الاضطرابات في العراق في عهد مروان بن محمد الجعدي:
حركات الخوارج:
كانت بلاد الشام قد قامت برفع راية العصيان على حكم مروان بن محمد الجعدي، ومن الطبيعي أن يكون إقليم العراق أشدّ خطراً؛ لأنه إقليم معروف بعدائه الشديد للحكم الأموي، وهذا منذ أن أصبحت بلاد الشام مركزاً للسلطان الأموي، وكن أهل العراق معروفون بالشيعة والحركة الخوارجية، كما عرفوا بالعصبية الإقليمية التي غدت بموجبها هوية العراق معروفة بالتطرُّف من كل نزعة شامية.
كما وجد الخوارج في التصدّع الذي حدث في بني أمية فرصة حتى يعلنوا الانتفاضة على الحكم الأموي، بالإضافة إلى توجيه ضربة قاسية لحكم مروان الثاني وإنّهاء الدولة الأموية التي طالما كرهوها وتمنوا زوالها، وكانت حركات الخوارج تمتاز بالشمولية فبعد أن كانوا قليلين العدد أصبحوا يقاتلون بأعداد هائلة، وبعد أن قُتل الخليفة الوليد الثاني في عام 126هـ تعددت حركات الخوارج وكان مسرحها العراق وشبه الجزيرة العربية.
ومن بعدها دخلوا الكوفة وقاموا بالاستيلاء على البصرة وحضرموت، ولكن الخليفة مروان استطاع أن يتصدّى لهم وبأن يهزمهم في العديد من المعارك في نواحي كفرتوثا، كما انتصر عليهم وقام بإجلائهم من العراق واستعاد نفوذه على الحجاز واليمن.
الحركات العلوية:
كان عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر زعيماً لآخر حركة قام بها الشيعة ضد الدولة الأموية، كما انضم له الكثير من الشيعة وقاموا بمبايعته على خلافتهم، وفي شهر محرم من عام 127 قام بالخروج ليقاتل أهل الشام في الحيرة، ولكن على ما يبدو أن الشيعة خذلوه في هذه المعركة وهربوا منها ومن بقي منهم الزيدية وربيعة فقط، ولهذا كان مضطراً بأن يتراجع إلى الكوفة، واكن الأمويون قاموا باللحاق به.
واستطاع الجيش الأموي بأن يسيطر على الموقف، ورحل عبد الله بن معاوية إلى فارس حتى يعيد تنظيم قواته فانضم له الموالي والعبيد والعباسيين الثائرين على الحكم الأموي والكارهين لحكم مروان الثاني بن محمد الجعدي، بالإضافة للطامعين في العطايا والوظائف والذين بقوا من الخوارج الذي تمّ طردهم من الموصل.
ولكن على ما يبدو بأنّ الجيش الذي التفّ حول عبد الله بن معاوية لم يكن متجانساً، ومن الواضح أيضاً بأنّ هدفه هو تشكيل مقاومة لا يربطها إلا الكره لمروان بن محمد الجعدي، وهذا كان سبباً في عدم استمرارية هذه الجبهة طويلاً، وكان انفراط عقده سريعاً على أثر الهزيمة القاسية التي واجهوها على يد قوات مروان الثاني، وبهذا تكون قد انهارت الآمال التي كان يطمع بها عبد الله بن معاوية، ففرّ إلى سجستان آملاً بأن يلاقي نصير له في أبي مسلم، ولكنه قبض عليه وقتله.