مقبرة منتوحوتب الثاني ومعبده الجنازي:
يرى زائر منطقة الدير البحري أطلال معبد الأسرة الحادية عشرة إلى الجنوب من معبد حتشبسوت، والواقع أنَّ مُهندسي الأسرة الثامنة عشرة كانوا متأثرين بمن سبقهم في أوائل الدولة الوسطى، ليس في اختيار المكان فحسب، بل وتأثروا أيضاً بعمارته وتشييده على نظام المدرجات. وإذا كانت أطلال معبد الدولة الحديثة أصبحت أكثر أهمية الآن لكثرة ما بقي من مبانيه ونقوشه الهامة، فإنَّ الذي يعني بفحص كل من المعبدين سيُدرك بلا شك أنَّ معبد منتوحوتب عندما كان كاملاً كان أفخم وأجمل من معبد حتشبسوت.
شيد مهندسو منتوحوتب معبده على مرتفع أقاموا أمامه صفوفاً من الأعمدة، وفوق ذلك المرتفع قام هرم تُحيط به الأعمدة أيضاً، وكان يوصل بين الردهة السفلى لذلك المعبد وبين معبد آخر على حافة الوادي طريق طويل بين جدران، وعلى جانبي الطريق الموصل أقاموا تماثيلاً للملك منتوحوتب تمثله في صورة المعبود أوزيريس.
فإذا ما أتى زائر المعبد الذي كان يأتي من الوادي، ويذهب إلى آخر الطريق ويمر في، الباب الموصل إلى المعبد، يرى نفسه يسير بين صفين من أشجار الجميزة وخلفهما من اليمين واليسار حديقتان غرز في كل منهما عدد كبير من أشجار الأثل. ويسير بعد ذلك في طريق صاعداً حتى يصل إلى الرصيف الذي أقيم عليه المعبد.
فإذا أراد هذا الزائر أنّ يدور حول الهرم فإنه يرى هناك ((140 عموداً على جوانبه وهي مُثمنة الجوانب، ثم يجد نفسه بعد ذلك في ردهة مفتوحة للسماء تُحيط بها الأعمدة فقط على جوانبها على هيئة بواكي. وفي وسط هذه الردهة فتحة تنزل إلى الصخر يليها دهليز طويل يقل قليلاً عن ((15 متراً، وكسيت جوانبه بالحجر الرملي الأرجواني وفي نهاية حجرة الدفن المشيدة من الجرانيت، وفي وسطها تابوت من المرمر.
وصف المعبد الجنازي:
عندما يذهب الزائر إلى نهاية الردهة يجد في آخرها من ناحية الجبل بهواً يحمل سقفه ثمانين عموداً مثمنة الجوانب وفي الجهة الغربية من ذلك البهو مذبح أمام هيكل مقطوع في الصخر كان فيه تمثال للملك، وبعبارة أوضح لقد جمع هذا البناء بين قبر الملك ومعبده كما احتفظ أيضاً بفكرة الهرم إذ أقيم هرم في وسط المعبد ولكنه كان هرماً أصماً ولم يدفن فيه أحداً وكشفت الحفائر في هذا المعبد عن حقائق مهمة تتعلق بتشييده، إذ ثبت أنَّ مشروع تشييده قد تغير عدة مرات بعضها أثناء العمل والبعض الآخر بعد الانتهاء منه، وذلك بهدم بعض الأجزاء وإعادة بنائها على نظام آخر.
وقبل أنّ يؤسسوا شيئاً، مهد المهندسون أرضية المكان وحفروا اثنتي عشرة حفرة في الأرض في محور المعبد، ووضعوا في كل منها أرغفة خبز مخروطية الشكل. ثم حفروا، عند كل ركن من أركان ذلك الرصيف المتسع حفرة مربعة، ووضعوا فيها القرابين المختلفة، ووضعوا فوق تلك القرابين أربعة قوالب من الطين، وضعوا في ثلاثة منها قوالب صغيرة صنعت إحداها من الخشب والثانية من الحجر والثالثة من المعدن وهي المواد التي استخدمت في تشييد المعبد إلى جانب الطوب اللبن، وعليها اسم الملك وألقابه.
أما القرابين فقد تم وضعها في أوان فخارية، كما حوت هذه الحفر قطعاً من اللحم ورأس ثور وفخذه وبعض قطع من ضلوعه وكثيراً من أرغفة العيش، من مخروطية ومستديرة، وبعض حبوب الشعير والفاكهة وبخاصة التين والعنب، كما وضعوا بينها أيضاً أوانٍ صغيرة رمزية فيها جعة ونبيذ سدوا فتحاتها بالطين. وتسمى محتويات أمثال هذه الحفر ودائع الأساس، وكثيراً ما نجد أمثالها في أركان المعابد وتحت بعض عتباتها أو أعمدتها، ويجد فيها رجال الآثار أحياناً كثيراً من الجعارين والحلي وغيرها وعليها اسم الملك الذي شيد المعبد.
وتم العثور أثناء الحفائر على عدد كبير جداً من أجزاء الجدران المنقوشة وعليها رسومات ملونة تبين بوضوح تقدم الفن المصري في ذلك العهد كما عثروا أيضاً على كثير من أجزاء التماثيل وبعض التماثيل الكاملة، وعلى قطع كثيرة من الأعمدة كما عثروا على قطعة من الحجر عليها رسم قديم خطه المهندس القديم بفرشاة يمثل التصميم الأصلي لجزء من المعبد وعليه رسم واضح للرصيف وأماكن الأشجار.
لم يكن هذا البناء ليتوقف على منتوحوتب الثاني وحده بل ضم أيضاً عدداً كبيراً من مقابر أهله وبخاصة زوجاته ومحظياته، ويبلغ عددهم أكثر من ثلاثين، وأهمها مقابر أمه وزوجاته الملكات (نفرو)، و (تم)، وكذلك (عشاييت)، و (كمسيت)، و (كاويت)، وغيرهن اللاتي عثر على توابيتهن الجميلة هناك، وبعضها في متحف القاهرة الآن والبعض الآخر في نيويورك، وكلها من الحجر الجيري وعليها نقوش جميلة.
كان هؤلاء الزوجات مدفونات تحت أرضية المعبد وكان لكل منهن عند آخر البهو هيكل صغير لتمثالها وعليه اسمها وبعض ألقابها، كما عثر في مقابرهن على بعض الحلي التي كن يتزين بها أثناء الحياة. ولم تقتصر المقابر على زوجات الملك فقط بل كان هناك أيضاً بعض الوصيفات والتابعات بل والراقصات النوبيات.
وفي جبانة طيبة، وبخاصة على جانبي الطريق الصاعد للمعبد، وفي علوة عبد القرنة، وفي المرتفع الذي يطل على الدير البحري، نرى مقابر كثيرة لموظفي ذلك العهد.
فقد حكم منتوحوتب الثاني واحداً وخمسين سنة تمتعت فيها البلاد بالرفاهية والاطمئنان، وترك كثير من رجال بلاطه مقابرهم على مقربة من قبر سيدهم أمثال (أختوي وحننو والوزير إيبي)، الذي عثرت بعثة متحف المتروبوليتان في فنائه الخارجي على مجموعة من الرسائل التي كتبها أحد كهنة الروح لذلك الوزير.
وكان يسمى (حقا نخت)، وعثروا أيضاً على كل ما تبقى من مواد التحنيط وما كان معها من أوان وأدوات، وضعها مخبأة في مكان في ذلك الفناء بعد تحنيط الوزير.