غزو النورمان لجنوب إيطاليا:
قامت شعوب النورمان في نهاية القرن الحادي عشر ميلادي بغزو جنوب إيطاليا، وجرت خلال تلك الفترة الكثير من الصراعات والتي نتج عنها توحيد الأراضي وتشكيل مملكة صقلية، وشَملت على أجزاء من شبه الجزيرة الإيطالية وعلى جزء من أراضي شمال أفريقيا، وتمكن النورمان من توحيد شعوبهم وضم الكثير من الأراضي وعَملوا على تشكيل دولة مستقلة خاصة بهم.
بداية غزو النورمان لجنوب إيطاليا:
حسب أراء المؤرخين فإنّ قدوم شعوب النورمان إلى جنوب إيطاليا كان في عام 999 ميلادي، فكانوا يقومون بتأدية طقوس الحج وكانوا عائدون من كنيسة القبر المقدس الموجودة في القدس، وأثناء وجودهم في القدس كانت شعوب اللومبارد البيزنطيين مقيمين في المدينة ويقومون بدفع الجزية للمسلمين، وأثناء قيام المسلمين بأخذ الجزية من شعوبها.
استهجن النورمان موافقة اللومبارد على دفع الجزية وقاموا بمحاصرة المسلمين وقاموا بإخراجهم من المدينة، وقام الحاكم اللومباردي بشكرهم على موقفهم وطلب منهم الإقامة معهم، لكن شعوب النورمان رفضوا الإقامة وتم تقديم الهدايا لهم، وقام حاكم اللومبارد بالإرسال إلى النورمان وطلب منهم الفرسان وتعليم جنوده على فنون القتال، وهناك روايات للمؤرخين تشير بأنّ شعوب النورمان قاموا بالمشاركة في الحرب ضد البيزنطيين.
خلال فترة العصور الوسطى كانت إيطاليا واقعة تحت الحكم البيزنطي وقامت ببناء مستعمرات بيزنطية فيها وكان الشعب اللومباردي يقيم في إيطاليا وكان الحكم الإيطالي بالنسبة لهم حكم مضطهد وظالم؛ ممّا دفعهم إلى القيام بالتمردات والمشاركة في الثورات ضد الحكم البيزنطي، لكنهم لم يتمكنوا من هزيمة البيزنطيين في بداية المعارك؛ ممّا جعلهم يطلبون العون من شعوب النورمان، والذين قاموا بإرسال أقوى جنودهم وفرسانهم للمشاركة في الحرب ضد الإمبراطورية البيزنطية، ودارت عدة معارك طاحنة بينهم.
بعد بداية الكثير من المعارك تمكن البيزنطيين من تحقيق النصر في البداية، فقام النورمان بإرسال كتائب عسكرية للمشاركة في الحرب وقاموا بالتوجه إلى جنوب إيطاليا؛ ممّا أدى إلى خوف البيزنطيين ورأوا أنهم بذلك يفقدون السيطرة على جنوب إيطاليا، الأمر الذي دفعهم إلى إرسال قواتهم العسكرية إلى جنوب إيطاليا وحمايته من سيطرة الجيش النورماني، تمكن البيزنطيون من السيطرة على الثورة المقامة من قِبل اللومبارد وشعب النورمان وإعادة السيطرة على جنوب إيطاليا.
قام النورمان بعد ذلك بإعادة السيطرة على المنطقة وتمكنوا من إعادة بناء قوتهم، وقاموا بانتخاب حاكماً لهم وقاموا بنشر لغتهم وثقافتهم، ومن ثم إعادة النورمان سيطرتهم على جنوب إيطاليا، حاول البيزنطيين عقد الصلح واستعادة بعض المناطق في جنوب إيطاليا وقاموا بمنحها الألقاب الملكية وتشكيل علاقة نسب معهم؛ وذلك من أجل عدم الوقوع في صراعات معهم.
لم يوافقوا النورمان على مطالب البيزنطيين في السيطرة على مدن جنوب إيطاليا ودار صراع بينهم، وانتصر النورمان وتمكنوا من بسط سيطرتهم على كامل جنوب إيطاليا، كانت هناك مدينتين في جنوب إيطاليا هما مدينة أفرسا ومدينة ملفي، وفي منتصف القرن الحادي عشر ميلادي بدأوا بالحكم العنيف في المنطقة وحاولوا السيطرة على أكبر عدد ممكن من الأراضي لتوسيع مستعمراتهم، وقاموا بغزو المناطق التي كانت تحت سيطرة اللومبارد؛ ممّا أدى إلى قيام صراع بينهم، على الرغم من العلاقات الجيدة القديمة.
قام النورمان بعد ذلك بالتوجه إلى صقلية والتي كانت تحت سيطرة المسلمين ومعظم سكانها من الشعب اليوناني المسيحي، وكانت هناك في ذلك الوقت صراعات في مملكة صقلية على الحكم؛ ممّا أدى إلى دخولها في صراعات وتقسيمها، الأمر الذي ساعد النورمان ودفعهم إلى التدخل والهجوم على صقلية ومحاولة السيطرة عليها، تمكنوا من الدخول إلى مملكة صقلية ولم يجدوا تصدي للهجوم الذي قاموا فيه، فقد كانت معظم المدن مهجرة؛ ممّا ساعدهم السيطرة على بعض المدن فيها.
كانت سيطرة النورمان على جنوب إيطاليا أمراً مزعجاً بالنسبة للإمبراطورية البيزنطية، وبقيت الصراعات قائمة بين الطرفين، ودارت من جديد الحروب وحاول البيزنطيون استعادة بعض المناطق، وكانت دوقية نابولي في ذلك الوقت تحت سيطرة الإمبراطورية البيزنطية على الرغم من كونها واقعة في جنوب إيطاليا، وقامت دوقية نابولي بالتحالف مع النورمان وتشكيل تحالف ضد البيزنطيين، وكانت دوقية نابولي تعاني من صراعات على حكم الدوقية ليتم الأمر في النهاية لوضعها تحت حكم النورمان بعد أن كانت تعيش في استقلال.
خلال حكم النورمان لجنوب إيطاليا قاموا ببناء عدة مبان وكنائس وكان لهم عدة آثار تركوا ورائهم لا تزال موجودة إلى اليوم، كما تعتبر القلاع التي بنوها من أهم المباني الموجودة في إيطاليا.