كيف كان شكل العلاقات السلمية بين الدولتين الأموية والبيزنطية؟

اقرأ في هذا المقال


شكل العلاقات السلمية بين الدولتين الأموية والبيزنطية:

على الرغم من أن العلاقات بين الدولة الإسلامية والدولة البيزنطية كان مليئاً بالحروب والغزوات منذ العصر الراشدي، واستمرار هذه الحملات في العصر الأموي مثل الصوائف والشواتي، إلَّا أن العلاقات السلمية بن الدولتين كانت موجودة، والتي تمثلت في:

1- المراسلات بين القيصر ومعاوية بن أبي سفيان:

قام معاوية بن أبي سفيان بمراسلة القيصر في فترة الفتنة، ووصلت هذه المراسلات إلى عقد الصلح بين الطرفين؛ ولكنه يجب على معاوية أن يقوم بدفع أموالاً للقيصر، وأن يتم تبادل الطرفين الرِهان وأن يأخذ كل طرف منهم رهناً من الطرف لآخر، فارتهن معاوية ووضعهم في بعلبك، ولكن الروم قامت بغدر المسلمينفلم يستحمل الخليفة معاوية والمسلمون أن يقتلوا ما في أيديهم من رهنهم، وخلوا سبيلهم وقالوا: وفاء بغدر خير من غدر بغدر.
ولم تقتصر المراسلات بين الطرفين على الجهات العسكرية فقط، ولكن يوجد بعض المراسلات التي تتناول الأمور العلمية والعامة: فكان القيصر قد كتب لمعاوية سلام عليك أما بعد: فأنبئني بأحب كلمة إلى الله وثانية وثالثة ورابعة وخامسة، وعن أربعة أشياء فيهن روح ولم يرتكضن في رحم، وعن قبر يسير بصاحبه، ومكان في الأرض لم تصبه الشمس إلا مرة واحدة وغيرها من الأسئلة.
فكتب له معاوية بن أبي سفيان: أما أحب كلمة إلى الله لا إله إلا الله ولا يتم قبول أي عمل إلا بها وهي المنجية، والثانية سبحان الله صلاة الخلق، والثالثة الحمد لله كلمة الشكر، والرابعة الله أكبر، فواتح الصلوات والركوع والسجود، والخامسة لا حول ولا قوة إلا بالله، والأربعة فيهن روح، ولم يرتكضن في رحم فآدم وحواء وعصا موسى والكبش، والموضع الذي لم تصله شمس إلا مرة واحدة، فالبحر حين انفلق لموسى وبني إسرائيل، والقبر الذي سار بصاحبه، فبطن الحوت الذي كان فيه يونس.

2- تبادل الخبرات بين الأمويين والروم:

حاول كل من العرب والروم أن يستفيدوا من خبرات بعضهم البعض في كافة مجالات الحياة، وكان أحياناً يعتمدون على الاقتباس، والإبداع في مرَّات أُخرى، ولكن الذي أخذه المسلمون من الروم لم يكن اقتباساً بل قاموا بتطويره، وهذا التطوير جعله يتماشى مع روح الدين الإسلامي، وهذا يتمثل في معالم النهضة العمرانية عند الأمويين، ويتضح ذلك في اهتمامهم ببناء المساجد وتوسيعها.
وكان معاوية بن أبي سفيان قد استخدم العديد من رجال الروم الذين كانوا في إدارة الدولة البيزنطية في أراضي بلاد الشام قبل أن يتم فتحها، وكان قد قام بتعيين سرجون بن منصور الرومي كاتباً له، كما كان ابن أثال النصراني طبيبه الخاص، وكان تسامح معاوية مع النصارى واضحاً جداً، حتى أن بروكلمان كان قد شَهِدَ له هذا التسامح: واختلطوا بالمسيحية اختلاطاً بعيداً.
وفي قصر معاوية كان سرجون بن منصور الرومي قد عمل بدور المستشار المالي المتنفذ، وكان النصارى يخلصون للخليفة بسبب التسامح الذي عاملهم به، وكانوا يعظمونه ويقدرونه، كما أنه ذكر كثيراً في الروايات النصرانية، وفي كتب التاريخ الإسبانية.

3- تأثر الدولة البيزنطية بالتسامح الإسلامي:

يذكر العدوي: إن انعكاس التسامح الديني مع النصارى ظهر له تأثيره على الدولة البيزنطية؛ إذ من المعروف أنها كانت تضطهد رعاياها من أصحاب المذاهب الأُخرى، وتعاملهم معاملة قاسية، كما كانت تدعوهم هراطقة، وعندما ظهرت الدولة الإسلامية تَبِعهم الكثير من المسيحيين، ولهذا اضطرت الإمبراطورية البيزنطية لتعديل الأساليب والسياسة التي كان تتبعها، وكانت تجد الحق في نفسها برعاية المسيحيين في بلاد الشام.
وكان معاوية بن أبي سفيان يجلس مع الجماعات المسيحية الذين يختلفون في المذاهب ويستمع لجدالهم ومناقشة اختلافاتهم، وبهذا تكون الدولة الإسلامية قد أعطت مثالاً عالياً عن سمو رسالة الإسلام وعظمتها، وأنها بعيدة كل البعد عن التعصب الديني والتعنت، الذي كان المستشرقين يتهم الإسلام والمسلمين بهن.

4- آداب السفراء:

لم يكن نظام الوفود والسفراء يقتصر على العهد الأموي، بل أنه كان منذ عهد الرسول صلَّ الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، فكان يتم اختيار السفير وفق العديد من المواصفات والتي تتمثل في: قوة شخصيته، ومدى نباهته، ورجاحة العقل لديه، فكان السفير من الجهتين يقوم بحمل خِطاب يتم فيه شرح عن شخصية الرسول صلَّ الله عليه وسلم، والتعريف من هدف الرسالة، يكون مخوّلاً بالتكلم باسم دولته.
ولم يكن الاهتمام بالوفود والسفراء يقتصر على الدولة الأموية فقط، بل كان البيزنطيين يهتمون بسفرائهم أيضاً، فكانوا يختارونهم شديدين الذكاء، ولديهم معلومات كاملة عن دينهم، ولديهم قدرة عالية على الجِدال والمناقشة، بالإضافة لقدرتهم على التكلم باللغة العربية، ويتميزون بفصاحة اللسان.
وكان الخلفاء والملوك الأمويين يهتمون كثيراً بوفودهم وسفرائهم، وكانوا يستقبلونهم في قصور الخلفاء ويهتمون بكلامهم ويسمعون آرائهم، فحين سأل معاوية رسول البيزنطيين بعد أن انتهى من بناء قصر الخضراء، الذي أدى عليه ملاحظته قائلاً: أما أعلاه فللعصافير، وأما أسفله فللفار، وعندما عرف معاوية بن أبي سفيان صحة انتقاد السفير ورأيه الصواب، بدأ بإعادة بناء القصر بالحجارة.
وأما البيزنطيون فكانوا يستقبلون السفراء في كنيسة أبا صوفيا وقناطير المياة والأديرة حول القسطنطينية، وعندما يعود السفير تُقدَّم له الهدايا والمجوهرات باهظة الثمن، وكان الهدف من هذا في كِلتا الدولتين هو إظهار مدى الاحترام والنيات الحسنة المتبادلة في الصلح.


شارك المقالة: