إسبانيا هابسبورغ: هي فترة حكم عائلة “آل هابسبورغ” لإسبانيا في القرن السادس عشر ميلادي، وقد كانت إسبانيا في تلك الفترة من أقوى إمبراطوريات العصور الوسطى والتي تمكنت من السيطرة على قارة أمريكا الشمالية والهند وعلى بعض الدول الأوروبية، فقد تمكنت إسبانيا خلال تلك الفترة من توسعة مستعمراتها، ومع بداية القرن السادس عشر ميلادي تمكنت إسبانيا من السيطرة عسكرياً على أوروبا وأخذت تلك السيطرة تنهار مع بداية القرن السابع عشر ميلادي.
إسبانيا هابسبورغ:
تعتبر فترة حكم “آل هابسبورغ” لإسبانيا فترة العصور الذهبية، فقد اشتهرت الثقافة فيها، في تلك الفترة كان يطلق على إسبانيا شبه الجزيرة الأيبيرية، فقد كانت تضم عدد من الممالك والتي كانت متحدة تحت حكم واحد، فقد ضم الاتحاد كلاً من مملكة قشتالة ومملكة أراغون والبرتغال وغيرها من الممالك، ومع نهاية القرن السابع عشر ميلادي انتهى حكم “آل هابسبورغ” في إسبانيا وبدأ النظام الملكي فيها وقام عائلة “آل بوريون” بحكمها وأصبحت إسبانيا مملكة.
بعد وفاة الإمبراطورة “إيزابيلا الأولى” والتي كانت ملكة إسبانيا قام “فيرناندو” بالسعي لتولي الحكم في إسبانيا، وعندما تولى الحكم أصبح عدوائياً في حكمه، حيث قام بإرسال قوات عسكرية إلى مملكة قشتالة وأرغون وسعى إلى توسعة القوات في إيطاليا ليقوم بشن هجوم على فرنسا، فقد كان سعى في السيطرة وتوسعة أراضيه في إيطاليا وفرنسا، ففي خلال حكم الملك “فرناندو” زادت الصراعات الإسبانية الخارجية؛ ممّا دفع فرنسا إلى عقد هدنة مع إسبانيا وتنازلها عن بعض المناطق في إيطاليا لصالح إسبانيا.
بعد وفاة الملك “فرناندو” تولى الملك “كارلوس الخامس” الحكم في إسبانيا و المستعمرات الإسبانية والتي كانت تشمل جزاءً من الأراضي الإيطالية ومملكة قشتالة والأراضي المنخفضة، وقد كان الملك “كارلوس الخامس” من أقوى الملوك في تلك الفترة ودخل في حرب ضد فرنسا وتمكن من هزيمتها؛ ممّا دفع فرنسا إلى التنازل عن مدينة ميلانو الإيطالية لصالح إسبانيا، أدى الانتصار الذي حققه الملك كارلس إلى خوف الدول الأوروبية من قيام إسبانيا بتوسعة مستعمراتها والسيطرة على الدول الأوروبية؛ ممّا دفع إيطاليا إلى التحالف مع فرنسا ضد إمبراطورية إسبانيا هابسبورغ.
قامت فرنسا بالتحالف مع الإمبراطورية العثمانية ضد إسبانيا؛ ممّا دفع إنجلترا إلى التحالف مع إسبانيا؛ وذلك بسبب العداوة بين فرنسا وإنجلترا، فقد أرادت إنجلترا العمل على تفكيك فرنسا، وعلى الرغم من ذلك الاتحاد لم تكن بمقدرة فرنسا هزيمة إسبانيا، في تلك الفترة قامت ألمانيا بعملية الإصلاح البروتستانتي في أراضيها، فقد سعى الملك كارلوس في الحفاظ على الاستقرار في ألمانيا؛ وذلك لأنه كان يمتلك أراضي على طول الحدود الألمانية، إلا أنّ ألمانيا بدأت تعاني من ثورة الفلاحين والتي عَملت على تدمير الأراضي الألمانية، رغم محاولة الملك كارلوس المحافظة على النظام.
قام مجموعة من الأمراء في الإمبراطورية الرومانية المقدسة بالتحالف مع فرنسا؛ وذلك من أجل وقف التحالف مع ألمانيا، إلا أنّ فرنسا تم هزيمتها في تلك الصراعات؛ ممّا دفع الملك كارلوس استغلال تلك الفرصة والعمل على غزو ألمانيا وقد كان يسعى من خلال ذلك الغزو عودة سيطرة الإمبراطورية الإسبانية، وأظهر كارلوس للكاثوليك بأنّه يسعى لحماية ألمانيا والمذهب الكاثوليكي؛ ممّا أدى إلى وقوف الكاثوليكيين إلى جانبه.
استمرت الصراعات بين فرنسا وإسبانيا، وفي عام 1547 ميلادي تولى الملك “هنري الثاني” الحكم في فرنسا وقد كان الملك “فيليب الثاني” ملكاً لإسبانيا، فقام الملك “فيليب الثاني” بشن حرباً على فرنسا وقام بهزيمتهم؛ ممّا دفع فرنسا إلى توقيع معاهدة صلح مع إسبانيا بالاعتراف بحق إسبانيا في الأراضي الإيطالية، فلم يكن لدى فرنسا القدرة على مقاومة إسبانيا في ظل معاناة فرنسا من الحروب الأهلية فيها، فأصبحت إسبانيا من أكبر الإمبراطوريات وأخذت تسعى في السيطرة على الدول الأوروبية.
تمكنت إسبانيا في تلك الفترة من بناء مستعمرات كبيرة لها في أوروبا، وقد حَصلت إسبانيا من خلال تلك المستعمرات على الكثير من الموارد والثروات، كما كانت المستعمرات الإسبانية في أمريكا الشمالية المصدر الرئيسي لمعدني الذهب والفضة، بعد إنتهاء الحرب بين إسبانيا وفرنسا بدأت إسبانيا تعاني من انهيار اقتصادي وقامت بإعلان إفلاسها، في تلك الفترة كانت الإمبراطورية العثمانية تسعى على هزيمة إمبراطورية إسبانيا هابسبورغ، إلا أنّ العثمانيين لم يتمكنوا من السيطرة على البندقية وتمكن الإسبان من هزيمتهم.
انهيار إسبانيا هابسبورغ:
بعد الانتصار الذي حققته إسبانيا على الإمبراطورية العثمانية بدأت الصراعات الداخلية الدينية في بلجيكا وهولندا، وقد كانت تلك الصراعات تطالب بالحصول على الاستقلال من الحكم الإسباني، سَعت إسبانيا في المحافظة على سيطرتها في مستعمراتها وخاصة هولندا والتي كانت تعتبر المصدر الرئيسي لمعدن الذهب بالنسبة إلى إسبانيا، لكن قام مجموعة من القراصنة الهولنديين بالسيطرة على السواحل الهولندية ومنعوا الجيش الإسباني من السيطرة عليها، لم تتمكن إسبانيا في الاستمرار في مقاتلة هولندا؛ ممّا دفعها إلى الإعلان عن إفلاسها وطلبها التفاوض مع هولندا.
تم الاتفاق من خلال تلك المعاهدة على إخراج إسبانيا من المستعمرات الإسبانية وبقاء الجزيرة الأيبيرية تحت حكمها، كانت إسبانيا تسعى في السيطرة على هولندا، لكن الوضع الاقتصادي المنهار في إسبانيا حال دون قيام إسبانيا بذلك الغزو؛ ممّا دفع إسبانيا إلى نقل جنودها من هولندا إلى إنجلترا والعمل على غزوها، لكنها لم تتمكن من ذلك؛ ممّا أجبر الجنود الإسبان إلى التراجع إلى أراضيهم، في تلك الفترة خاضت إسبانيا حرباً ضد فرنسا.
خلال تلك الصراعات أصبحت إسبانيا تواجه صراعات قوية من قِبل فرنسا وإنجلترا وهولندا، فلم تعد إسبانيا الاستمرار في الصراعات؛ ممّا دفعها إلى دخول في معاهدة صلح مع فرنسا وإنجلترا، خلال فترة الهدنة التي عقدتها إسبانيا مع فرنسا وإنجلترا، تمكنت إسبانيا من استعادة قوتها الاقتصادية وإعادة الاستقرار في أراضيها، في تلك الفترة كانت إنجلترا تعاني من انهيار اقتصادي في أراضيها، فقامت إسبانيا باستغلال الوضع وسَعت لضم هولندا إلى الإمبراطورية الإسبانية.
في تلك الفترة أدرك حكام إسبانيا بأنّها بحاجة إلى إصلاح وأنّ الإصلاح لن يتحقق إلا بوجود السلام، فسعت الإمبراطورية الإسبانية والإمبراطورية البرتغالية في السيطرة على هولندا، بدأت مملكة قشتالة في الانهيار الاقتصادي؛ ممّا دفع “آل هابسبورغ” إلى تخفيض المصروفات؛ ممّا دفع الكثير من الجنود الإسبان إلى اللجوء إلى ألمانيا للحصول على المصروفات، قامت فرنسا بالوقوف إلى جانب هولندا وأعلنت الحرب على إسبانيا والإمبراطورية الرومانية؛ وذلك من أجل الحد من التوسعة الاستعمارية الإسبانية في أوروبا.
في عام 1640 ميلادي قامت الثورة البرتغالية ضد إسبانيا، فقامت القوات الهولندية والفرنسية بالاتفاق معاً ضد إسبانيا وسيطرة على الأراضي المنخفضة التابعة للحكم الإسباني، استمرت الصراعات الفرنسية الإسبانية لفترة طويلة، فقامت فرنسا بهزيمة إسبانيا وذلك بمساعدة إنجلترا؛ ممّا أجبر إسبانيا التنازل عن إسبانيا الهولندية لصالح فرنسا، قامت البرتغال باستغلال الوضع لإسبانيا وقامت بإعلان استقلالها، وقد أدى إعلان استقلال البرتغال للاستقلال إلى إعلان إسبانيا السلام مع فرنسا، وتعايش إسبانيا والبرتغال بحالة السلام بينهم.
بعد ذلك أصبحت إسبانيا من الدول الضعيفة في أوروبا وأخذت سيطرتها في الانهيار وذلك بسبب الحروب الكثيرة التي خاضتها وبسبب مرض الطاعون الذي ضربها وأودى بعدد كبير من سكانها، وحَلت مكانها فرنسا وأصبحت الدولة العظمى الأولى في أوروبا، وقد خاضت فرنسا عدة حروب منها الحرب الفرنسية الهولندية.