مظاهر السلطة في عاصمة الدولة الأموية:
مظاهر السلطة هي كل الأشكال المادية التي تُعبِّر عن سلطات الخليفة أو رموز السلطة، وبدأت هذه المظاهر تتكون في عهد الخليفة عثمان بن عفان، ولكن عمل الخلفاء الأمويين على تطويرها، ومن أهم هذه المظاهر:
ثروات الخليفة:
اصطفى معاوية بن أبي سفيان أراضي الصوافي في العراق، وكانت هذه الأراضي مِلكاً لِكسرى، وكان معاوية يحصل على ستين ألف درهم أو مائة ألف درهم من هذه الأراضي، وهو رقم مهم نسبياً، وكان معاوية أول من جمع الصوافي في العراق ومكة والمدينة والشام والجزيرة واليمن، وكان إقطاعها لأهل بيته والأشخاص الذين يخصّوه.
وقد استطاع معاوية تكوين قاعدة مالية لحكمه بفعل تلك الأراضي، ولم تقتصر ثروات معاوية على الصوافي فقط، بل أيضاً نضيف الضِياع، فقد اشترى أرضاً من اليهود في الطائف، وكان يمتلك ملكية عقارية في الحجاز، وأراضي خصبة في فلسطين.
وكان مروان بن الحكم يمتلك أرضاً في ذي خشب قرب المدينة، وامتلك أيضاً أراضي في الرها واتخذ الضِياع، وكان الخليفة سليمان بن عبد الملك يمتلك مزرعة بالقرب من دمشق، أما عمر بن عبد العزيز تخلَّى عن إقطاع له في جبل الورس ولم يتَّبِع سياسة من قبله من الخلفاء، وتخلَّى أيضاً عن مزرعة خيبر وجعلها فيئاً للمسلمين كما فعل الرسول صلَّ الله عليه وسلم.
وعندما تولَّى يزيد بن عبد الملك الخلافة عمل على إعادة سياسة من قبله، وكلَّف عمر بن هبيرة عامله على العراق بجمع القطائع من أراضي ولاية البصرة، وكان يحث عمر على أن يمسح الأراضي ويأخذها لسخط الناس، وكان يريد بأن يأخذ الأراضي من أصحابها عنوةً ولكنه فشل في ذلك.
وكان هشام بن عبد الملك يمتلك العديد من ضيعات الشام، ويحتوي البعض منها على الزيتون، وأيضاً كان من أملاكه العديد من ضِياع العراق والأراضي التي كان يستصلحها من البطائح التي فاض فيها نهري دجلة والفرات، وكان يتلقَّى أرباحاً هائلة من هذه الأراضي، وكان محتكراً للسوق وأعطى تعليماته لخالد بن عبد الله أن لا تباع أي من الغلات حتى تُباع غلَّاته، وبذلك تضرر الملَّاكين الآخرين.
التشريفات:
لم تقتصر مظاهر السلطة على ثروات الخلفاء فقط، بل أنها اشتملت على تشريفات أو بروتوكولات، فكان الخليفة الأموي يكتسب برنامج عمل يومي كملوك الفرس والبيزنطيين، وبرنامج اليوم وتقسيماته تقع على عاتق الملوك، واكتسب معاوية بن أبي سفيان برنامجاً يومي لعمله.
وكان برنامج عمر بن عبد العزيز يقتضي على النظر في الشؤون اليومية للناس في النهار، ويستشير أمور الحكم والسلطة ليلاً، وكان معاوية بن أبي سفيان يجعل لنفسه يوماً في الإسبوع لا يرى فيه أحداً من الناس، وأحدث تشريفاته أنه لا يرى أحداً في مجلسه إلا بعد أن يأذن لهم في وقت معين.
وكان يزيد بن معاوية يأذن للناس كي يلاقوه، أما مروان بن الحكم كان يأذن لهم في وقت العشية، وقد رفض كاتب الخليفة عبد الملك بن مروان أن يُدخل له بريداً قادماً من مصر لأنه ليس في وقت ملاقاة الناس، أما في عهد هشام بن عبد الملك كان الإذن أكثر تعقيداً فلا يدخل أحداً إلا بموعد مسبق، وكان القائم على هذه التشريفات موظفاً يُسمَّى الحاجب، ويتم تعيينه من قِبل الخليفة وفقاً لأمانته.
التاج والعصا والخاتم:
أراد الخليفة عبد الملك بن مروان أن يبرز مظاهر حكمه بلبسه للتاج على رأسه، وقد استعمل خلفاء الدولة الأموية رمزاً آخر للسلطة وهي العصا، فكانت العصي شعاراً من شعارات الملك، وعندما جاء بريد لهشام بن عبد الملك في الرصافة بالعصا والخاتم أصبح في خلافته شعار الملك العصا والخاتم.
واستعمل خلفاء الدولة الأموية شعاراً للمُلك كان موجوداً عند ملوك الفرس والبيزنطيين وهو السرير، ويستطيع الخليفة به أن يجلس في مجلسه مشرفاً على الحاضرين؛ لأن السرير يكون مرتفعاً، وكان معاوية بن أبي سفيان أول من استعمل السرير.
النقود في عاصمة الخلافة:
لم يقم الخلفاء الأوائل بضرب النقود، وقد استعملت الولايات التي انتشر فيها المسلمون كالعراق والشام ومصر تقنيات مثل التي عند الساسانية والبيزنطية في ضرب النقود، وكان السبب في ذلك أن العرب لم يكتسبوا تقاليد قديمة أو أي تطور حضاري لصنع النقود. وبقي الخلفاء الأمويون منذ عهد معاوية بن أبي سفيان حتى عهد عبد الملك بن مروان يستخدمون النقود الأعجمية، وقد عرفت النقود عند الأمويون على ثلاث مراحل ضربت فيها النقود، وهي: الذهبية، الفضية، النحاسية.