مشكلة النقد الاجتماعي الجارح

اقرأ في هذا المقال


في الآونة الأخيرة تم ملاحظة وجود العديد من الأشخاص الذين يتعمدون نقد الآخرين بصورة جارحة، مما ينعكس على مشاعرهم وثقتهم بأنفسهم، لذا هذه الظاهرة تعتبر مشكلة اجتماعية بحاجة إلى وعي ومهارات لضبط النفس وعدم الانجرار لتأثيراتها خصوصاً عند معرفتهم أن هذا النقد الاجتماعي الجارح نابع من الأشخاص الذين يكرهونهم ويتقصدون أذيتهم.

مشكلة النقد الاجتماعي الجارح

يعتبر النقد من المهارات الحياتية المهمة التي يحتاجها الجميع، كما أن التعامل مع النقد بإيجابية هو مهارة حياتية أيضاً مهمة، ففي مرحلة ما من حياة كل إنسان سوف يتعرض للنقد الاجتماعي، وربما بطريقة تكون في بعض الأحيان صعب قبولها لكن كل هذا يتوقف على رد الفعل، إذ يمكن استخدام النقد الاجتماعي بطريقة إيجابية للتحسين أو بطريقة سلبية، حيث يمكن أن يقلل من الثقة بالنفس وتسبب التوتر أو الغضب أو حتى العدوانية، وللتعامل مع النقد الاجتماعي الجارح بشكل إيجابي قد يتطلب الثقة بالنفس وبعض المهارات لتأكيد الذات، وقد يتطلب تحسين احترام الذات وتأكيد الذات.

وهناك نوعان من النقد الاجتماعي هما: النقد الاجتماعي البناء والنقد الاجتماعي الجارح أو الهدام، ويرى علماء الاجتماع أن التعرف على الفرق بين هذين النوعين الاثنين يمكن أن يساعد المرء في التعامل مع أي نقد قد يتلقاه، إذ يمكن لأي شخص أن يقوم بعملية الانتقاد لشخص آخر إلا أن هذا الوضع يحتاج إلى شخصية قوية ومنظبطة قادرة على الرد حتى لا يتم التأثير على ضبط النفس والثقة؛ وذلك لأنه من الشائع دائماً عندما يقوم شخص بنقد ما فأن الرد يكون سلبياُ في كثير من الأحيان، وقد اهتم علماء الاجتماع بدراسة المشاعر التي تنتج عن النقد الجارح.

فالطريقة التي يختار بها المرء التعامل مع النقد لها تأثير غير مباشر في جوانب مختلفة من حياته، لذلك من الأفضل تحديد الطرق التي يمكن من خلالها الاستفادة من النقد واستخدامه لصالحه ليكون شخصًا أقوى وأكثر قدرة.

الفرق بين النقد البناء والنقد الجارح والمدمر

يرى معظم علماء الاجتماع أن الفرق بين النقد البناء والنقد الجارح والهدام هو الطريقة التي يتم بها تسليم التعليقات، وعلى الرغم من أن كلا الشكلين يتحديان أفكار أو شخصية أو قدرة الشخص إلا أنه عندما يوجه شخص ما نقدًا اجتماعياً جارحاً فقد يؤذي ذلك كبرياء ذلك الشخص، وله آثار سلبية على احترامه لذاته وثقته بنفسه، وغالبًا ما يكون النقد الاجتماعي الجارح مجرد عدم تفكير من قبل شخص آخر، ولكنه قد يكون أيضًا خبيثًا ومؤذيًا عن عمد، ويمكن أن يؤدي النقد الاجتماعي الجارح المدمر في بعض الحالات إلى الغضب أو العدوان.

النقد الاجتماعي البناء من ناحية أخرى مصمم للإشارة إلى الأخطاء ولكن أيضًا يوضح إلى أين وكيف يمكن إجراء التحسينات، ويجب أن يُنظر إلى النقد الاجتماعي البناء على إنه ملاحظات مفيدة يمكن أن تساعد على تحسين نفس المرء بدلاً من إحباطه، وعندما يكون النقد الاجتماعي بناءً يكون من الأسهل عادةً قبوله حتى لو كان لا يزال مؤلمًا قليلاً، وفي أي من هؤلاء السيناريوهين يجب على المرء أن يحاول دائمًا أن يتذكر إنه يمكنه استخدام النقد لصالحه.

كيفية التعامل مع النقد الاجتماعي الجارح

بعض الأفراد ينتقدون بطبيعتهم ولا يدركون دائمًا أنهم يؤذون مشاعر شخص آخر، وإذا كان المرء يعرف شخصًا ينتقد كل شيء فيجب عليه أن يحاول ألا يأخذ تعليقاته على محمل الجد؛ لأن هذا مجرد جزء من سمات شخصيته، وإذا كان سيأخذ التعليقات السلبية على محمل الجد فقد يؤدي ذلك إلى استياء وغضب اتجاه الشخص الآخر مما قد يضر بالعلاقة، ويتذكر أن الأشخاص الذين ينتقدون كل شيء أو يدلون بتصريحات لاذعة لإيذائهم هم من يحتاجون إلى المساعدة وليس هو.

