كانت الكنيسة الكاثوليكية، لها دور كبير في التأثير على الثقافة الأوروبية في العصور الوسطى، مع إنتقائها من العلوم اللاتينية، والمحافظة على الكتابة والتعليم، وذلك من خلال شبكة الأساقفة الخاصة بها، وتاريخياً في الكنائس الكاثوليكية وغيرها من الكنائس القديمة، وقد كان دور الأسقف، مثله مثل الكهنوت، مقتصراً فقط على الرجال.
أهم الأحداث الدينية والعسكرية والاقتصادية في العصور الوسطى المبكرة:
تأسيس الرهبنة المسيحية:
مع تأسيس الرهبنة المسيحية، باتت هناك أدوار أخرى للنساء داخل الكنيسة، وذلك ابتداءً من القرن الخامس فصاعداً، وقد قامت الأديرة المسيحية، بتوفير للنساء فرص للهروب من الزواج وتربية الأطفال، العمل على مساعدتهم في اكتساب المعرفة، تعلّم القراءة والكتابة وأن يقومن بدور ديني أكثر نشاطاً، وبذلك أصبح بمقدور رئيسات الأديرة أن يصبحن شخصيات مهمة، وذلك بحكم حقهن الشخصي، وقد كان لهن نفوذ في الأديرة ولهن خاصية السلطة واستملاك الأراضي.
الحروب في العصور الوسطى المبكرة:
في تلك الفترة تدهورت المؤسسات العمومية، وتم التجزئة السياسية في أوروبا، وقد زادت الأمور سواءً في السنوات التي تلت عمليات الغزو، رغم عدة المحاولات لمساعدة أوروبا بالعودة إلى الوحدة القومية، إلا أن كل تلك المحاولات قد باءت بالفشل، وبقيت أوروبا تنتظر حتى وسط القرن الخامس عشر ميلادي، من أجل إعادة وحدة أوروبا.
وقد واكب مسلسل التجزئة السياسية في أوروبا، سلسلة حروب متواصلة، داخل أوروبا وخارجها، والتي كانت الممالك الأوروبية طرفاً فيها، وقد حدث في العصور الوسطى عدة غزوات وحروب في أوروبا، وقد كانت حرب الممالك الجرمانية، أولى الحروب وتلتها حرب الملك شارلمان، والذي كان إمبراطور في إيطاليا وإسبانيا، ومن ثم حرب الهنغاريون و الاسكندنافيون، والحرب التي دارت بين المسلمين والمسيحيين، والحروب الصليبية، وقد انتهت سلسلة تلك الحروب في العصور الوسطى المبكرة بحرب المئة عام والتي كانت بين فرنسا وإنجلترا.
ومن الجدير ذكره، بأن العصور الوسطى في أوروبا هو عصر الفروسية والفرسان، فقد شكَّل الفرسان الشريحة الأدنى في الطبقة الارستقراطية، وكانوا موزَّعين على شكل فِرق، تعمل كل واحدة منها تحت إمرة أحد أفراد الشريحة العليا في الطبقة الأرستقراطية، وكان هناك روابط خاصة بين الطرفين تعرف بالروابط الفصلية، وقد كان اهتمام الفرسان بالحروب هو الأمر الأهم في الأول والأخير.
وفي عام 1337 ميلادي، حدثت حرب المئة عام في أوروبا ، والتي كانت عبارة عن حركات دينية واجتماعية، يقوم بها الفلاحون، وأبرزها حركات القرنين الحادي عشر والرابع عشر، وقد كان الفلاحون والذين يشكلون النسبة الأكبر في أوروبا هم حصاد تلك الحروب والحركات، كما كانوا في نفس الوقت هم الحطب المُغذّي للحروب، بما كانوا يقدمونه من ضرائب ومغارم وخدمات، فقد كان الفلاح ملزماً بقضاء نهاره منحنياً للعمل في الأرض، والتي كانت مصدر الحياة في أوروبا ووجود مجتمع بأكمله.
النهضة الاقتصادية في القرون الوسطى المبكرة:
يجب أن نعلم، أن عملية إعادة تشكيل الخارطة السياسية في أوروبا بعد انهيار الإمبراطورية الرومانية، رافقها عملية إعادة تشكيل الخارطة الاقتصادية، والتي لم تعد مشكلة واضحة في أوروبا، في ذلك التاريخ، فقد كانت أوروبا حينها بفترة نشاط فلاحي ونشاط في المبادلات التجارية والأنشطة الحرفية ومختلف الخدمات، بما فيها الأنشطة الفكرية التي اشتهرت بها الإمبراطورية الرومانية، وقد انتعشت تلك الأنشطة بشكل كبير في القرن الحادي عشر ميلادي، فقد كان للنهضة الزراعية في أوروبا، دور كبير في حدوث تحولات كبيرة في جميع مناحي الحياة الأوروبية.
وقد بدأت تلك النهضة تسجل تراجعاً واضحاًع في عام 1316 ميلادي، فقد حدث انقلاب سرعان ما تحول إلى أزمة اجتماعية واقتصادية وسياسية وفكرية وعسكرية، في القرنين الرابع عشر والخامس عشر ميلادي، ومن هنا فيمكننا القول أن العصر الوسيط في أوروبا، هو تاريخ أرياف.
ومنذ بداية القرن الثالث ميلادي، شهدت الإمبراطورية الرومانية عِدَّة مشاكل، وقد ازدادت تلك المشاكل عند سقوط روما في عام 476 ميلادي، ومن أهم مظاهر تلك المشاكل هو سقوط المدن الأوروبية وقد تلاشت بعض المدن بعد ذلك، ولم يبقَ منها إلا القليل، والتي كانت أقل سكاناً وأقل مساحةً وبالتالي أصبحت الأرياف هي إطار جميع الأنشطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وذلك حتى مطلع القرن الحادي عشر، حيث شهدت حينها حركة التمدين وبداية انتعاش في أوروبا.
فقد سارعت تلك المدن في استعادة وظائفها، واستعادة جانب من الهيمنة التي كانت تمارسها على الأرياف قبل القرن الثالث ميلادي، وقد كانت عملية الاستعادة ضعيفة لتلك المدن؛ وذلك لأن عملية التبادل التجاري التي كانت تقوم به المدن كان مرتبطاً بما تقدمه الأرياف، من منتجات زراعية، كما أن التشكيلة الاجتماعية التي كانت تمنح المدن الهوية الاجتماعية، لم تتبلور إلا في مطلع القرن الرابع عشر ميلادي.