مجال الدراسة السوسيولوجية لعلم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


مجال الدراسة السوسيولوجية لعلم الاجتماع:

هناك مجالات أساسية لعلم الاجتماع أو الدراسة السوسيولوجية لعلم الاجتماع هي كما يلي:

1- فحص العلاقة بين نشأة ظاهرة علم الاجتماع وبين طبيعة المرحلة التاريخية:

وكذلك الظروف الاجتماعية والإطار الثقافي العام لمجتمعات التي ظهر فيها ذلك العلم،فقد أكد البعض أن ذلك الفرع من المعرفة كان استجابة عقلية للظروف الاجتماعية التي أحاطت بفرنسا عقب الثورة البرجوازية بها، كما كان بمثابة رد فعلي مضاد للأيديولوجية التي سادت عصر الاستنارة، هذا إلى جانب أن علم الاجتماع كان هو النموذج الغربي لتفسير وتحليل وفهم المجتمع وعلاج مشكلاته في مقابل النموذج الماركسي أو المادي أو الاشتراكي الذي يعتمد على المنهج الجدلي وعلى التفسير الاقتصادي للتاريخ والتحول الاجتماعي.

2- فحص العلاقة بين النظرية السوسيولوجية وبين البناء القيمي:

فقد ذهب بعض الدارسين إلى أن علم الاجتماع علم محايد خال من القيم أو الأحكام القيمية، ولكن هناك من يرى أن علم الاجتماع بطبيعته علم ملتزم بقضايا المجتمع، ومتأثر بالضرورة بتوجيهات قيمية وأيديولوجية معينة، ويذهب هذا الفريق الأخير إلى أن الدعوة إلى علم اجتماع محايد، تصدر في جوهرها عن توجيه أيديولوجي معين.

فقد ذهب بعض الدارسين للنظرية السوسيولوجية مثل سي رايت ملز، وجولدنر وغيرهما إلى أن المتشدقين بالموضوعية في علم الاجتماع والمنادين بضرورة الفصل بين علم الاجتماع والأيديولوجيا يصدرون في هذا عن دفاع حار عن الأيديولوجيا المحافظة، ويساندون النظام المعياري لمجتمع الطبقة الوسطى في أمريكا.

ويشير بعض النقاد إلى أن أشد الباحثين تمسكاً بالموضوعية في أمريكا خاصة أنصار الاتجاه البنائي الوظيفي مثل بارسونز وميرتون ودافيز هم أشد المناصرين للاتجاه المحافظ هناك، ويشير ترياكيان إلى أن الزعم بأن علم الاجتماع علم محايد، وقد يستخدم لتبرير الهجوم على القيم والأيديولوجيا القائمة داخل مجتمع الباحث وعلى أي الحالين، فإن هناك خلفية أيديولوجية لهذا الزعم.

والواقع أن التوجيه الأيديولوجي لا يؤثر على علم الاجتماع من حيث النظرية فحسب، ولكن من حيث المنهج كذلك فالفروض الخلفية التي يعتنقها الباحث تؤثر كذلك على صياغته للفروض وانتقائه لمجالات البحث واختيار العينة وأسلوب التفسير والتحليل، بل أن الزعم بامكان تطبيق المنهج العلمي المستخدم في مجال العلوم الطبيعية على دراسة ظواهر المجتمع ونظمه، يعتمد على مجموعة من الفروض الخلفية من بينها النظر إلى أعضاء المجتمع على أنهم أشياء يمكن اخضاعهم للضبط المنهجي والتجريبي.

وعند دراسة قضية واحدة مثل قضية الطبقة فإنه يمكن تناولها بأكثر من أسلوب منهجي وباستخدام أكثر من مدخل يعكس كل منها توجيهاً أيديولوجياً معيناً، فعلماء الاجتماع في أمريكا يفضلون استخدام مصطلح التدرج الاجتماعي ويحاولون دراسة هذا الموضوع في مجتمعات صغيرة باستخدام المدخل الذاتي، على العكس من مناصري الاتجاه المادي الذين يحاولون التركيز على الوضع الطبقي الذي تحدده طبيعة علاقات الإنتاج السائدة.

يضاف إلى هذا أن علماء الغرب يعتمدون على المنهج الوضعي عند دراسة مثل هذه القضايا، في مقابل المنهج الجدلي الذي يستخدمه أنصار الاتجاه المادي، وأخيراً فإنه بغض النظر عن امكان قيام للمجتمع بعيداً عن التوجيه القيمي والأيديولوجي للباحث فإن استعراض التراث السوسيولوجي يكشف بجلاء عن تفاعل واضح بينهما، لدرجة أن هناك من يصنف علم الاجتماع إلى قسمين هما علم الاجتماع البرجوازي، وعلم الاجتماع المادي.

وهناك من يذهب إلى أن عدم حسم العلاقة بين علم الاجتماع والأيديولوجيا يقودنا إلى القول بوجود عدة أنواع من علم الاجتماع مثل علم الاجتماع الماركسي الثوري وعلم الاجتماع الاشتراكي الديمقراطي وعلم الاجتماع للقوة السوداء أو الزنوج، والواقع أن هذا الانحياز الأيديولوجي عند رواد علم الاجتماع قد قام بإعاقة تقدم هذا العلم كما قام بإعاقة التوصل إلى فهم علمي للمجتمع حتى الآن.

3- دراسة الجوانب والبناءات الداخلية لمهنة علم الاجتماع:

ويستهدف هذا الجانب أو المجال الثالث من مجالات الدراسة في علم الاجتماع الوقوف على الصياغة المهنية لهذا العلم سواء على مستوى البناءات اللغوية أو المصطلحات أو على مستوى مدى ما أنجزه هذا العلم خلال تاريخه الذي يزيد عن القرن ونصف.

ويمكننا هنا أن نطرح مجموعة من التساؤلات في هذا الصدد، وفي مقدمتها ما يلي، ما هي طبيعة المناهج والتدريبات التي يجب أن يتلقاها طالب علم الاجتماع سواء على مستوى الدرجة الجامعية الأولى أو على مستوى الدراسات العليا؟ أو ما هو الهدف من علم الاجتماع ومن تعليمه وتدريسه؟

ويمكن دراسة البناء الداخلي لعلم الاجتماع من حيث مضمونه وأهدافه وطبيعة المشتغلين به ومجالات الاهتمام داخل دراسة تغيرية، فهذا البناء لا يتسم بالثبات أو الاستاتيكية، ولكنه يخضع للعديد من التحولات والتغيرات الاجتماعية والتاريخية، وبقول آخر فإنه يمكن تطبيق نظريات التغير الاجتماعي عند دراسة ظاهرة علم الاجتماع.


شارك المقالة: