بعد الانتصار الساحق الذي حققه السلطان بايزيد الأول (الصاعقة)، بحرب كوسوفو، الذي أسفر عنه غزو معظم أراضي البلقان، وعندما فتح بلغاريا سنة (797) هـ، وجعلها ولاية تابعة للإمبرطورية العثمانيّة، وقع الخوف والرعب في قلب أوروبا، وبدأت القوى المسيحيّة بتجهيز حملاتها الصليبيّة للقضاء على الدولة العثمانيّة، من أجل القضاء على التوسع الإسلامي، وخوفًا من سيطرةالعثمانيون على طرق التجارة في أوروبا.
وخاصةً عندما سمع ملك المجر سيجسموند والبابا بونيفاس التاسع بالشروط التي فرضها السلطان بايزيد الأول على إمبرطور بيزنطة في القسطنطينيّة وقبول مانويل بها، والتي كانت تنص على مايلي:
- تأسيس محكمة إسلاميّة، ويكون القضاة فيها مُسلمين، من أجل الحكم بالقضايا التي تخُص المسلمين.
- بناء مسجد كبير فيها، ويتم إقامة الأدعيه فيه في صلاة الجمعة للخليفة العباسي، وللسلطان بايزيد من بعده.
- إنشاء سبعمئة منزل في القسطنطينيّة للجالية المسلمة.
- زيادة الجزية المفروضة عليهم.
اعتبرا ذلك تهديدًا للعالم المسيحي بأكمله، فاتفقا على البدء بالتجهيز للحملة الصليبيّة، ولكن هذه المرّة سيكون نطاقه أوسع ويضم أكبر قدر ممكن من الأوروبين، وقّع النبلاء من جميع أنحاء أوروبا المسيحيّة في نهاية المطاف على مشروع الحملة الصليبيّة، بما في ذلك وحدات كبيرة من فرنسا والمجر وألمانيا ومن فرسان وسام القديس جون، بقيادة ملك المجر سيجسموند ، شرعوا في رحلة طويلة إلى قلعة (Danubian) في نيكوبولس في بلغاريا المعاصرة.
بايزيد الأول (الصاعقة):
هو السلطان العثماني بايزيد بن مُراد بن أورخان بن عثمان بن أرطغرل، وُلد بايزيد الأوَّل سنة (1361) في مدينة أدرنه، تولى الخلافة من عام (1389 إلى 1402)، وهو ابن مراد الأول وجولتشيك هاتون، أطلق عليه والده لقب (يلديرم) وهي كلمة تركية تعني الصاعقة، وذلك بسبب سرعته بالتنقل بالجنود.
هو رابع السلاطين العثمانين، والسلطان العثماني الثاني الذي يمتد لجذور بيزنطيّة تركمانيّة، عيَّن له والده مراد الأول مراد الكثير من العلماء لتعليمه العلوم والآداب المتنوعة، وكان هناك من هو مُختص بتعليمه أصول القتال والعسكريّة.
تولّى بايزيد خلافة الدولة العُثمانيَّة بعد مقتل والده، وكان قادرًا على قيادة الدولة والجيوش وتمكن من الانتصار على الصليبين، ترك له والده دولة واسعة، فاستمر بالمحافظه عليها وتوسيعها، واستطاع الحصول على مدينة فيلادلفيا من البيزنطيين، ونال من البلغارعام (1393)م وأصبحو تحت سيطرته.
أحداث المعركة
وقعت المعركة يوم (25 سبتمبر 1396)م، يُقال أنّ عدد المقاتلين من الجيوش المسيحيّة (7500-9000) الآف مُقاتل، وحوالي (12000-20000) مُقاتل من جيوش المسلمين، ولكن جيش المسلمين كان يتفوق على الجيش المسيحي، بتنظيمه وأسلحته، وصلت الجيوش الصليبيّة، مارة بنهر الدانوب وصولًا إلى مدينة نيكوبولس، شمال البلقان، بقيادة ملك المجر سيجسموند، والذي كان مُغترًا بنفسه، بسبب عدد جيشه وقوته، حتى إنه قال: “لو انقضت السماء من عليائها لأمسكناها بحرابنا”
منذ البداية تمزقت الحملة الصليبيّة بسبب نزاعات الأسبقية والمكانة، وصل الفرسان إلى نيكوبوليس في أواخر الصيف، وهم غير مؤهلين للاستيلاء على القلعة بالقوة، بعد أسابيع من الحصار، أُكتشف أنّ بايزيد كان على بعد ساعات فقط على رأس جيش كبير.
أُصيب الصليبيون بالذعُر، وعلى الرغم من مجلس الحرب، كانت أفعالهم متهورة وغير مُنسقّة، أصر الفرسان الفرنسيون على قيادة المعركة، دون معرفة حجم جيش السلطان بالكامل كانت المعركة لصالحهم في البداية ، لكن بايزيد رد باحتياطياته، في اندفاعهم لتأمين مجد النصر لأنفسهم.
انفصل الفرسان الفرنسيون عن دعمهم المجري ، وعندما هاجم بايزيد هجومه المضاد تمّ تدميرهم، حاول المجريون بشكل يائس دعم الفرنسيين لكنّهم فشلوا في ملاحظة حركة الالتفاف من قبل الفرسان العثمانيون (سلاح الفرسان الخفيف).
تمّ التغلب على الصليبيين، قُتل منهم أعدادًا كبيرة، وأُسر بعضهم، وفرّ الكثير منهم، وكان سيجيسموند من بين الذين فروا، بعد المعركة حزن بايزيد على الشهداء المسلمين وثأرًا لهم قام بإعدام معظم سجنائه.
قبل السلطان الفدية من بعضهم، وكان من ضمنهم الكونت الفرنسي دي نيفر، الذي كان قد أقسم على عدم الرجوع لمحاربة السلطان بايزيد، فرد عليه السلطان: “إني أجيز لك أنّ لا تحفظ هذا اليمين، وأنت في حل من الرجوع لمحاربتي إذ لا شيء أحب إلي من محاربتكم والانتصار عليكم”.
انتصر الجيش العثماني الإسلامي، وحصلو على غنائم كثيرة، واستولوا على أسلحة العدو، وسقطت هيبة الصليبين، ولم يعد لهم أي وزن ولا اعتبار آنذاك، وأرسل السلطان بايزيد بشارة الفتح لجميع الولايات الإسلاميّة، وأرسل لهم الأسرى المسيحين كهدايا، وكان ذلك دليلًا على نصرهم العظيم الذي حققوه.