مكونات العلم في نظرية المعرفة العلمية في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


إن المعرفة العلمية تختلف عن غيرها من أنواع المعرفة في المنهج الذي يتبع في التوصل إليها، والذي يحدد بما يتضمنه من مسلمات، طبيعة الظاهرات القابلة للدراسة العلمية من جهة الظاهرات الطبيعية الخاضعة للملاحظة وذات الوجود الموضوعي المستقل عن أرادتنا، ويحدد من جهة أخرى كيفية دراسة هذه الظاهرات واستخلاص النتائج منها كما يقرر الهدف من هذه الدراسة، ويمكننا أن نستنتج من ذلك أن المعرفة العلمية تتكون من ثلاث عناصر رئيسية:

عناصر المعرفة العلمية في علم الاجتماع:

1- ملاحظات منظمة دقيقة ومحددة وموضوعية لوقائع في الكون.

2- إجراءات تستخدم في إجراء هذه الملاحظات مثل القياس والتجربة.

3- استنتاجات عامة من هذه الوقائع تبين العلاقات الترابطية والسببية بينها.

ومن الواضح أن المعرفة العلمية بعناصرها الثلاثة هذه تختلف عن أي معرفة أخرى، فالمعرفة التي توجد لدى الناس العاديين والتي يكتسبونها من خلال تجاربهم اليومية إنما تتضمن أساساً الملاحظات التي يقومون بها للأشياء المحيطة بهم دون أن يدركوا العلاقات الجوهرية بين هذه الأشياء وبعضها البعض أو يكونوا استنتاجات عامة عنها.

والمعرفة الميتافيزيقية والفنية والأدبية لا تزيد عن كونها تأملات فرية لا تستند على ملاحظات منظمة ودقيقة وموضوعية لوقائع موجودة في الكون أو بعبارة أخرى لا تستند على أدلة مستمدة من الواقع تخضع للاختبار وللتحقق من صدقها.

والمعرفة العلمية وحدها هي التي تجمع بين الملاحظات المنظمة أو الموضوعية للوقائع الطبيعية، وبين الاستنتاجات التي يصل إليها العلماء عن العلاقات الترابطية والسببية بين هذه الوقائع.

مكونات العلم في نظرية المعرفة العلمية في علم الاجتماع:

تتكون المعرفة العلمية من جانبين، جانب حسي يسمى بالمعرفة الحسية، ونستند فيها على الكفاءة الحسية التي تمدنا بها أعضاء الحس، وجانب منطقي أو عقلي يسمى بالمعرفة العقلية، أو المجردة ونستند فيها على العقل أو وظائف المناطق العليا بالمخ.

وهذان الجانبان لا انفصال بينهما بأي حال من الأحوال، ولكنهما يمثلان حلقتين متصلتين في سلسلة المعرفة العلمية، ومن خلال تفاعلهما تتقدم المعرفة وتتطوّر.

تبدأ المعرفة دائماً بالكفاءة الحسية فهي التي تمدنا بالكفاءة المباشرة بموضوعات العالم الخارجي المحيط بنا والمستقل عنا، فأول انطباع عن العالم الخارجي يأتينا من خلال أعضاء الحس، فهي النافذة التي تدخل منها موضوعات العالم الخارجي إلى عقل الإنسان، وأعضاء الحس جزء من الجهاز الحسي الذي يتكون من أعضاء الحس والأنسجة العصبية ومناطق الإحساس في المخ، والمثيرات الخارجية التي توجد في العالم الخارجي تحدث تهيجات في عضو الحس تنتقل عبر الأنسجة العصبية إلى المخ، لتتحول إلى احساسات، فالمثير الصوتي مثلاً يحدث تهيجات بالأذن تذهب إلى المناطق الحسية بالمخ لتكون احساسات صوتية، والمثير الضوئي يؤثر على العين ويتغير إلى احساسات ضوئية، وهكذا بالنسبة لباقي الحواس وبدون هذه الخطوة الأولى والأساسية تكون المعرفة مستحيلة.

وهذه الاحساسات حين تصل إلى المناطق الحسية في المخ لا تزيد عن كونها أشعة ضوئية مختلفة في حالة الاحساسات الضوئية مثلاً ولا يكون لها أي معنى، ولكن المخ يضفي عليها معنى، أي يحولها من احساسات إلى مدركات مثل الشجرة أو المنضدة أو السبورة.

فالإدراك يعني زيادة مفهوم على مجموعة معينة من الاحساسات المباشرة، وهذه المدركات قابلة للاستعادة في المخ مرة غيرها بعد أن تحدث وفي حالة عدم وجودها، وفي هذه الحالة تسمى أفكاراً وأعضاء الحس تمكننا من إدراك موضوعات العالم المحيط بنا ولكن في جوانبها الخارجية أو السطحية فقط فهي تمكننا مثلاً من إدراك ضوء منبعث من لمبة كهربائية، ولكنها لا تمكننا وحدها من معرفة أن هذا الضوء ناجم عن سيل من الإلكترونات تتحرك بسرعة معينة.

فالجانب الحسي من المعرفة على الرغم من أنه أساس كل المعرفة الإنسانية لا يمكننا وحده من التعرف على الطبيعة الداخلية للأشياء أي جوهرها، أو بعبارة أخرى لا يمكننا وحده من التوصل إلى القوانين، وهنا يأتي التفكير المجرد أو المنطقي ليلعب دوراً هاماً في تعرفنا على جوهر الأشياء.

ويعتمد العلم على الجانب الحسي في جمع المعلومات الموضوعية عن الظاهرات التي يدرسها، فالعلماء يقومون بإجراء الملاحظات الدقيقة والمنظمة عن كافة الظاهرات التي يدرسونها ويعتمدون في ذلك أساساً على خبرتهم الحسية بها، وهم يلجئون إلى وسائل شتى لزيادة دقة هذه الخبرة الحسية مثل استخدام الأجهزة الدقيقة التي لا تعني شيئاً أكثر من كونها وسائل مساعدة ﻷعضاء الحس.


شارك المقالة: