ما هو نظام الأتابكيات؟
لقد استهدف الوزير نظام الملك من تعميمه النظام الإقطاعي في الدولة السلجوقية تخفيف الأعباء الإدارية والعسكرية عن السلطة المركزية ومن أجل الحفاظ على أمنها وحمايتها فكانت ظاهرة بعثرة الإقطاع الواحد حتى لا يقوى المقطع ويشكل خطراً في المستقبل.
لقد أدت هذه السياسة ثمارها الإيجابية عندما كانت الدولة قوية في فترة حكم السلاطين السلاجقة الأقوياء، اتسعت اتساعاً عظيماً حتى امتدت حدودها من بلاد ما وراء النهر شرقاً إلى آسيا الصغرى غرباً ومن أعالي الفرات شمالاً إلى اليمن جنوباً.
لقد وصلت السلطة السلجوقية ذروة قوتها أيام السلطان ملكشاه وبعد وفاته سنة (485 هجري)، حصل نزاع حول العرش من قبل أبناءه وأخوته فقد حاول تتش الحصول على السلطة ودارت الحرب مع بوكياروق بن ملكشاه، إنّ هذا الوضع المضطرب والانقسام في البيت السلجوقي انعكس على الوضع السياسي فقد أخذ أصحاب الإقطاعات بالاستقلال وعمل كل مقطع على أنّ يوسع حدود مقاطعة.
إنَّ هذا الاضطراب والصراع حول العرش قد صرف الأمراء السلاجقة عن مراقبة أصحاب الإقطاعات التي تحولت إلى دويلات وراثية عرفت بالأتابكيات، كذلك انعكست حالة الصراع على الوضع السياسي للدولة العربية الإسلامية وتمكن الصليبيين من احتلال بلاد الشام.
من هم الأتابكة وما هي تنظيماتها الإدارية:
الأتابكة: هم من المماليك السلاجقة الذين خدموا في الجيش السلجوقي وأصبحوا بمرور الزمن من قادته، وهم في الأصل من بلاد القفجاق. وقد أقبل الأمراء السلاجقة على شرائهم للعمل في بلاطهم. وأصبحوا يتولون الأعمال المهمة في قصورهم وبسبب إخلاصهم وكفائتهم الإدارية تولوا المناصب المهمة في السلطة السلجوقية وخاصة المناصب العسكرية.
لقد عهد إلى هؤلاء عملية تربية أولاد الأمراء السلاجقة وبما أنَّ معظم أراضي الخلافة أعطيت إقطاعات، لذلك كانت مهمة الأتابك العناية بالأمير المقطع أي بصفة مستشار في حكم الإقطاعية.
وكان لحداثة سن الأمير الأثر في زيادة نفوذ الأتابك وسيطرته على شؤون الحكم فيها إذ أصبحت الأمور السياسية والعسكرية بيد ذلك الأتابك الذي لم يترك فرصة للأمير في إدارة إقطاعه، ويموت السلطان مسعود سنة (547 هجري)، آخر ملوك السلاجقة الأقوياء ماتت معه سعادة البيت السلجوقي.
فقد دب الضعف في أركان السلطة السلجوقية الذي هيأ الفرصة لبروز دور الأتابك في إدارة الدولة سياسياً وعسكرياً، خصوصاً أنَّ نظام الإقطاع عمل على نشوب الصراع بين الأمراء السلاجقة وبالتالي ظهور نظام الأتابكيات في الدولة العربية الإسلامية.
إنَّ نظام الأتابكة في الأساس نظام اجتماعي تربوي لأن الأتابك مسؤول عن تربية أولاد السلاطين والحفاظ عليهم فهي مسؤولية اجتماعية تربوية أخلاقية فرضها طبيعة المنصب، إلا أَّن ظروف الدولة السلجوقية من كونها دولة عسكرية في نظامها الإقطاعي، يضاف إلى ذلك صغر سن الأمير السلجوقي، كلها أدت إلى تحول الأتابك إلى حاكم عسكري في إقطاعية التي منحت له من قبل السلطان السلجوقي الإقطاعي العسكري الكبير.
إنَّ طبيعة الدولة العسكرية هي التي أوجدت هذا النظام الذي كان من نتائجه تمزق جسد الدولة السلجوقية إلى أتابيكيات متناثرة يحكمها مماليكهم السابقين الذين يدينون للسلطات بالطاعة في أحسن الحالات.
اكتسب نظام الأتابكة صورة النهائية عندما أصبح نظاماً سياسياً عسكرياً إقطاعياً متربعاً على النظام السلجوقي المنهار من جراء التفكك والضعف، بحيث وصل الأتابك إلى سلم السلطة والتي أصبحت وراثية بين افراد البيت الأتابيكي. إنَّ نظام الأتابكة هو من الآثار السياسية للنظام الإقطاعي السلجوقي.
أما النظام الإقطاعي التي مارسته تلك الأتابيكيات والذي هو في الأساس صورة للنظام الإقطاعي السلجوقي سوف يتم توضيحه من خلال النظام الإقطاعي الأتابيكي في الموصل لأسباب عديدة منها أنَّ هذه الأتابيكية قد حظيت بعناية المؤرخين الذين أسهموا في ذكر تفاصيل مهمة عند نظمها الإدارية والعسكرية والسياسية، وكذلك المساحة التي شغلتها هذه الأتابيكية وما تفرع منها من أتابيكيات والدور الذي لعبه أمرائها في الوقوف بوجه الصليبيين في بلاد الشام.
إنَّ النظام الإقطاعي في أتابيكية الموصل هو انعكاس للنظم الإقطاعية التي وجدت في الأتابيكيات الأخرى، التي أغفلت المصادر التاريخية عن ذكر تفاصيل التنظيمات الإدارية لها مركزة فقط على الأحداث السياسية لها.