اقرأ في هذا المقال
- ما هي الإمارات في عهد الرشيد؟
- الدولة الرستمية في تاهرت
- دولة بني مدرار في سجلماسة
- الأمويون في الأندلس
- الأدارسة في المغرب
- دولة الأغالبة
ما هي الإمارات في عهد الرشيد؟
بدأت الإمارات المُستقلة عن جسم الدولة الإسلامية تظهر، وإن كانت تعود في نشأتها إلى وقتٍ مُبكّر. أكثر من هذا إذ ظهرت منذ قيام الدولة العباسية وبالتحديد عام (140 هجري)، بالنسبة إلى دول الخوارج، وقبل ذلك بالنسبة إلى الأندلس غير أن العباسيين كانوا يُحاولون القضاء على هذه الإمارات أو الدول.
لذلك كانت تُعدّ حركاتٍ قائمة في هذه المناطق، ولكن بعد ذلك تركتها الدولة العباسية وشأنها، وأصبحت إماراتٍ منفصلةً بل أعلنت الأندلس الخلافة فيما بعد، وغدت خِلافتان في أرض الإسلام، وفي هذا مخالفة شرعية إذ لا يصّح وجود سوى خليفةٍ واحدٍ. قال عرفجة بن شريح: سمعت رسول الله يقول: (من أتاكم وأمركم جميع على رَجُلٍ واحدٍ يريد أن يشق عصاكم، أو يُفرّق جماعتكم، فاقتلوه).
الدولة الرستمية في تاهرت:
وتوفي مؤسسها عبد الرحمن بن رستم عام (171 هجري)، أي في أوائل عهد هارون الرشيد. وخلفه ابنه عبد الوهاب بن عبد الرحمن، وبقيت سلطته إلى ما بعد أيام الرشيد، وقد هادن والي إفريقية من قبل الرشيد، وهو روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة والذي جاء إلى إفريقية بعد وفاة أخيه يزيد في نهاية عام (170 هجري)، وتولى أمرها بعد ابن أخيه داود بن يزيد، ولكن روح قد مات عام (174 هجري).
ثم أتى ولده الفضل بن حاتم غير أن ثورة قامت في إفريقية وقضت على الفضل فتولّى أمر القيروان بعد ذلك هرثمة بن أعين، وقد أخرجت الثورة في إفريقية آل المهلب من المنطقة، وهادن عبد الوهاب بن عبد الرحمن ولاة القيروان العباسيين سواء هؤلاء أم الذين جاءوا من بعد وهم الأغالبة الذين تولوا أمر القيروان منذ عام (184 هجري).
ولقي عبد الوهاب بن عبد الرحمن ثورات ضده نتيجة مُخالفته المذاهب الأباضية الذي لا يقبل بالسلطة الوراثية، وإنما يكون الرأي في اختيار الحكيم لأصحاب الحل والعقد. أما عبد الوهاب فقد تسلّم الحكم من أبيه رغم وجود من هو أفضل منه وأكثر علماً لذا فقد قامت حركة قادها يزيد بن فندين وعرفت بالتكار أي الذين ينكرون تصرّف ولي الأمر بالحكم.
وجرى قتال بين الطرفين كان في صالح ابن فندين فدعا عبد الوهاب إلى الهدنة لأخذ رأي أهل العلم الذين منهم من أفتى لصالح هذا، ومنهم من أفتى لصالح ذلك، وتجدد القتال، وانتصر عبد الوهاب وقُتل ابن فندين، ولاذ جماعته بالفرار، منهم من خرج بعيداً عن المنطقة، ومنهم من اعتصم في محلتهم التي عرفت باسم (كدية النُكّار)، واستمر الخلاف طيلة أيام عهد الرشيد، وإن كان من غير المُستبعد أن يكون أُمراء القيروان يُشجعون الحركات ضد الرستميين.
دولة بني مدرار في سجلماسة:
ومات أبو القاسم سمكو الذي أسس سلطة الخوارج الصفرية في سجلماسة عام (168 هجري)، ومن بعده ابنه إلياس بن أبي القاسم والذي لُقِبَ باسم (أبو الوزير)، واستمرت أيامه حتى عام (174 هجري)، وخلفه أخوه اليسع بن أبي القاسم. وبقي في حكم هذه الدولة حتى عام (208 هجري)، وقد عرف باسم (أبو المنصور)، وقد ثارت الأباضية في أيامه في وادي (درعه) ولكنه قضى على ثورتهم وبطش بهم .
وكما أنْ عملوا على مُهادنة الأباضيون ولاة العباسيين في القيروان، وكذلك هادنهم الصفرية الذين اتجهوا نحو أوضاعهم الداخلية والاقتصادية حيث كانوا تُجاراً بين الشمال والجنوب عبر الصحراء. وكذلك فقد جعلوا الحكم وراثياً كالأباضيين.
الأمويون في الأندلس:
حكم عبد الرحمن الداخل الأندلس (183 – 172 هجري)، أي أنه عاصر الرشيد مُدة عامين، وعندما توفي تولى بعده ابنه هشام الرضاء وقد حكم الأندلس مُدة ثمانية أعوام (172 – 180 هجري)، ووقع خلاف بينه وبين أخيه سليمان الذي هو أكبر منه، وقد أخذ سليمان البيعة لنفسه في طليطلة، ولكنه هزم أمام هشام عام (174 هجري)، ونفي إلى المغرب. وبعد أن وطد هشام حكمه اتجه إلى قتال النصارى في الشمال فأرسل إليهم حملات، كما أرسل جيوشاً إلى
سبتمانيا في جنوبي فرنسا.
وخلفه ابنه الحكم الربضي، واستمر حكمه حتى عام (206 هجري)، ونازعه على الحكم عمّاه سليمان وعبد الله أما سليمان فقد كان في طنجة وعبر إلى الأندلس بقوةٍ من المرتزقة ولكنه هزم وقتل عام (184 هجري)، وأما عمه الآخر عبد الله فقد كان عند الخوارج الأباضيين في تاهرت بالمغرب الأوسط فانتقل إلى الأندلس غير أنه هزم، وعفا عنه ابن أخيه الحكم، وأجبره على الإقامة في بلنسية، ويدفع له مُرتباً سنوياً ضخماً.
كما قامت ضده عدة حركات أولاهما في طليطلة قضى عليها بالحيلة إذ ولّى عليها عمروس بن يوسف الذي تظاهر بكره الأمير (الحكم) ودعا كبار أهل البلدة إلى وليمة بالقلعة وتخلص منهم عام (181 هجري). وكانت الحركة الثانية بالعاصمة قُرطبة إذ حاصر قصر الحكم أهل حي الربض لخلافٍ بسيطٍ مع جندي فأرسل سراً من أشعل النار بحي الربض، فاضطر المُحاصرون أن يتركوا مواقعهم ويتجهوا إلى حيّهم لإطفاء الحريق.
وعندما انتهت الحركة أمر الأمير (الحكم) أن يهدم حي الربض، وأن يُحرث، ويُزرع مكانه، واضطر عدد من أهله إلى مغادرة الأندلس، فاتجه بعضهم إلى المغرب واستقروا عند الأدارسة هناك، وبين البربر. ووصل بعضهم الآخر عن طريق البحر إلى الإسكندرية ونزلوا فيها.
الأدارسة في المغرب:
فرَّ إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب من الحجاز وقد نجا من معركة فخ عام (169 هجري)، وأتجه نحو مصر، ومنها إلى المغرب حيث استطاع أن يؤسس بمساعدة السكان دولة الأدارسة عام (172 هجري)، وهي منفصلة عن المشرق، وبنى في المكان المعروف باسم (جراوة) مدينة فاس، واتخذها عاصمةً له. واستمر في حكمه حتى توفي عام (177 هجري)، حيث مات مسموماً فخلفه ابنه إدريس الثاني الذي كان جنيناً في بطن أمه عندما مات أبوه، وقام بشؤون البربر مولى أبيه، وهو راشد.
فلما قُتِلَ راشد، كفل إدريس أبو خالد العبدي، حتى كبر فتولى الأمر عام (188 هجري)، وبنى مدينة العالية في المكان المعروف بدار القيطون، وهي من جهة مدينة فاس، يتشكل بينهما واد صغير، وهو رافد من روافد نهر (سبو). وقد سكن في هاتين المدينتين الذين فرّوا من الأندلس بعد معركة الربض عام (181 هجري)، واستمر في الحكم حتى عام (213 هجري)، حيث توفي بفاس.
دولة الأغالبة:
أرسل أبو جعفر المنصور عام (148 هجري)، إلى إفريقية الأغلب بن سالم التميمي وعهد إليه بولايتها، فوصل إلى القيروان ودخلها، وتمكن من دحر الحسن بن حرب الكندي والاستيلاء على القيروان وتخليصها منه، إلا أن الحسن بن حرب قد عاد إلى تونس وجهز حملةً ثانية استطاعت أن تقتل الأغلب. وكان للأغلب ولد عُمره عشر سنوات حين قتل هو وهو
إبراهيم بن الأغلب الذي سيلعب دوراً كبيراً في إفريقية، والذي يعد المؤسس لدولة الأغالبة.
رحل إبراهيم بعد مقتل أبيه إلى مصر، ودرس الفقه فيها، ثم رحل إلى المغرب، وأقام في إقليم الزاب بالمغرب الأوسط. جاء والياً على إفريقية عمرو بن حفص المهلبي عام (151 هجري)، فاشتدت عليه الثورات حتى قتل، واستطاع خلفه يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة أن يقمع حركات الخوارج حتى عام (170 هجري)، حيث توفي، وجاء بعده ابنه داود بن يزيد، ثم أخوه روح بن حاتم، فالفضل بن روح، وفي (178 هجري)، ثار عبدويه الأنباري وقتل الفضل بن روح بن حاتم المهلبي، وأخرج آل المهلب من إفريقية.
استطاع العلاء بن سعيد والي الزاب أن يسير إلى القيروان، وأن يستردها، وأن يُسلّمها إلى هرثمة بن أعين الذي أرسله هارون الرشيد والياً على إفريقية عام (179 هجري)، وكان إبراهيم بن الأغلب مع العلاء، وتقرّب إبراهيم بن الأغلب إلى هرثمة فولاه الزاب.
أرسل الرشيد أخاه من الرضاعة وهو محمد بن مقاتل العكي والياً على منطقة إفريقية فثاروا الشعب والجند ضده. كما ثار عليه واليه على تونس تمام بن تميم التميمي عام (183 هجري)، وقد ساعد إبراهيم بن الأغلب العكي في مقاتلة تمام بن تميم، ومكن له. فعزل الرشيد أخاه محمد بن مقاتل العكي وولّى مكانه إبراهيم بن الأغلب على إفريقية عام (184 هجري)، وبدأ إبراهيم مُنذ توليه الإمارة يعمل على تأسيس دولة له ولأبنائه من بعده.
لقد اكتشف الرشيد رغبة إبراهيم بن الأغلب ومع هذا فقد وصلا قبله في الإمارة بل وتدعيمه ما دام يعمل تحت مُسمى العباسيين حيثُ أن الرشيد كان في حاله انشغال مع حروب الروم، وهجوم الخزر، ومشكلات المشرق، وفي الوقت نفسه يُريد أن يحمي الأجزاء الغربية من الإمارات التي قامت في المغرب والأندلس من خوارج، وأدارسة، وأمويين. ولم يكن لدى الرشيد أسطول يحمي أقاليم البحر المتوسط فاكتفى بالإشراف على دولة إبراهيم بن الأغلب ورأى في ذلك خيراً وأفضل من أن يخرجوا من إشرافه نهائياً كباقي الإمارات.
ثار على إبراهيم بن الأغلب في المغرب الأدنى حمديس الكندي ولكنه هزم أمام ابن الأغلب. وثار أهل طرابلس عام (189 هجري)، على سفيان بن المهاجر عامل إبراهيم على مدينتهم، ولكن ابن الأغلب تمكن من إخضاعهم، وهكذا قامت دولة الأغالبة في المغرب الأدنى.