مؤثرات الأفكار النظرية الاجتماعية في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


لقد تأثرت الأفكار النظرية في علم الاجتماع بمجموعة من الظروف والقوى المجتمعية والفكرية، التي يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:

الثورات السياسية والصناعية وأثرها على النظريات الاجتماعية:

لقد نشأت نظرية علم الاجتماع استجابة لظروف مجتمعية خاصة بالثورة السياسية والصناعية، فلقد قامت الثورة الفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر، وكان قيامها باعث لقيام كثير من الثورات السياسية التي حدثت في القرن التاسع عشر.
حيث كان قيام هذه الثورات عاملاً مباشراً لنشأة التنظير في علم الاجتماع، ولقد ترتب على حدوث هذه الثورات كثير من الآثار الإيجابية في المجتمعات التي قامت فيها تلك الثورات، ولكن أكثر ما لفت نظر الباحثين في علم الاجتماع، تمثل في الآثار السلبية والمشكلات الاجتماعية، التي تجمعت عن التغيرات الاجتماعية التي أحدثتها هذه الثورات السياسية وما صااحب ذلك من اتساع نطاق الفوضى والاضطراب في الحياة الاجتماعية.
كما أن للثورة الصناعية عموماً أثرت في تشكيل نظرية علم الاجتماع، ولم تكن الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر واقعة مفردة، بل كانت مجموعة مترابطة من التطورات التي أدت إلى تحول المجتمع الغربي من مجتمع يسوده الطابع الزراعي إلى مجتمع تغلب عليه سمة النسق الصناعي، مما أدى إلى ترك العمال الزراعيين للزراعة، وسعت للعمل في الصناعة، كما حدث في إطار هذا النظام نوع من التفاوت الاجتماعي، حيث أفادت منه فئة قليلة فازدادت ثراء وربحاً، بينما ظلت الأغلبية تعاني من قلة الدخل من الطبقة العاملة، مما أسهم ذلك في ظهور حركات راديكالية، مما انعكس على وجود مظاهر من الاضطراب في المجتمع الغربي.
ولا شك أن هذه الظروف الاجتماعية تفسر الاهتمام الرئيسي، الذي سعى إليه علماء الاجتماع كونت، ودور كايم، وفيبر في البحث عن الكيفية التي يستطيع من خلالها أن يستبدل الفوضى والاضطراب بالنظام، وأن يعيد بناء المجتمع بأسره من جديد.

التغيرات الدينية وتأثيرها على النظريات الاجتماعية:

لقد أثرت المتغيرات المجتمعية التي أوجدتها الثورات السياسية والصناعية وعملية التحضر، تأثيراً واضحاً في ظاهرة التدين عند الناس، وكان كثير من علماء الاجتماع الرواد يتمسكون بالعقائد والشعائر الدينية، ﻷن الأصول التي نشأوا في ظلها كانت تحض على ذلك، بل كان بعضهم من رجال الدين ودارسيه.
ولهذا تجسدت أهداف الدين وقيمه، وشكلت أفكار رواد النظرية في علم الاجتماع، فالجميع سعوا إلى تحسين طابع حياة الناس، ورفع مستوى هذه الحياة، وجميعهم أفردوا اهتماماً خاصاً بتحليل الدين، فمنهم أوجست كونت الذي أراد أن يتحول علم الاجتماع إلى دين تؤمن به الإنسانية كلها وأطلق عليه “دين الإنسانية”، ينهض على أسس منهجية جديدة، يهدف إلى تحقيق غايات ومُثل أخلاقية واجتماعية، من أجل إحداث التوازن الاجتماعي المطلوب، واﻹصلاح اﻷخلاقي الذي سيعيد للمجتمع وحدته وتماسكه.

اتساق نطاق العلم والتحضر وتأثيرها على النظريات الاجتماعية:

لقد شهد القرن التاسع عشر انفجاراً حضرياً كبيراً في المجتمع الأروبي، حتى أن بعض العلماء والمفكرين، قد وصفوا هذا القرن بأنه عصر التحضر، وكانت الثورة الصناعية هي السبب الرئيسي في هذا التغير البارز، نتيجة لتغير نظام المصنع والمدن، والزيادات اللاحقة في الإسكان والأموال التجارية ووسائل النقل، حيث انتقل عدد كبير ومتزايد من السكان الريفيين إلى البيئة الحضرية، ولكن تلك الأوضاع أوجدت مشكلات عديدة واجهت المهاجرين الذين كان من اللازم لاستقرار حياتهم أن تتحقق لهم القدرة على التكيف مع أوضاع الحياة الحضرية.
علاوة على ذلك أدى التوسع العمراني للمدن إلى كثير من المشكلات الحضرية، كالازدحام والتلوث والضوضاء وقلة فرص العمل مما جعل الشوارع ذاتها عديمة النظام.

العناصر الفكرية وتأثيرها على النظريات الاجتماعية:

لقد استمدت النظرية في علم الاجتماع تطورها من مجموعة من العناصر الفكرية المتطورة في هذا العصر، وبخاصة تلك المجموعة من القيم التي تعكس مراحل متباينة من انتقال المجتمع وتحوله اتجاه عملية التصنيع، فلقد تأثرت النظرية المبكرة بفلسفة حركة التنوير التي تؤكد على النزعة الطبيعية، وعلى العقلانية، وعلى المماثلة العضوية، وكانت الفروض المتعلقة بالطبيعة الإنسانية أحد دعامات نظرية الصراع الماركسية.
وكانت الصلة واضحة بين أنساق الفكر المبكرة في علم الاجتماع صلة واضحة، وفي اللحظة التي سيطرت فيها روح البراجماتية والتطبيق المصاحب للمنهج على الموقف الفكري وخاصة الامريكي، ترجمة فلسفات مبكرة مثل الاهتمام بالرشد إلى البرجماتية العلمية، وقد ترتب على ذلك التحول نحو نظرية نفسية اجتماعية مع الاهتمام بالوحدات الصغرى.
وبالتالي كان للبيئة الفكرية التي تحيط بأصحاب النظريات، أثراً واضحاً على أعمالهم، كما أثرت أيضاً استجابة المفكرين وبخاصة تشجيعهم ودعمهم وتأييدهم على تفكيرهم، سواء كانت هذه البيئة مؤيدة أو ناقدة، مما نجم عنه أنماط في التفكير جديدة ومتغيرة.


شارك المقالة: