يدرس علماء الاجتماع عن كثب مشكلة انعدام الهدف عند الشباب بسبب كون هذه المشكلة من المشاكل الاجتماعية الشائعة في الحياة والوقت الحاضر، وقد لخّصوا العديد من الجوانب التي أدت إلى ظهور هذه المشكلة والتي أبرزها تأثير وسائل التواصل الاجتماعي ودور تربية الوالدين.
مشكلة انعدام الهدف عند الشباب
يكافح غالبية الشباب من أجل تحقيق قفزة إلى مرحلة البلوغ، ويجب على المعلمين وأولياء الأمور والمجتمعات بذل جهود أكثر تضافرًا لمساعدة الشباب الذين لا يقدرون على القيادة في العثور على اتجاه واضح وإحساس شامل بالهدف، وقد قال علماء الاجتماع في دراساتهم عن التنمية الأخلاقية للشباب وممارسات التربية المعاصرة، وإنه لطالما كان هناك شباب ينجرفون، لكن هناك مشكلة خاصة اليوم في عدد الشباب ونوع المشكلة التي يواجهونها هي في إيجاد الإحساس بالاتجاه والهدف.
توصل علماء الاجتماع إلى مجموعة من الأدلة التي تظهر أن الشباب في جميع أنحاء العالم يؤجلون الزواج والأبوة حتى سن العشرينات أو الثلاثينات من العمر أي لفترة أطول مما فعل آباؤهم وأجدادهم، وقد دفع هذا الاتجاه بعض علماء الاجتماع إلى صياغة مصطلح “مرحلة الرشد الناشئة” لوصف الفترة من 18 إلى 25 كمرحلة انتقالية جديدة بين المراهقة والبلوغ.
الآثار المترتبة على التعليم لظاهرة انعدام الهدف عند الشباب
يخلص علماء الاجتماع من دراستهم لظاهرة انعدام الهدف كمشكلة اجتماعية إلى أن المدارس والمجتمعات والآباء يمكنهم فعل الكثير لعكس الشعور بالضيق الذي يعاني منه الكثير من الشباب، على سبيل المثال يرون إنه يمكن للمدرسين أن يوضحوا للطلاب كيف أن المهارات والمحتوى الذي يتعلمونه مفيدة وأن يشاركوا قصصًا عن كيفية العثور على طموحاتهم وأهدافهم الخاصة.
لكن الهدف الرئيسي في التعليم هو التركيز الحالي في المدارس على اختبار الطلاب والذي يتجلى جزئيًا لسوء الحظ على الاختبارات عالية المخاطر وإلى تقليص وقت التوجيه أي الوقت الذي يمكن أن يستغرقه المعلمون لنقل فائدة ومعنى المهارات التي يدرّسونها، وأنشطة مثل الكتابة أو الانضمام إلى النادي وأصبح التركيز على درجات الاختبار كما لو أن درجات الاختبار في حد ذاتها هي نوع من الأهداف المهمة للتعليم، ويبذل علماء الاجتماع جهود لبناء الشباب وذلك بالعمل مع المدارس والمجتمعات لتحديد وتقوية الأصول المجتمعية التي يمكن أن تعزز النمو النفسي الصحي للأطفال والمراهقين.
كما يرى علماء الاجتماع أن الآباء أيضاً يمكن أن يساهموا في المنزل في تنمية شعور الأطفال بالهدف من خلال الاستماع عن كثب إلى اهتمامات الأطفال التي يعبرون عنها وتأجيج نيران تلك الشرر ومناقشة حياتهم المهنية وتقديم أطفالهم إلى مرشدين خارجيين للتوجيه المهني.
لماذا يفتقر الكثير من الشباب في الوقت الحاضر إلى الهدف
إذا تم أخذ هذا السؤال على أنه نقاشاً عملياً، فإن أحد الأسباب يأتي بلا شك بسبب التأثير السلبي لوسائل الإعلام الاجتماعية، ولكن إذا تم الذهاب إلى العمق فسيتم إيجاد عشرات الجوانب مثل عدم نضج عقل الشباب وضغط الدراسة والامتحانات وضغط الوالدين وتأثيرات بعض أصدقاء السوء. وقد قام علماء الاجتماع بمناقشة كل هذه الجوانب واحدًا تلو الآخر:
تأثير وسائل الإعلام الاجتماعية
لدى علماء الاجتماع الكثير من الدراسات البحثية حول وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها على الشباب إذ أدركوا أن لوسائل التواصل الاجتماعي دور في تدمير مستقبل المراهق والذي أصبح مشكلة كبيرة، فأصبح الشباب غير متحمسين لفعل شيء ما في حياتهم ويفتقرون إلى الكثير في الوقت الحاضر من أن يكون معنى لحياتهم، كما أنهم يتصرفون في الوقت الحاضر كما لو كانوا قد عانوا الكثير في الحياة بينما بالكاد بدأوا حياتهم، حيث يشعرون بأنه ليس لديهم أي هدف في الحياة.
وفي الواقع من أكثر الأشياء المحبطة التي يتعامل معها الشباب اليوم هذه الصورة النمطية الواسعة لهم، إذ أن هناك بعض الشباب الذين يبدو أنهم يفتقرون إلى الهدف ويبدو أنهم بلا دفة في المجتمع، ولقد أُكتشفَ أنهم في كثير من الأحيان يفتقرون إلى نماذج يحتذى بها فيما يتعلق بكيفية أن يصبحوا بالغين أو أنهم كانوا مفرطين في الانغماس من قبل الوالدين أو لا يزالون يعتنون بحياتهم من قبل والديهم، ويؤدي هذا غالبًا إلى الشعور بالاستحقاق وعدم التركيز.
ولأن كل الاحتياجات تأتي من المعاناة، فقد أزال مجتمع العالم الأول الحديث بقوة جميع أشكال المعاناة، ومثل الكثير من الآباء الذين يفسدون طفلاً فإن المجتمع الحديث مليء بجوائز المشاركة، مما يحد من الاعتراف من المنجزين المتحمسين خوفًا من الإساءة إلى عامة الناس، ويعتقد علماء الاجتماع أن هذا لأن الأمور أصبحت سهلة للغاية بالنسبة لهم في الوقت الحاضر، ويمكنهم العيش تحت ستار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي طوال الوقت، وعندما لا يكون لديهم تفاعلات وتصبح الأمور سهلة في الحياة فقد يبدو كل شيء وكأنه عائق.
وفي كل الأجيال هناك عوامل جذب ومشتتات وهناك وسائل راحة ومضايقات، والميل البشري هو الميل نحو الراحة والرفاهية والسير السلس وأخذ الأمور على محمل الجد وعيش حياة سعيدة من النوع المحظوظ؛ لأن هذا لا يتطلب بذل جهود خاصة ولا تضحيات للقيام بها.
تأثير تربية الوالدين
عادة لا يتم توعية الأصغر سناً بمعنى وأهمية القيم العليا للحياة والأقطاب في القيم والاختيار الصحيح لذا يفتقر الناس إلى المبادئ ويكسبون المال فقط لإنفاقه، كما إنهم لا يضعون أهدافًا وغايات تتحدى أنفسهم ولا يريدون دفع أنفسهم للعمل بجد من أجل ذلك، أو لم يتمكن الكثير منهم حقًا من العثور على الهدف في الحياة الذي يمكن من خلاله تحديد الغايات، وهذه حقيقة مؤسفة ومريرة حقًا عن جيل الشباب اليوم الذين يفتقرون إلى الهدف، وكل هذا لأن التكنولوجيا طغت على عالمهم أكثر من الأخلاق والقيم.
وفي الأزمنة القديمة كانت لديهم موارد أقل وكان ذلك يعلمهم أن يظلوا سعداء في كل ما لديهم، ولكن في هذه الأيام حتى الآباء يقدمون كل الأشياء المادية لأطفالهم حتى يصبحوا عنيدون مع مرور الوقت حيث اعتادوا على قول نعم مع تحقيق كل أمنية، لذا فإن الأنا التنموية والشعور بالتفوق هو الذي لا يسمح لهم برؤية أو قبول وجهة نظر الشخص الآخر على الرغم من أنهم أكبر سنًا منهم، وبالتالي فإنهم يفتقرون إلى الحس والتصميم؛ لأنهم لا يحبون الخروج من منطقة الراحة التي أصبحت عادتهم بسبب تربيتهم المادية.
افتقار الشباب إلى القيم الأخلاقية
يعتقد علماء الاجتماع أن الشباب في الوقت الحاضر يفتقرون إلى المعرفة بموضوع القيم الأخلاقية، وبنفس الطريقة فإن تعلم القيم الأخلاقية في الحياة يستغرق وقتًا، إذ يتعلم الناس القيم الأخلاقية فقط عندما يتعاملون مع أناس حقيقيين ويمارسون أعمالًا أخلاقية أو غير أخلاقية بأنفسهم، بينما يكتسبون الكثير من المعرفة الكتابية من خلال المدارس والكليات بما في ذلك القيم الأخلاقية، ولكن يصعب تسمية هذه المعرفة؛ لأنه لا يتم ممارسهتا أبدًا في الحياة.
ويبدأ معظم الناس في تعلم القيم الأخلاقية الحقيقية فقط عندما يلتحقون بوظائفهم أو مهنتهم، ومعظم الشباب لديهم وجهة نظر مشوهة وكاذبة عن العالم؛ لأنهم يعرفونهم فقط من الكتب ووسائل التواصل الاجتماعي ومن خلال المناقشة مع زملائهم الذين يجهلون الناس بنفس القدر، وبالتالي غالبًا ما يصابون بالصدمة عندما يقابلون أشخاصًا حقيقيين ويعملون معهم، وبالتدريج يبدأون في رؤية الجانب الآخر لكونهم غير أخلاقيين ويبدأون في تقدير أهمية القيم الأخلاقية في تشكيل حياتهم.
وأحياناً لا يمكن تعليم الأخلاق للشباب في صفهم لأنهم لن يكونوا قادرين على فهم وتقدير هذه المعرفة، ويتعلم الشخص القيم الأخلاقية فقط عندما يمارسها بنفسه، كما يفتقر الشباب إلى القيم الأخلاقية لأنهم لا يملكون فرصًا لممارسة القيم الأخلاقية وتعلم أهميتها في الحياة، ويجدون السلوك غير الأخلاقي مرضياً تمامًا لأنه ينتج لهم إشباعًا وسعادة فورية، ويستغرق الأمر وقتًا طويلاً قبل أن تؤتي أفعالهم الأخلاقية وغير الأخلاقية ثمارها.