مفهوم التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية في التطور الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


إن التعاليم الماركسية اللينينية حول التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية هي قاعدة نظرية نرتكز عليها لتفسير الترابط بين القوانين العامة للتطور التاريخي وبين خواص تطور شعوب منفردة، تتيح لنا هذه التعاليم الإجابة عن سؤالين هامين أولاً ما الذي يعين التعاقب الطبيعي لمختلف العصور وحلول عصر محل آخر في تاريخ البشرية، وثانياً ما الذي يعبر عن التكرار الطبيعي للأحداث في تاريخ أقطار وشعوب مختلفة تجتاز المرحلة نفسها من تطورها.

مفهوم التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية في التطور الاجتماعي

لم يكن في استطاعة الفلاسفة أن يفسروا التطور التاريخي بصورة ملموسة إلا بعد صياغة مفهوم التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية، الذي حل محل الأفكار المجردة عن المجتمع على العموم، التي يتميز بها علم الاجتماع البرجوازي، فالماركسية تعتبر أن تاريخ المجتمع هو تاريخ تطور التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية وحلول تشكيلة محل أخرى.

المادية التاريخية عند كارل مارك وفريدريك إنجلز

كشف كارل ماركس وفريدريك إنجلز، اللذان خلقا المادية التاريخية، عن تلك الحقيقة القائلة أن العلاقات الحقوقية وأشكال الدولة لها جذورها في الظروف المادية لحياة المجتمع، وهذه الظروف بمجموعها يمكن توحيدها وتسميتها بالمجتمع المدني، وأما تفسير هذا المجتمع فينبغي علينا أن نبحث عنه في الاقتصاد السياسي.

لقد جاء في إحدى مؤلفات ماركس وإنجلز أن المجتمع المدني هو الموطن الحقيقي والساحة الفعلية لتطور التاريخ بأسره، فهو يحتوي على كافة التعاملات المادية بين الأفراد في نطاق درجة معينة من تطور القوى المنتجة ويكون قاعدة للدولة في كل الأزمنة.

إن الفهم المادي للتاريخ، بخلاف الفهم المثالي له، إذ ينطلق على حد تعبير ماركس وإنجلز، من الانتاج المادي للحياة مباشرة، يجعلنا نبحث وندرك شكل معاشرة الناس المجتمع المدني في مراحله المختلفة، الذي يتوقف على أسلوب الانتاج المعني وينجم عنه، كأساس للتاريخ، فننطلق من هذا الأساس لنفس تطور حياة الدولة وكذلك كافة أشكال الوعي، كالدين والفلسفة والأخلاق وغيرها.

لقد كتب ماركس في مؤلفه العمل المأجور والرأسمال ما يلي: أن العلاقات الانتاجية بمجموعها تكون ما يطلق عليه الناس بالعلاقات الاجتماعية أو المجتمع، مع العلم أنها تكون مجتمعاً يجتاز درجة معينة من التطور التاريخي، مجتمعاً له خواصه التي يتميز بها.

فلا نستطيع أن ندرك أن المجتمع تكوّن بصورة طبيعية وتاريخية، وليست اصطناعية، إلا إذا انطلقنا من وجهة النظر هذه، وبصياغة مفهوم التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية أتيحت لنا فرصة التمييز بدقة وأحكام بين الأنواع المختلفة للمجتمع البشري، التي يحل الواحد محل الآخر في تاريخ العالم.

لكل تشكيلة اجتماعية واقتصادية تتميز به من العلاقات الانتاجية، التي تكسبها طابعاً خاصاً بها وتميزها عن التشكيلات الأخرى، حيث أن هذا الأمر لا يعني أن التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية تنحصر ببنية المجتمع الاقتصادية، وإن مفهوم التشكيلة هذه يحوي كذلك البناء الفوقي الذي يشيد على القاعدة الاقتصادية.

لقد لاحظ فلاديمير لينين بهذا الصدد أن بحث العلاقات الانتاجية في تطورها لا يكون سوى هيكل الرأسمال، وأضاف إلى جانب ذلك أن ماركس لم يكتفي بهذا الهيكل، إنما أكساه لحماً ودماً، أي أنه درس البناء الفوقي الذي يناسب هذه العلاقات الانتاجية، فكانت النتيجةأن الرأسمال صور للقارئ كل التشكيلة الاجتماعية الرأسمالية كتشكيلة حية بكل ما فيها من جوانب حياتية ومن ظواهر اجتماعية حقيقية تلازم العلاقات الانتاجية للطبقات المتناحرة، وكذلك البناء الفوقي السياسي البرجوازي، الذي يحافظ على سيادة طبقة الرأسماليين، وبما فيها من أفكار برجوازية عن الحرية والمساواة وغيرهما، وكذلك روابط العائلة البرجوازية.

هل يتضمن مفهوم التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية القوى المنتجة

هناك من يميل إلى الإجابة عن هذا السؤال بالنفي، فلا يجعل مفهوم التشكيلة يحتوي سوى على نظام المجتمع الاقتصادي والبناء الفوقي المناسب له، ولكن هل يمكننا أن نبحث تطور العلاقات الاقتصادية التي تتميز بها التشكيلة المعينة بدون قاعدتها المادية؟

مما لا شك فيه أن هناك قاعدة مادية وفنية معينة تلازم كل تشكيلة من التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية، أو إذا توسعنا في القول فهناك طابع معين تتصف به القوى المنتجة، فعلى سبيل المثال أن الرأسمالية جعلت إنتاج الماكنات الضخمة يحل محل الانتاج الصغير والمبعثر، الذي يعتمد على أدوات العمل اليدوية.

تظهر كل تشكيلة من التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية في البداية، عادة على قاعدة تلك القوى المنتجة التي نمت داخل التشكيلة السابقة، وهي لا تكون قاعدة فنية مناسبة لها إلا من خلال مواصلة تطورها، فالعلاقات الرأسمالية في الصناعة، مثلاً تطورت في أول على قاعدة التعاون في العمل وانتاج المعامل الحرفية، ولم تخلق الصناعة الرأسمالية قاعدة فنية مناسبة لها إلا بعد أن أخذت الصناعة الثقيلة تنتج الماكنات بواسطة الماكنات، على حد تعبير ماركس.

وأما في ظروف الرأسمالية الراهنة فإن اتمتة الانتاج تواصل تطورها، حيث أن العلاقات الإنتاجية الرأسمالية تعرقل التقدم الفني وتستبعد أتمتة الإنتاج الاجتماعي على العموم، إن حل هذه المهمة يتوقف على الانتقال إلى الشيوعية، ذلك المجتمع الذي يرتكز على تطور القوى المنتجة الجبار، فيزيل الاختلافات الجوهرية بين القرية والمدينة، بين شغيلة اليد والفكر، ويحقق وفرة كاملة من الخيرات المادية، ويطبق المبدأ التالي من كل حسب قدرته، لكل حسب حاجاته.

فالتشكيلة الاجتماعية والاقتصادية الشيوعية، كغيرها من التشكيلات، لا معنى لها بدون قاعدة مادية وفنية تناسبها، وأن انجاز كافة الأهداف الجذرية لبناء الشيوعية، خلق وفرة من الخيرات المادية والثقافية لا بدّ منها لسد احتياجات الناس التي تتعاظم باستمرار وتغيير طابع العمل، وتأمين الظروف لتطور الفرد تطوراً شاملاً، والتغلب على رواسب الفروق الطبقية وغيرها، إن إنجاز هذه الأهداف الجذرية كلها يتوقف في المقام الأول وبصورة رئيسية على تطور القوى المنتجة للمجتمع الاشتراكي.

وعلى أساس القوى المنتجة المعينة تتكون علاقات انتاجية تناسبها، وأما نظام العلاقات الانتاجية لكل مجتمع من المجتمعات فيكون بنيته الاقتصادية، وهيكله أي البناء الفوقي السياسي والحقوقي والفكري، الذي ينمو على هذه القاعدة.

وهكذا نجد أن التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية هي مرحلة تاريخية في تطور المجتمع، وأن أساسها هو أسلوب الإنتاج الذي تتميز به وحدها، إن هذا المجتمع ليس مجتمعاً على العموم إنما مجتمع من نوع معين، مجتمع إقطاعي أو رأسمالي أو شيوعي.

هذا وإن مفهوم التشكيلة يعمم السمات المقررة والأكثر أهمية التي يتميز بها النظام الاجتماعي والاقتصادي السائد في الأقطار المختلفة، ولهذا فإنه يجعلنا نفهم معايير تكرار الأحداث في تاريخ المجتمع، فهو يحتوي على الظواهر العامة للأقطار المختلفة التي تجتاز نفس المرحلة التاريخية من التطور التاريخي.

لنستشهد على سلامة هذه الفكرة ببعض الأمثلة، من المعروف أن المؤرخين الذين كانوا يدرسون الأخلاق والعادات والأنظمة الاجتماعية لمختلف الشعوب التي كانت تعيش في المرحلة الأولى من تاريخ البشرية وجدوا أن هذه الأخلاق والعادات والأنظمة تتشابه إلى درجة عجيبة.


شارك المقالة: