تطورات الثورة العباسية ومعركة الزاب

اقرأ في هذا المقال


تطورات الثورة العباسية:

اتخذت الحركة العباسية السرية مساراً جديداً بعد الاضطرابات التي حصلت في الشام والأقاليم، وبدأ التهيؤ للثوره ففي رواية أن بكير بن ماهان قال لأبي سلمة الخلال قبل وفاته: (شمر في أمرك فقد فتح الله البلاء على بنسي أمية)، فانتشر أعضاء التنظيم في خراسان. ذهب أبو سلمة الخلال ومعه خادمه أبي مسلم الخراساني إلى جرجان والتقى التنظيم العباسي، وأمرهم بالاستعداد للثورة، ثم تنقل في مدن خراسان، وفي مرو وجد التنظيم العباسي فيها قد كسب أتباعاً جدداً، ثم أقر سليمان بن كثير الخزاغي مسؤولاً عن التنظيم العباسي السري.

لقد طلب سليمان بن كثير الخزاعي من إبراهيم الإمام عن طريق أبي سلمة الخلال إرسال من يمثل البيت العباسي، فأرسل إبراهيم الإمام أنا مسلم الخراساني ممثلاً له وأرسل معه بعض التوصيات، وأمره بعدم مخالفة سليمان الخزاعي وسليمان يومئذ صاحبهم والمنظور إليه منهم. لقد استغل التنظيم العباسي الخلافات بين الوالي الأموي نصر بن سيار وأحد شيوخ قبائل الأزد اليمانية علي بن جديع الكرماني الأزدي، واستطاع التنظيم من كسب الأخير ومعه أتباعه من الأزد وربيعة ومضر. وعندما قتل التحق جيشه العربي بالتنظيم العباسي، فقوي أمر التنظيم وأصبحت له قوة جديدة ضاربة من العرب اليمانية.

وقد تحرك أبو مسلم بسرعة مستغلاً الظروف الجديدة فعين بعض النقباء العباسيين ببعض المناصب الإدارية والعسكرية، إلا أنّ إبراهيم الإمام عين مسن قبله مباشرة قحطبة بن شبيب الطائي قائداً للجيش العباسي المواجه للقوات الأموية، الذي استطاع إلحاق الهزيمة بالقوات الأموية في جرجان، لكن أهل جرجان قاموا بالثورة، مما اضطر قحطبة إلى احتلال المدينة بالقوة، على أن المعركة المهمة كانت قرب أصفهان بين جيش الثورة بقيادة قحطبة الطائي والجيش الأموي بقيادة عامر بن ضبارة التي انتهت بانتصار الجيش العباسي.

وبعدها احتل الجيش العباسي نهاوند بعد حصار شديد، ومن ثم وصل الجيش العباسي العراق، وقد تجنب قحطبة الطائي القوات الأموية المعسكرة في جولاء واستطاع عبور دجلة ومن ثم الفرات باتجاه الكوفة، وبالغرب من الفلوجة كانت المعركة مع الجيش الأموي الذي كان بقيادة يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري انتهت بمقتل القائد العباسي قحطبة الطائي وانهزام ابن هبيرة نحو واسط. لكن الحسن بن قحطبة تسلم القيادة العسكرية بدلاً من والده.

معركة الزاب ونهاية الأمويين:

بعدما بويع أبو العباس بالخلافة، كان أول عمل مهم واجهه هو السعي إلى القضاء على الخليفة الأموي مروان بن محمد وقواته المرابطة في موقع استراتيجي عند الزاب. فقد كان لا بد من القضاء على كل نفوذ الأمويين إذا أريد للدولة الجديدة البقاء وبالقضاء على الخليفة الأموي يتم الثأر لبني هاشم الذين أساء الأمويون إلى بعضهم، خاصة أن ذلك كان أحد شعارات الدعوة العباسية المعلنة.

لقد بعث القائد العباسي قحطبة بن شبيب الطائي جيشاً يقوده أبو عون عبد الملك بن يزيد الأزدي إلى شهرزور. وكان بها عبد الله بن مروان ابن الخليفة الأموي مروان بن محمد وعلى مقدمة جيش عبد الله بن مروان عثمان ابن سفيان، فعندما وصل الجيش العباسي إلى شهرزور، جرت معركة حاسمة في (‎(20‏ ذي الحجة سنة (131 هجري)، بين أبي عون وعبد الله بن مروان، وعلى إثر هذه المعركة انهزم عبد الله بن مروان وتراجع نحو شمالي العراق، وقتل عثمان بن سفيان في المعركة، وأقام أبو عون في شهرزور، ومعنى ذلك أن فرقة من جيش العباسيين بقيادة أبي عون عبد الملك بن يزيد الأزدي بقيت متمركزة على الطف الجنوبي لنهر الزاب الأعلى، حيث تخندقت هناك تنتظر الأوامر.

وبعد موقعة شهرزور أحس مروان بن محمد بالخطر، فأعد للأمر عدته، حيث سار من حران واتجه نحو الموصل بهدف لقاء أبي عون، حتى نزل بالقرب من نهر الزاب الكبير وفي موقع حصين، وقد حفر له خندقاً هناك، وبهذا يكون مروان قد تمركز على الضفة الشمالية من نهر الزاب الكبير في موقع استراتيجي مثلث يحميه من جهتين نهر دجلة والزاب الأعلى، أما الضلع الثالث فكان محمياً بخندق طويل.

تدارك الخليفة أبو العباس الموقف حيث عين عمه عبد الله بن علي العباسي قائداً أعلى للجيش العباسي الذي وجهه لينضم إلى قوات أبي عون المرابطة في شهرزور، خاصة بعد أن أدرك حاجة أبي عون إلى من ينجده. إن إرسال أبي العباس عمه عبد الله بن علي يدل على مدى إدراكه لخطر وجود مروان في موقع استراتيجي قوي لا يكون مواجهاً له فحسب بل متسلطاً عليه بحيث يحتمل أن ينقض عليه في أي لحظة، ثم إن أبا العباس استشار بعض صحابته ورجال دولته وأهل بيته، حول من يذهب لمحاربة مروان.

وبعد مداولات تردد فيها العديد من العباسيين في تحمل هذه المسؤولية، قال الخليفة: (من يسير إلى مروان من أهل بيتي؟ فقال عبد الله بن علي: أناء فقال: سر على بركة الله، فسار عبد الله بن علي إلى أن وصل إلى أبي عون عبد الملك بن يزيد الأزدي فتحول أبو عون عن سرادقه وخلاه وما فيه، وبذلك أصبح عبد الله ابن علي قائداً للجيش.

وفي 2 جمادى الآخر سنة (132 هجري)، بدأ الصدام المسلح بين الجيشين، فقد عبرت فرقة من الجيش العباسي بقيادة عيينة بن موسى في خمسة آلاف مقاتل، واشتبكوا مع جيش مروان حتى المساء حيث عادت الفرقة إلى قواعدها، ولمّا كان الصباح التالي عقد مروان جسرأ على نهر الزاب، وقاد جيشه لغرض عبور الجسر فعبر مروان إلى جهة عبد الله بن علي، وفي رواية أنه أثناء عبور مروان للجسر ركب فرسه الأشقر، الذي كان يُسمى (أشقر مروان)، وكان يرجز ويقول مفتخراً بشجاعته وأنه لم يخسر معركة قط.

ويرى الدكتور فاروق عمر أنه بعبور مروان إلى الساحل الأيسر من الزاب الكبير يكون قد ارتكب أخطاء استراتيجية فقد فيه مروان سيطرته والموقع الحصين الذي كان معسكراً فيه، وقد بقيت المعركة لمدة تصل إلى عشرة أيام، خسر فيها مروان المعركة النهائية وانسحب باتجاه الموصل فالشام وعبد الله بن علي يتبعه، ولم تستجب لمروان بن محمد الكثير من قبائل الشام مما اضطره إلى الانسحاب مع أنصاره باتجاه فلسطين ثم مصر وابن علي العباسي يتبعه. وفي قرية بوصير في مصر تم القبض على مروان وقتل وأرسل رأسه إلى الخليفة العباسي، وبمقتل مروان انتهت الدولة الأموية.


شارك المقالة: