ما هي أهم أسباب الصلح بين الحسن بن علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان؟
يوجد العديد من الدوافع والأسباب الهامة التي جعلت الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقوم بطلب الصلح من معاوية بن أبي سفيان ومن أهمها:
1- رغبة الحسن بن علي فيما عند الله تعالى وإرادة صلاح الأمة:
قال الحسن بن علي رضي الله عنه، وذلك رداً على نفير الحضرمي عندما قال له: إن الناس يزعمون أنك تريد الخلافة، فقال: كانت جماجم العرب بيدي، يسالمون إمن سالمت، ويحاربون من حاربت، فتركتها ابتغاء وجه الله تعالى.
2- دعوة الرسول صلَّ الله عليه وسلم للحسن بن علي:
كانت الدعوة التي دعا بها الرسول صلَّ الله عليه وسلم له بأن يقوم بالإصلاح بين فئتين إسلاميتين، جعلته يقوم بلتخطيط والاستعداد النفسي ليقوم بالصلح مع معاوية بن أبي سفيان والتغلب على أي عائق في طريقه، فكان هذا الحديث هو الكلمة الموجهة الرائدة للحسن في جميع اتجاهاته وأي تصرف أو منهج حياته، فقد خالطت مشاعره واستولت على أحاسيسه واختلطت بلحمه ودمه.
3- رغبة الحسن بن علي بحقن دماء المسلمين:
قال الحسن بن علي رضي الله عنه: خشيت أن يجيء يوم القيامة سبعون ألفاً، أو أكثر، أو أقل، كلهم تنضح أوداجهم دماً، كلهم يستعدي الله فيم هُريق دمه؟ وقال أيضاً: ألا إن أمر الله واقع إذ لا دافع له وإن كره الناس، إني ما أحببت أن لي من أمة محمد مثقال حبة من خردل يهراق فيه محجمة من دم، قد علمت ما ينفعني مما يضرني، الحقوا بطيتكم.
4- حرص الحسن بن علي على وحدة الأمة:
قام الحسن بن علي خطيباً في إحدى مراحل الصلح فقال: أيها الناس، إني قد أصبحت غير محتمل على مسلم ضغينة، وإني ناظر لكم كنظري لنفسي، وأرى رأياً، فلا تردوا على رأيي، إن الذي تكرهون من الجماعة أفضل مما تحبون من الفرقة، وقد تحقق بفضل الله.
وقد حرص الحسن بن علي على وحدة الأمة، وقد تنازل عن الخلافة خوفاً من أن تُسفك دماء المسلمين فيما بينهم، وليتجنب أي مفاسد ممكن أن تلحق بالأمة إذا ظلَّ مصراً على موقفه، أو أن تستمر الفتن وتقطع الأرحام والسبل، وتحققت بفضل الله وحدة الأمة بتنازل الحسن عن الخلافة وسمي ذلك العام باسم عام الجماعة.
5- مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
من الأسباب المهمة التي جعلت الحسن بن علي يتنازل عن الخلافة هو مقتل أبيه علي بن أبي طالب، وكان مقتله قد ترك فراغاً كبيراً في جبهة العراق، وكان اغتياله قد ترك أثراً كبيراً في نفس الحسن، وكان قد حزن حزناً شديداً، فكان مقتله بلا أي حق ولم يرع الخوارج سابقته في الإسلام وفضله العظيم، والخدمات الهامة التي قدمها للإسلام، فكان حياته مليئة بالقيم والمثل.
وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه معلماً من معالم الهُدى، وكان يفرق بين الحق والباطل، وكان أمراً طبيعياً أن يتأثر كل المسلمين بموته، فكان مقتله مصيبةً على أي مسلم، فغمرهم الحزن وفاضت الدموع من أعينهم، وكانت ألسنتهم تردد الثناء والترحم عليه، وكان مقتله سبباً لتزهيد الحسن عند أهل العراق؛ وبالرغم ممّا قدمه لهم علي بن أبي طالب ومن مكارم أخلاقه وشرف صحبته.
ألا أنهم خرجوا عن طريق الهُدى وأضلتهم طريق الفتن والأطماع، ولكننا نستثني الصادقين المخلصين لدين الإسلام وللخليفة علي بن أبي طالب، فكان مقتله ضربة عظيمة لعصر الخلافة الراشدة، وكان سبباً من أسباب زوالها.
6- شخصية معاوية بن أبي سفيان:
إن قيام الحسن بن علي بن أبي طالب بتسليم الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان، مع أنه كان يمتلك أكثر من أربعين ألف شخص يقفون جانبه حتى الموت، ولكن لو لم يرى مواصفات الخليفة الناجح في معاوية بن أبي سفيان لما أعطاها له، ولاستطاع محاربته.
7- اضطراب جيش العراق وأهل الكوفة:
كان لخروج الخوارج أثراً كبيراً في إضعاف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، كما أن الحروب التي وقعت في الجمل وصفين والنهروان جعلت أهل العراق يشعرون بالملل من الحرب ونفورهم منها، وخاصة أهل الشام الذين كانوا في معركة صفين، فإنها ليست كغيرها من المعارك فذكراها عالقة في رؤوسهم؛ فكانت قد تركت الكثير من الأيتام والأرامل.
وبالرغم من الخسائر الفاحة التي لحقت بمعركة صفين لم يتحقق هدفهم، ولولا الصلح أو التحكيم الذي رحب به علي بن أبي طالب لكانت مصيبة على كل العالم الإسلامي، ولا يمكن أن يتخيل أثارها أي أحد، وكان الجميع يشعرون بالتخاذل من المسير مع علي بن أبي طالب مرةً أخرى، حتى وإنهم كانوا يعلمون بأن أمير المؤمنين على حق.
وقد تسلَّم الحسن بن علي بن أبي طالب الخلافة في الوقت الذي كان فيه جيش العراق مضطرباً، وكما أن أهل الكوفة مترددون في أمرهم، وهذا ليس على إطلاقه فإن جيش الحسن بالإمكان تقويته، كما أنه يوجد العديد من الفصائل على استعداد تام بالقتال والوقوف معه، مثل قيس بن سعد الخزرجي والعديد من القادة الآخرون.
8- قوة جيش معاوية بن أبي سفيان:
كان معاوية بن أبي سفيان يعمل بشتى الطرق سراً أو علانية؛ حتى يقوم بإضعاف جانب أهل العراق منذ عهد الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، فقام باستغلال ما أصاب جيش علي من تفكك والخلافات التي نشبت بينهم، وقد اجتمعت لمعاوية بن أبي سفيان العديد من العوامل التي ساعدت على تقوية جبهته، وهي:
- طاعة جيش معاوية بن أبي سفيان له طاعةً مطلقة.
- اتفاق كلمة أهل الشام على الوقوف مع معاوية بن أبي سفيان.
- خبرة معاوية بن أبي سفيان الإدارية في ولاية الشام.
- ثبات مصادر معاوية بن أبي سفيان المالية.
- عدم تحرج معاوية بن أبي سفيان من دفع الأموال؛ حتى يحقق الأهداف التي يراها من مصلحة الأمة.