اقرأ في هذا المقال
- مفهوم القوانين العامة والخاصة وأهميتها في الحياة الاجتماعية
- الماركسية وقوانين التطور الاجتماعي
- المساواة بين القوانين الاقتصادية لمختلف التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية
- الفرق بين القوانين العامة والقوانين الخاصة لتطور المجتمع
إن الاختلافات بين القوانين العامة والخاصة للتشكيلات الاجتماعية والاقتصادية تتوقف على المجال والمرحلة التاريخية التي تفعل مفعولها فيهما.
مفهوم القوانين العامة والخاصة وأهميتها في الحياة الاجتماعية
تجري فاعلية أي قانون من القوانين في مجال معين وعام إلى درجة محدودة، إن قوانين المادية الديالكتيكية تتميز بسمة عامة أكثر من غيرها من القوانين، إذ إن مجال فاعليتها يحتوي العالم بأسره التي تتكون من الطبيعة والمجتمع ومجال التفكير، وأما بالنسبة لقوانين التطور الاجتماعي فإن أكثرها عمومية هي تلك التي تعبر عن ظروف وجود المجتمع بصرف النظر عن هذه التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية أو تلك.
إن هناك قانون ضمن هذه القوانين يؤدي انتاج الخيرات المادية بموجبه الدور الحاسم في التطور الاجتماعي، فمهما كانت المرحلة التي يجتازها المجتمع فإن الإنتاج وسيلة حتمية لا بدّ منها لإدامة حياته، ولذلك فإن الظروف التي تظهر فاعلية هذا القانون فيها تطابق ظروف وجود المجتمع بشكل عام، إن هذه الحقيقة هي التي تعين مجال فاعليته بكونه قانوناً من قوانين التاريخ العامة.
ولكن قانون فائض القيمة، مثلاً يتميز بمجال آخر لفاعليته فهو يفعل مفعوله في ظروف تاريخية معينة، تلك الظروف التي لا نجدها في جميع مراحل التطور الاجتماعي، وهذه الظروف هي أولاً وجود الإنتاج السلعي، وثانياً تحول العمل إلى سلعة، مع العلم أن الانتاج السلعي كان قد ظهر قبل الرأسمالية بفترة طويلة جداً، حيث أنه ورغم أن الإنتاج السلعي كان يسود على مدى قرون عديدة وبأشكال مختلفة ومتنوعة فإنه لم يتحول إلى شكل عام للإنتاج إلا في ظل الرأسمالية، حيث حل العامل محل الحرفي في القرون الوسطى ومحل الفلاح في النظام الاقطاعي.
وهذا العامل حر من الناحية الحقوقية، غير أنه محروم من وسائل الانتاج، ولذا فهو مرغم على أن يبيع قوة عمله إلى الرأسمالي، صاحب وسائل الإنتاج، إن هذه الحقيقة هي التي تعين مجال فاعلية قانون فائض القيمة باعتباره قانوناً من القوانين الخاصة بأسلوب الإنتاج الرأسمالي.
وعدا ذلك فإن القوانين العامة والخاصة تختلف بالنسبة للمراحل التاريخية التي تفعل مفعولها فيها، فالقوانين العامة تلازم مراحل التاريخ كلها، بينما القوانين الخاصة لا تلازم سوى عصور معينة من وجود هذه التشكيلة أو تلك.
الماركسية وقوانين التطور الاجتماعي
وهكذا نجد أن الماركسية تقف من قوانين التطور الاجتماعي موقفاً تاريخياً، فالاقرار بأن هناك قوانين خاصة لكل تشكيلة اجتماعية واقتصادية، لا تفعل مفعولها على مدى التاريخ البشري كله، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتلك الموضوعة الماركسية القائلة بأن التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية هي تشكيلات زائلة تاريخياً، وبأنه ليس هناك نظام اجتماعي لا يتغير.
إن هذا الموقف من طبيعة تطور المجتمع غريب كل الغرابة عن موقف علم الاجتماع البرجوازي والاقتصاد السياسي البرجوازي، يكفي أن نقول أنه حتى علماء الاجتماع والاقتصاديون البرجوازيون الذين لا ينكرون قوانين التطور الاجتماعي، يبحثونها عادة خارج أبعادها التاريخية، فعلى سبيل المثال أن البعض منهم يزاول صياغة قوانين عامة فوق التاريخ، ويدعي أن تطور المجتمعات كلها يخضع لها خضوعاً كاملاً.
المساواة بين القوانين الاقتصادية لمختلف التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية
هناك بعض آخر منهم يحاول وضع علامة مساواة بين القوانين الاقتصادية لمختلف التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية، فهم يصرحون أن قوانين ومفاهيم الرأسمالية هي مفاهيم وقوانين إزالية تلازم المجتمع البشري على العموم، ويؤكدون كذباً وبهتاناً، أن الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والرأسمال كذلك من مقومات الإنسان الأبدية والراسخة.
ويهاجم الكثير منهم نفس مفهوم القانون التاريخي، فيصرحون بأنه متناقض من أساسه، فهم يستخدمون هذه التهجمات عادة لانكار إمكانية تشخيص قوانين التطور الاجتماعي بصورة عامة، وبهذا الصدد نقول أن هناك من يدعي أن تقلب أشكال الحياة الاجتماعية التي لا تستقر على ﻻحال أبداً ينفي إمكانية تشخيص قوانين تطور تاريخ المجتمع، ويضفي البعض الآخر على مفهوم القانون التاريخي المعنى الذاتي الغريب عنه.
إن مفهوم القانون التاريخي لا يتضمن ولا ذرة واحدة من ذرات مذهب الذاتية، إن قوانين كثيرة كقوانين الحياة العضوية، هي قوانين تاريخية في المجتمع والطبيعة على حد سواء؛ ﻷنها تفعل مفعولها في ظروف معينة، لا تسود دائماً وفي كل مكان، إن الفرق الوحيد في هذا الصدد هو أن الظروف في الحياة الاجتماعية تتغير أسرع من تغيرها في الطبيعة، ولهذا فإن غالبية قوانين تطور المجتمع تفعل مفعولها على مدى فترة من الزمن أقل نسبياً مما في الطبيعة.
حيث أن هذا الأمر لا يعني أنه من الممكن إيقاف فاعليتها في أية لحظة، فإن القوانين الخاصة بتشكيلات اجتماعية واقتصادية منفردة تفعل مفعولها أو بالعكس يبطل مفعولها ليس نتيجة لرغبات الناس، إنما في نتيجة تغير الظروف الموضوعية لتطور المجتمع.
إن الناس أنفسهم يغيرون ظروف الحياة الاجتماعية، ولكنه ليس في استطاعتهم أن يفعلوا ذلك في أية لحظة ولا يتصرفون حسب هواهم، إنما لا يستطيعون القيام بذلك إلا حينما تبدو هذه التغيرات ضرورية موضوعياً، ذلك ﻷن حلول تشكيلة اجتماعية واقتصادية محل أخرى هو عملية طبيعية.
الفرق بين القوانين العامة والقوانين الخاصة لتطور المجتمع
إن القوانين العامة لتطور المجتمع والقوانين الخاصة التي تفعل مفعولها في تشكيلات اجتماعية واقتصادية منفردة هي قوانين تاريخية على السواء، والفرق الوحيد بينها هو الفترة الزمنية التي تحتويها فاعليتها فترة عصر من العصور التاريخية أو فترة جميع العصور منذ ظهور المجتمع البشري.
ثم إن الاختلاف بين القوانين العامة والخاصة هو اختلاف نسبي، فهي قد تكون خاصة في أحد الأحوال وتكون عامة في حالة أخرى، فالقوانين العامة لتطور المجتمع، مثلا هي قوانين خاصة بالنسبة لقوانين المادية الديالكتيكية، ومن الجهة الأخرى فإن القوانين الخاصة بتشكيلات اجتماعية واقتصادية منفردة هي قوانين عامة بالنسبة لكافة الأقطار والشعوب التي تجتاز مرحلة هذه التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية، فعلى سبيل المثال، إن قوانين تطور الرأسمالية تفعل مفعولها في جميع الأقطار، والشيء نفسه يقال عن قوانين قيام الاشتراكية وتطورها، فهي قوانين عامة بالنسبة لكافة البلدان التي تسير في طريق الاشتراكية، ولكنها في آن واحد تنعكس بأشكال مختلفة في كل بلد من هذه البلدان.
إن الاقرار بهذا الحكم له أهمية مبدئية فالأحزاب الشيوعية والعمالية تضطر إلى أن تخوض نضالاً شديداً ضد المحرفين الذين يتجاهلون القوانين العامة، الأمر الذي نجم عنه الادعاء أن كل قطر من الأقطار يتطور حسب وبطريق فريد خاص به تماماً، كما أنها تخوض النضال ضد أصحاب العقائد الجامدة التقليدية الذين يتجاهلون الخواص التي ينفرد بها كل قطر من الأقطار في تطوره.
وفي الواقع ليست هناك قوانين وطنية لكل بلد من البلدان سواء كانت تنتمي إلى المنظومة الرأسمالية أم المنظومة الاشتراكية، والقوانين السائدة هي قوانين تلازم المنظومة المعينة وتفعل مفعولها في كافة الأقطار التي تجتاز مرحلة التشكيلة المعينة.