ما هي الروحانية الجديدة في العصر الفرعوني؟

اقرأ في هذا المقال


الروحانية الجديدة في العصر الفرعوني

عقب الاضطرابات الاجتماعية التي حدثت عرفت مصر القديمة روحانية جديدة في كلتا المجالين الديني والسياسي على حد سواء، وقد تشكّل مجمع للآلهة بنية هيكلية مختلفة كما اختلف التصور السائد عن الملك وظهر وعي جديد للإنسان بذاته.

الآلهة

بسبب تفتت المعتقدات الخاصة بكل إقليم يبدو أنّ ملوك هرقليويوليس قد أحاطوا حريشف إله مدينتهم بشرف المنزلة، كما حاولوا أن يعيدوا إلى قصة الخلق الشمسية رفعة شانها ولو كان ذلك على نطاق إقليمهم فقط، وكانت العبادات المحلية في ظل الأسرة الحادية عشرة لا تزال بكامل ازدهارها في مصر العليا، ويذكر أنّ الآلهة مونتو وأمون وحتور ومين الذي كان له تبجيلاً كبيراً، كما عرف مونتو بدوره البارز، أمّا إله الأناتفة والمناتحة قد نسبوا له كل انتصاراتهم وهو أول إله على هيئة محارب.

أما بالنسبة للإله أمون الذي كان مستقراً وراسخاً في موطنه المحلي في الكرنك فنجمه قد بدأ منذ تولّي الأسرة الثانية عشرة الحكم، وهذا يعود إلى أمجاد الملوك الذين حملوا اسمه وعبقرية رجال اللاهوت الذين سبروا أغوار طبيعته، كما أنهم قد شكلوا مركزية دينية حوله وسيحوله الملك أمن إم حات الأول إلى إله دولة عظيم، وهو ما تبرهن عليه النعوت التي شاع تلقيبه بها نب نسوت تاوى ويعني سيد عروش القطرين.

لكن كان بعض الآلهة بعيدون كل البعد عن سيطرة الإلهة أمون وبالتحديد بتاح في منف و أوزيريس الذي استقر استقراراً راسخاً في معبد أبيدوس الذي تعاظمت أهميته، بدأ الأناتفة يسعون إلى تطوير المعبد القريب من مقابر العصر الثيني؛ ذلك رغبةً منهم في الاعتماد على هيبة عصر النظام الملكي العتيق وهذا يزيد من قدر الشرعية على سلطتهم، وكانت هذه أول عقيدة شعبية مرموقة تجد سنداً من السلطة السياسية.

الملوك

كانت طبيعة الملوك الجدد في مصر القديمة طبية إلهية فالملك هو آلهة مصر وانعكاسها على الأرض، فقد شرع الملك سن أوسرت الأول في العام الثالث من حكمه معبداً خاصاً بالإله رع في هليويوليس، وكان نص مدونة المعبد التكريسية منقوشاً على لوح من الحجر، فتحدث سن أوسرت الأول أمام رجال بلاطه قائلاً:

لقد أنجبني (حور اختى) لتنفيذ ما ينبغي فعله من أجله وإنجاز ما آمر بعمله، لقد هيأني لأكون الراعي الصالح لهذا البلد لأنه يعرف من في مقدوره الحفاظ على النظام فيه لهذا السبب منحني ما يشكّل على الدوام موضوع اهتمامه فهو الذي جبل كل شيء بإرادته، لقد أرادني لأكون سيد الأرضين في حين لم أكن سوى طفل غير مختون.

ظلّ تبجيل القرص الشمسي يلقى رواجاً واسعاً ولكن أصبح الملك أمون-رع ملك الآلهة الذي تولّى حماية المملكة وعاهلها الملكي، وإذ بقي الملك ملكاً إلهياً إلا أنه أصبح الآن أقرب إلى البشر والوسيط المحتمي بين الآلهة والبشر وحامي الشعب المصري.

كما تحدّث الملك سحوتب إيب رع حامل أختام العاهل الملكي ورئيس الجهاز الإداري في عهد الملك أمن إم حات  إلى أبنائه قائلاً:

اعبدوا الملك ني ماعت رع فليحى إلى أبد الآباد وداخل أجسادكم، اتحدوا في قلوبكم بصاحب الجلالة؛ لأنه إله المعرفة القائم في القلوب وعيناه تفحصان كل جسد، إن رع الذي بفضل أشعته يرى البشر كما أنه ينير القطرين أكثر من قرص الشمس ويعمل إلى إعادة الاخضرار إلى الأرض أكثر من النيل بفيضانه بعد أن يغمر الأرضين قوة وحياة.

البشر

أصبحت حياة الإنسان الهدف الغائي للكون والشغل الشاغل للآلهة والملوك، وهذا الدرس الذي ألقاه الملك خيتى الثالث على ابنه قائلاً:

لقد أنعم بالكثير على البشر فهم قطيع الإله الذي صنع السماء والأرض حسب رغبتهم وردع مخلوق الماء الشرير أي التمساح، وخلق نسمة الحياة من أجل أنوفهم إنهم صورة المنبثقة من جسده إنه يتألق في السماء حسب رغبتهم ومن أجلهم خلق النبات والماشية والطيور والأسماك غذاءً لهم، أنه يقتل أعدائهم ويقضي على أعداء أبنائه الذين قد يجنحون إلى التمرد ويخلق النور حسب رغبتهم ويبحر ليشاهدهم.

بعد أن تمت إحاطة الإنسان بالحماية والمساندة صار يتمتع بامتياز كان وقفاً فيما مضى، وكان على الملوك في المقام الأول امتياز بلوغ الحياة الأبدية التي لم تعد مفهوماً يدور حول استمرار الحياة بشكل غامض ومجهول الهوية.

ذكرنا في هذا المقال البعض من المعتقدات التي كان يؤمن بها الفراعنة في مصر القديمة وكيفية تأسيس مملكة وعقلية جديدة وتجربة تاريخية دامت لأكثر من ألف سنة.


شارك المقالة: