مدى تأثير الثقافة بالشخصية الفردية:
تمنح الثقافة الفرد الأمر الأساسي الذي يُصنع ويشكل من خلالها كافة أمور حياته، فالمحددات والعناصر الثقافية لا تشكل وحدها نمط وأساس الشخصية الثقافية، كما أن السمات السيكولوجية لا تصنع وحدها الشخصية، إنما تتكون الشخصية بتفاعل كل من الموروثات البيولوجية والقدرات السيكولوجية مع البيئة التي يعيش فيها الفرد.
وأن ما تشمله البيئة من أنماط ثقافية مادية ولا مادية، تؤثر بشكل واضح في تحديد نمط الشخصية الإنسانية.
ومن هذة الناحية يمكن ضم أوجه التأثير في عوامل أربعة وهي مرتبة حسب تأثيرها كالتالي:
1) التربية.
2) التعليم.
3) التغير الثقافي.
4) الصدمة الثقافية.
إذا إن هناك بعض الاختلاف والتنوعات بين علماء النفس، وعلماء الاجتماع والنثروبولوجين في النظر إلى محددات الشخصية ومكوناتها، فإن تأثير التربية في الشخصية أو كما يعرفه البعض بالتنشئة الاجتماعية يعتبر من الأمور المتفق عليها من الأطراف الثلاث.
وهو ما يظهر الدور الرئيسي الذي تؤديه التربية في بناء الشخصية، وفيما يلي نذكر بعض ما أظهره علماء العلوم السابقة في هذا المجال.
واطسون وهو من الأقطاب التي تختص بعلم النفس الفردي وصاحب المعهد السلوكي يرى أن طبيعة الطفل تتسم بقدر من المرونة، وقابلية التشكل في أية صورة يريدها أفراد الجماعة.
كما كان هناك في نفس الوقت العالم راليف لينتون الذي يعتبر أحد العلماء الأنثروبولوجيين الظاهرين الذين أعطوا وقدموا كامل اهتمامهم بدور التربية في بناء الشخصية، كذلك يرى أن الأشخاص الذين جاءوا في مجتمع معين يربون تقريباً بنفس الكيفية من جيل إلي جيل.
وقد ظهر أن الأعوام الأولى من عمر الفرد تعتبر ذات أهمية قصوى في تكوين الشخصية، وقد تم اكتشاف هذا الأمر عند دراسة أفراد غير أسوياء حيث أتضح أن بعض ماينفردون به من سمات في شخصياتهم يكون مرتبط بكيفية وثيقة بخبرات غير عادية قد تعرضوا لها في مرحلة طفولتهم، وقد دعمت هذة النتائج بدراسات أجريت علي عدد كبير من المجتمعات.
وقد لاحظ العديد من الباحثين في علم الاجتماع أن المجتمعات الثقافية التي يسود فيها نمط ثقافي يفرض الطاعة المطلقة علي الأطفال للوالدين كشرط أساسي للحصول علي مكافأة فإن شخصية البالغين الأسوياء من هؤلاء الأطفال تتسم بالخضوع والتبعية وعدم الخلق، علي الرغم من أن هؤلاء الأفراد يكونون قد نسوا تلك الخبرات التي تشربوها في طفولتهم، إلا أن أثارها تبقى ظاهرة المعالم في شخصياتهم لا تكاد تطبعها بسمات خاصة.
يظهر تأثير الثقافة في تكوين الشخصية من مصدرين:
الأول: التنوعات التي تتمحور من سلوك الآخرين نحو صغار السن، ويبدأ هذا التأثير منذ لحظة الميلاد وله تأثير كبير خلال مرحلة الطفولة.
الثاني: التنوعات التي تتمحور من ملاحظة خلال الفرد الثقافية لمجموعات الأنماط السلوكية التي تقوم على تمييز المجتمع الثقافي الذي يعيش فيه مجموعات الأفراد، وهذه الأنماط السلوكية لا تؤثر عليه مباشرة، ولكنها دائماً تقدم له نماذج لتطور استجاباته المنطقية للمواقف المختلفة.
إذا كانت التربية تتمحور على مرحلة الطفولة وتتم بصورة قسرية علي الاطفال في السنوات المبكرة، فإن التعليم علي العكس من ذلك، يمتد مع امتداد عمر الفرد أو من المفروض أن يكون كذلك ، كما أن التعليم يتم بكيفية ارادية غير مفروضة علي الفرد في غالب الأحيان، فهو يتشرب الثقافة، ويتبني القيم ويكتسب الخبرات المختلفة التي توجه سلوكه بحسب مقتضيات الأنماط الثقافية السائدة في المجتمع.
ولكي يتم إثبات أن ثقافة أي مجتمع تحدد العناصر الأساسية لشخصيات أفراداها بواسطة الأنماط الثقافية الخاصة بتربية الأطفال، فإن الأنماط لا تنتهي عند مرحلة الطفولة وإنما تستمر في تشكيل الكثير من العناصر الباقية في شخصيات أفراد المجتمع، وذلك عن طريق تزويدهم المستمر بنماذج يكتسبونها عن طريق التعلم ويقلدونها في تكيفهم مع بيئتهم الاجتماعية.
في المجال هذا يرى كامبيال يونغ أنه يتوجب أن نميز في داخل كل ثقافة مجموعة من العناصر لكي نستطيع أن تدرك عملية بناء الشخصية وهي:
1) المحافظة على درجة الشدة في عملية التعليم والتدريب ومدى المواظبة.
2) كمية الاحتياجات التي يتعرض لها الشخص.
3) كمية الحب الذي توفره هذه الثقافة للأفراد.
4) كمية حضور مبدأ العقاب والضبط الأخلاقي.
5) تصور النفس بالأمور الثقافية المفروضة على الطفل.
وفيما مضى يظهر لنا كمية الاهتمام التي يحظى بها التعليم كأول جزء لكي تعرف الثقافة عملية تكوين الشخصية.
وتتمحور تلك العملية إلى مرحلة متأخرة من عمر الإنسان ولا تقتصر على مرحلة الطفولة، كما هو الحال بالنسبة للأنماط الثقافية المتعلقة بتربية الأطفال كما سبق الذكر، وذلك على اعتبار أن الفرد يصادف دوماً خلال مراحل حياته المختلفة مواقف ثقافية متعددة تحتاج إلى العديد من المعلومات الثقافية الجديدة التي تتلاءم مع أمر المركز الذي يحتله في المجتمع، وفي كل مرحلة من هذه المراحل يجد في الثقافة مصدراً يتزود منه بالنماذج السلوكية التي تلائم موقفه وتجعله ينسجم مع الشخصية الأساسية لأفراد المجتمع الذي ينتمي إليه، وقد بات من المؤكد أن الأنماط الثقافية في أي مجتمع تتجه نحو الترابط النفسي والانسجام والتناسق.
ومن ثم بعد ذلك فلا يمكن أن يلزم الشخص الذي يتبني هذة القيم أن يأتي من الأفعال ما من شأنه أن يكون متعارضاً مع شخصيته.
وخلاصة القول: تعتبر الثقافة هي المسؤولة عن الشكل الأساسي والرئيسي للشخصية في أي مجتمع بين الجتمعات، وبتنوع واختلاف الثقافات تتنوع وتختلف أشكال الشخصية الثقافية، ويظهر بشكل الشخصية مجموعة السمات الأكثر تعداداً بين الأشخاص في المجتمع الواحد.
وقد ميز العالم لينتون بين الشخصية:
الشكل الرئيس للشخصية: وهو يتصف به بعض أفراد المجتمع و يتمثل هذا الشكل الرئيس في مجموعة القيم والعادات والاتجاهات العامة.
شخصيات المركز الثقافي: وهي تنضم إلى جانب الشكل الأساسي للشخصية، الأشخاص الذين يجهزون مركزاً اجتماعياً واحداً في المجتمع ويعملون على أداء عدة أدوار متلازمة، ويطبع هذا الأداء شخصياتهم بصفات مشتركة.
فمثلاً في أي مجتمع دولي يوجد تعدد بين ثقافة النساء وثقافة الرجال وبين ثقافة صغار السن والبالغين والشيوخ، كما نلاحظ تشابهاً بين شخصيات الأطباء و ما إلى ذلك من المهن.
وبهذا فإن للتعلم دوراً كبيراً ومهماً في عملية اكتساب الأفراد لهذه السمات العامة التي تشكل الشخصية الأساسية.
يرى رالف لنتوين بأن الأشخاص يتقاسمون أمر الثقافة على ثلاث محتويات متساوية وهي:
1. المحتوى الذي يخص عموميات الثقافة.
2. المحتوى الذي يخص الاختيارات الثقافية.
3. المحتوى الذي يخص الخصوصيات الثقافية.