت على تشجيعه، وكانت ذات همة عالية، تعرف أخاها حق المعرفة. بعدها خرج عبد العزيز إِلى الرياض بقواته ورجاله، ولم يكن جيشه كبيراً، ولم تكن معداتهم كافية، فكان أعظم ما لدى الملك الثقة باالله ثم قوة العزم وشدة الإِقدام.
لم تكن معركة استرداد الرياض من المعارك المذكورة في الحروب؛ لأنها استمرت أياماً قليلةً ولم يقتل فيها المئات أو الآلاف، ولم توضع لها الخطط الحربية الدقيقة والكبيرة. كانت في محصلتها معركة قادها عبد العزيز بصحبة عدد قليل من الجنود، وكان التخطيط والتدبير والإِقدام لعبد العزيز. وإِذا كانت معارك الجيوش الكبيرة يقودها القادة، ويحقق فيها النصر الجنود، فإِن معركة استرداد الرياض، خطط لها وقادها وحقق فيها النجاح القائد والأمير والجندي عبد العزيز مع مجموعة من إِخوانه وأعوانه الذين شاركوه، فلم يكتفي في مهمة القائد أو الأمير، ولكنه كان مع إخوانه وأعوانه وكان قبلهم في أماكن الخطر ومواقع الهجوم.
كانت الرياض قد واجهت مخاطر وشدائد؛ لكن الملك أَصَرَ أنّ يدخل الرياض، فقام في جمع رجاله وأخبرهم بحاله وفي حاجته إليهم، وجدد أمامهم قوته فلم يبقى معه إلا أشداء القلوب، ورجال لم يتجاوز عددهم الستين رجل، فقد تعهدوا لابن سعود على الوقوف معه إِلى النهاية، ولزم الرجال مكانهم ينتظرون الأخبار، وقام عبد العزيز في البقاء مع رجاله يفكر وويخطط، مع شدة الوضع من حولهم، وكان ذلك في شهر رمضان من عام ١٣١٩ هجري.
كانت همة الجيش عالية والهمة الكبيرة في الخطة التي وضعها الملك عبد العزيز للدخول إلى مكان تواجد ابن رشيد في الرياض، ولم يكن من الممكن القيام في الهجوم على المكان المتواجد به ابن رشيد في عدد قليل من الرجال، وهو في معقله يحرسه المئات، ويدافع معه وقت الهجوم جنوده، فقام الملك عبد العزيز في وضع خطة، تحمل فيها مع نفر قليل من أعوانه كل الخطر وكل المغامرة في حياتهم، في هذه الخطة لم يكن أميراً ولا قائداً، يعطي الأوامر جنوده، بل كان الأمير والقائد، وأول الجنود، وأكثرهم قرباً إِلى موقع الخطر.
في القرب من الرياض أبقى عبد العزيز مجموعة من رجاله تحت إِمرة أخيه محمد بلغ عددهم 30 رجلاً، وتقدم مع سبعة من أعوانه، ودخل معقل والي ابن رشيد عجلان مع رجاله قليلين العدد والعدة. كان ذلك عمل يدل على البطولة والجرأة في أوسع معانيها، أن يقتحم حصن والي ابن رشيد في من فيه من الجنود والأعوان والحراس المتواجدين،بمقابل قلة العدد والعدة، ومن قام في تتبع خطوات هذا الاقتحام يصدم من شجاعة الملك عبد العزيز في كل ما فعل.
وقد وصل إِلى بيت عجلان من البيتين الذين يقعون خلفه، بعد أن تحدث مع رجل من أهل البيت الأول فتردد قبل أن يفتح له باب البيت، ومن حسن حظ الملك، ورعاية االله له أنه حين دخل بيت الرجل عرفته إِحدى ابنتيه، فأدخلته فقام وهرب أبوها من البيت، ثم أغلق عبد العزيز البيت على من فيه، وتسلق مع رجاله إِلى بيت يجاور بيت عجلان، وقام وأغلق على امرأتين كانا متواجدتين في البيت، ثم نزل إِلى بيت عجلان فوجد فيه امرأتين: زوجة عجلان وأختها، فعرف من خلالهم مكان زوجها الذي كان محصناً في قصره.
وفي الروايات التي التي تتحدث عن هذا العمل أنّ جيش الملك ورجاله لقد ناموا قليلاً، وقد كانوا يتناوبوا في النوم، وأكلوا قليل من التمر، وصلوا الصبح، ثم بعدها انتظروا خروج عجلان، ومعه خـدمه وحراسه، يريدون الذهاب إلى البيت الذي تواجد فيه عبد العزيز ورجاله. وحين خرج عجلان في الصباح تفاجئ في الهجوم عليه وحاول الفرار وهرب رجال عجلان من حوله، كان مع عبد العزيز بندقية، ومع عجلان سيف سقط من يده بعد أن أطلق عبد العزيز عليه الرصاص.
لقد حاول عجلان الهرب من باب صغير متواجد في منزله، فأمسك به عبد العزيز، ولم يتركه حتى دخل رجاله، وفتحوا الباب، وقتل ابن جلوي عجلان، وبذلك تم النصر وقالوا أهل الرياض: بأن الملك الله، ثم لعبد العزيز بن عبد الرحمن. قام عبد العزيز في أرسل بالبشارة إِلى والده، وطلب أن يمده في جيش بعد أن انتصر على حامية ابن رشيد، وكان يوماً مشهوداً في حياة الملك عبد العزيز، بل في حياة كل شخص من أبناء المملكة العربية السعودية في يوم الخامس من شهر شوال سنة ١٣١٩ هجري.
لقد كان ما قام به عبد العزيز عمل من أعمال تدل على الهمة القوية، والعزيمة الفائقة في جميع المعايير، عمل يكون شخصاً تبدو فيه الحنكة في التوجيه والعمل في أصدق ما تكون. لقد اقتحم هو بيت خصمه، وقاتله وتحمل منه الضرب، فلم يكن حاكماً يقود جيش، ولا قائداً يوجه جنده، ولكنه كان يطلب إِقامة دولة، وتوحيد أمة وقد فعل بينما فعل ذلك بعدد قليل، وعدة أقل، وبطولة في المواجهة والقتال.
حيث كان معه في ذلك الوقت عدد قليل من الجيش ،وقد كان عبد العزيز معهم وعلى رأسهم مخططاً ومنفذاً، وكان أولهم في مواجهة المخاطر، ولم يفعل ذلك إلا قليل من الأمراء الفرق العسكرية، وقادتها في المعارك الكبيرة، التي تتقاتل فيها الجيوش وتختفي فيها شجاعة الرجال، وكثرة العدد وقوة العدة والسلاح.
نهاية تسلسل أحداث استرداد الرياض:
في الموافق من عام 1319 هجري كان ذلك اليوم من الأيام المهمة في حياة الملك عبد العزيز وفي تاريخ المملكة التي أسسها، وقد كان ذلك اليوم نهاية لمرحلة من مراحل حياة الملك عبد العزيز آل سعود، أن ندرك في الوقت نفسه أنّه كان بداية لعمل آخر أعظم على مر العصور، ولقد انتصر في ذلك اليوم على ابن رشيد، وقام في استرد الرياض التي خرج منها وهو صغيراً مع والده الإِمام عبد الرحمن، لكن شجاعته العالية، وعزيمته لم يكن هدفها الرياض وحدها، وإِنما كانت غايتها أعظم.
كان انتصار عبد العزيز على عدوه في الرياض هو بداية الانتصار العظيم فيما بعد، وكان هو الأساس والبداية في إقامة الدولة السعودية الثالثة التي احتوت أغالب مناطق شبه الجزيرة العربية، كانت دولة ومملكة موحدة،فتم وضع شعب شبه الجزيرة على خريطة العالم الحديث. لم يكن عملية السيطرة على الرياض نتيجة معركة، ولم تكن غزو في الجيوش وقتال بالسلاح بين قوتين، وإِنما كان عمل بطولي اعتمد بعد توفيق االله عز وجل على شجاعة العمل الذي قام به عبد العزيز مع قليل من أعوانه.
وقد سيطر به على مقر السلطان وهزم رجالهم في الرياض، ولم يكن العمل ليتم بتلك السهولة في التخطيط والتنفيذ لولا توفيق االله، ثم لما كان لأسرة آل سعود من محبة واحترام لدى الناس. كانت أسرة آل سعود غير بعيدة عن الرياض، فقد كان والد عبد العزيز حاكم لها، كان يحضى في محبة الناس له وطاعتهم؛ وذلك بسبب ما تميز به من علم وفضل وحسن معاملة في الحكم.
كان الدليل على ذلك موجوداً في أحداث الليلة التي استولى فيها ابنه عبد العزيز على مقر إِمارة عدوه، واسترد الحكم الذي كان لوالده قبل ذلك. لقد قال الملك عبد العزيز فيما ذكره عنه فؤاد حمزة عن ليلة السيطرة إِن الحراس لم يكونوا يحرسون المدينة، بل مقر حاكمها فقط، فيقومون في البقاء ليلاً في القلعة، مما يشير إلى إنهم كانوا غير محبوبين من أهل البلد، بل كان أهل الرياض يتمنون عودة حكم آل سعود.
وفي حكاية الملك عبد العزيز أن صاحب البيت الذي كان في جوار بيت عجلان أمير الرياض كان له بنات يعرفن الملك، لما فتح والدهم باب المنزل صرخن: “عمنا عمنا “، الذي هرب دون أن يكشف سر المهاجمين. وفي الرواية أيضاً أن زوجة الأمير كانت تعرف الملك؛ لأنها من أهل الرياض، وعمل أبوها وعمها في خدمة آل سعود.
لقد كان استرداد الرياض عمل بطولي وشجاع يقوم به الملك عبد العزيز، مما أدى إلى شهرته على نطاق واسع، كان صاحب شجاعة وفداء وقائد ملهم يقوم في استمداد شجاعته وقوة من الله تعالى. ولقد استطاع استرداد الريِاض بأقل قدر من الخسائر في الجيش والمعدات،، وكان من أهم عناصر النجاح حكم والده اللاحق للرياض، ومقام أسرة آل سعود بين أهلها؛ ولذلك فرح أهالي الرياض حين سمعوا المنادي: ” الملك الله ثم لعبد العزيز بن عبد الرحمن “.