يرى إميل دور كايم أنّ علم الاجتماع هو العلم الذي يقوم بدراسة الظواهر الاجتماعية، وهو العلم الذي يختص بدراسة هذه الظواهر وهي التي تجعل منه علم مستقل عن العلوم الأخرى، ويجعله ميدان واضح ومحدد على فِكره وانّ شخصية هذا العلم قد تعرضت للكثير من عمليات التشويه المتعددة التي أدت إلى أن تقضي عليه.
مفهوم الظاهرة الاجتماعية عند إميل دوركايم:
قام عالم الاجتماع إميل دوركايم بوضع تعريف الظاهرة الاجتماعية، ويُعد من التعاريف الأكثر انتشاراً في الوسط العلمي والاجتماعي والسوسيولوجي، والذي يرى أنّ الظاهرة الاجتماعية هي كل مجال من السلوك ثابت كان أو غير ثابت، يمكن أنّ يمارس نوع من أنواع القهر الخارجي على الأفراد أو هي كل سلوك ينتشر في المجتمع بأكمله.
ويعتبر ذو وجود خاص مستقل عن الأشكال التي يتشكل فيها في الحالات الفردية، ومن الأمثلة على هذه الظواهر في المجتمع التي يراها دور كايم مثل قواعد الأخلاق والأسرة والممارسات الدينية وقواعد السلوك المهني، وتُعد الحقائق هي التي تشكل الميدان الحقيقي من أجل الدراسة الاجتماعية.
كما يرى دور كايم أنّ الظواهر الاجتماعية تمثل سياسات اجتماعية قائمة وموجودة بحد ذاتها على الرغم من أنه لم يكن هناك وجود لتنظيم اجتماعي محدد واضح مثل ما وجد الحماس الذي يعمل على دفع الفرد إلى الاندماج في الحشد أو عملية الجمهرة الاجتماعية.
وتُعدّ هذه التيارات اجتماعية في جوهرها؛ لأن لها واقع موضوعي وتعمل على ممارسة الضغط الاجتماعي على الأفراد.
الظاهرة الاجتماعية عند ابن خلدون:
أما بالنسبة لعالم الاجتماع العربي ابن خلدون فقد استخدم مصطلح العمران من أجل الإشارة إلى مجموعة كبيرة وواسعة من الظواهر الاجتماعية الإنسانية، والتي تشمل على المجتمع البدوي والمجتمع الحضري والدول والخلافة والملك والمصانع والمعاش والكسب، غير أنّ ابن خلدون لم يقم بتعريف هذه الظاهرة الاجتماعية أو يبين خصائصها.
يقول ابن خلدون في كتابه المقدمة “اعلم أنه لما كانت حقيقة التاريخ أنه خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال مثل التوحش والتأنس والعصبيات وأصناف التغلب على البشر بعضهم على بعض. “
كما يرى بعض العلماء الذين يهتمون في رؤى ابن خلدون في فهم موضوع العمران بأنه يقترب من مفهوم إميل دور كايم الذي ركز على أمن المجتمع، وهو أكثر من مجموع الناس الذين يشكلون هذا المجتمع والذي يشمل البناءات الاجتماعية التي تأخذ أنماط متنوعة مثل: العادات والتقاليد هذا بالإضافة إلى الهيئة الاجتماعية والجماعات المهنية.
ابن خلدون يرى أن البناءات الاجتماعية هي حقائق لها طبيعة خاصة، وعلى الرغم من أنها أشياء ليست مادية بالاتفاقات أو معاني مشتركة بين أفراد المجتمع ولكن لها قوة الأشياء المادية في التأثير على السلوك الإنساني، كما قام ابن خلدون بتصنيف الظواهر الاجتماعية في كتابه المقدمة إلى صنفين رئيسيين:
1- الظواهر التي تتعلق بالبنية الاجتماعية، مثل الظواهر التي تتصل بالحضر والبدو وأثر العوامل الجغرافية على العادات والتقاليد وتوزيع السكان على الأرض، والذي يتمثل مع تصنيف الذي أطلق عليه دور كايم اسم علم المورفولوجيا الاجتماعية.
2- الظواهر التي تتعلق بالنظم العمرانية تختلف باختلاف وجوه النشاط العمراني، فمنها ما يعتبر سياسي ومنها ما هو ديني وما هو اقتصادي ولغوي وبيئي وثقافي، وبالتالي يمكن استنتاج تعريف إجرائي ما يفيد أنّ الظاهرة الاجتماعية هي عبارة عن قواعد واتفاقيات تتأثر بالبيئة الطبيعية التي يعيشون فيها.
وبالتالي فإن الظاهرة الاجتماعية لا تنتج من فراغ، وإنما تنتج من خلال تفاعل الأفراد مع بعضهم ومن خلال إشباع الحاجات في البيئة المعينة، كما أن لها خصائص محددة تمارس عليهم نوع من أنواع القهر والالتزام، وبالتالي يحدد حاجات الأفراد كما تحدد لهم وسائل إشباع هذه الحاجات.
وهي بهذا المعنى لها وجود مستقل بذاته ويعتبر لها قوانين خاصة تخضع لها في تطورها وتغيرها، كما أن إميل دور كايم اقتبس من أستاذه ومعلمه أوجست كونت الكثير من المعاني والمفاهيم والنظريات، ولا سيما النظرية الوضعية ومناهج البحث العلمي وأهمية الجماعة في تحديد السلوك الإنساني ومبادئ السلوك السكون والديناميكي المتغير الاجتماعية.
كما بذل دور كايم جهد نظري قد يُكوّن الفرد به تحقيق استقلالية علم الاجتماع عن العلوم الأخرى في علم الاجتماع، من وجهة نظر دور كايم هو علم يختص بدراسة الظواهر الاجتماعية.