ويناقش علماء الاجتماع كيف يتم التفاعل جسديًا مع النقد الاجتماعي الجارح حيث يرون أن ذلك سيعتمد على طبيعة النقد ومكان وجود المرء ومن أين يأتي النقد، والشيء الأساسي الذي يجب تذكره هو إنه مهما كانت الظروف يجب أن لا يستجيب المرء بغضب لأن هذا سيؤدي إلى مشهد وخلق مشاعر سيئة وربما صورة سيئة عنه، وأيضاً عليه أن يحاول أن يظل هادئًا ويتعامل مع الشخص الآخر باحترام وتفهم، وسيساعد هذا على نزع فتيل الموقف ومن المحتمل أن يمنعه من الخروج عن السيطرة.

وكما يجب أن يُظهر إنه الشخص الأقوى ويحاول ألا يرتقي للطُعم ولا يستخدمه كسبب لتقديم النقد الاجتماعي المضاد، وإذا كان الشخص يتعمد بالنقد أن يتحدى الشخص الآخر فعليه أن يبدأ في مناقشة ربما تكون غير ضرورية، وإذا وجد صعوبة في التعامل مع النقد فعليه أن يجد وسيلة للتجاهل، وإذا شعر إنه قد يفقد ضبط النفس أو يقول أو يفعل شيئًا من المحتمل أن يكون ضارًا فعليه أن يبتعد.

وإذا كان النقد الاجتماعي الجارح موجه أمام مجموعة من الأشخاص فعليه أن يفسح لنفسه بأدب ويترك الغرفة حتى يكون لديه وقت للتجمع، وعلى الرغم من أن الملاحظات السلبية لشخص ما قد تكون مؤذية إلا إنه من الأكثر ضررًا للمرء أن يسمح لنقده بأن يكون مدمرًا لثقته بنفسه.

إخراج الإيجابيات من النقد الاجتماعي الجارح

من وجهة نظر علماء الاجتماع أن الكل يرتكب أخطاء في كل وقت وذلك لأنها طبيعة بشرية، ومع التقدم في الحياة لدى الناس الكثير من الفرص للتعلم وتحسين أنفسهم لذلك بغض النظر عن نوع النقد الاجتماعي الموجه إليهم، عليهم القيام بتحليله للعثور على شيء يمكنهم التعلم منه، على سبيل المثال في الأمور المادية في العمل أو المدرسة أو النوادي الاجتماعية، يجب أن يحاول المرء أن يأخذ النقد الاجتماعي الجارح لمساعدته على التحسن، أما عندما يهاجم شخص ما شخصيته بطريقة من الصعب قبولها هذا لا يعني إنه يجب عليه تجاهلها.

كما يرى علماء الاجتماع أن على المرء أن يضع في اعتباره أيضًا أن النقد الاجتماعي الجارح الموجه إليه قد لا يكون منطقيًا في ذلك الوقت، بشكل عام عادة ما يكون هناك بعض الحقيقة في النقد حتى عندما يبدو إنه ينبع من الحقد والمرارة، وغالبًا ما تكون الحالة الطفيفة على شخصيته هي انعكاس عادل لكيفية نظر شخص آخر إليه في تلك المرحلة الزمنية، ولمعرفة ذلك عليه أن يأخذ خطوة للوراء ويحاول أن يرى الأشياء من وجهة نظر الشخص الآخر، وربما عليه أن يسأل صديقًا عن رأيه الصادق.

استخدم النقد الاجتماعي الجارح بحكمة وكتجربة تعليمية، يمكن المرء من معرفة ما إذا كان من الممكن أن يتعلم القليل عن كيفية إدراك الآخرين له، فقد يتمكن من استخدام النقد لتحسين مهاراته في التعامل مع الآخرين، فالجميع يتعلم من خلال ارتكاب الأخطاء، حيث يتعلمون كيفية التعامل مع النقد الاجتماعي الجارح بشكل إيجابي وهذا إحدى الطرق التي يمكن من خلالها تحسين العلاقات الشخصية مع الآخرين.

المصدر: علم الاجتماع والمشكلات الاجتماعية، عدلي السمري ومحمد الجوهري، دار المعرفة الجامعية، القاهرة،1998المشكلات الاجتماعية المعاصرة، مداخل نظرية، أساليب المواجهة، الدكتور عصام توفيق قمر،2000علم المشكلات الاجتماعية، الدكتور معن خليل، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، الاردن، 1998الظاهرة الاجتماعية عند إميل دوركايم، طالب عبد الكريم،2012


شارك المقالة: