من هو المنصور عبد الله بن محمد؟
هو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، ولد بالحميمة من الشراة في الأردن عام (95 هجري). فهو أكبر من أخيه أبي العباس بحوالي عشر سنوات، وأمه سلامة البربرية. توفي والده محمد بن علي وقد جاوز المنصور الثلاثين، فقد التقى مع والده بكبار الرجال، كما عرف جده علي بن عبد الله الذي توفي عام (118 هجري).
صفات المنصور:
كان المنصور أسمر وطويل القامة نحيف الشكل مهيباً، ذو عارض خفيف، وذو وجه مُعرّق، رحب الجبهة، وأنفه أقنى، وكان من فحول بني العباس قوة وشجاعةً، وذو رأيّ حازم، ودهاءً وجبروتاً، وكان جمّاعاً للمال، حريصاً. تاركاً للهو واللعب، وحسن المشاركة في الفقه، والأدب والعلم، متديناً كثير الخير. تولى إمرة بليدة في فارس لعاملها سليمان بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة، ثم عزله وضربه.
الأحداث التي جرت مع الخليفة المنصور:
خرج على بني أمية مع أخيه السفاح، وعميه عبد الله بن علي، وعيسى بن علي عندما قام عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر فلما هزموا، توزعوا واختفوا، وسار المنصور مُختفياً في الجزيرة، وتزوج بأم ولد، ثم رجع إلى الحميمة حتى انضم إلى ركب أخيه إلى الكوفة. انتقل مع أخيه أبي العباس من الحميمة إلى الكوفة، ونزل معه في مخبئه، وخرج منه معد، وكان مستشاره، ومن دعائمه .
ولبس أبو العباس لباس المتنكر لأبي سلمة قبل ذهابه من عسكره بالنخيلة، ثم توجهَ عنه نحو المدينة الهاشمية، فنزل قصر الإمارة بها، وهو متنكر له، وقد عرف ذلك منه، وكتب إلى أبي مسلم يعلمه رأيه وما كان هم به من الغش، وما يتخوّف منه، فكتب أبو مسلم إلى أمير المؤمنين: (إن كان اطلع على ذلك منه فليقتله)، فقال داود بن على لأبي العباس: (لا تفعل يا أمير فيهم حاله، ولكن اكتب إلى أبي مسلم فليبعث إليه من يقتله).
فكتب إلى أبي مسلم بذلك، وأرسل له أخاه أبا جعفر الذي يقول: فخرجت على استعجالٍ فلما انتهيت إلى الريّ إذا صاحب الريّ قد أتاه كتاب أبي مسلم: إنه بلغني أن عبد الله بن محمد توجّه إليك، فإذا قدم فأشخصه ساعة قدومه عليك. فلما قدمت أتاني عامل الريّ فأخبرني بكتاب أبي مسلم، وأمرني بالرحيل، فازددت وجلاً، وخرجت من الريّ وأنا حذر خائف فسرت.
فلما كان بنيسابور إذا عامله قد أتاه بكتاب أبي مسلم يقول: إذا أتاك عبد الله بن محمد فأشخصه ولا تجعله يقيم، فإن أراضك هي أراضي الخوارج ولا آمن عليه، فطابت نفسي وقلت: أراه يُعنى بأمري. فسرت فلما كنت من إليَّ، حتى قبل يدي، فقلت: اركب، فركب فدخل مرو، فنزلت داراً فمكثت ثلاثة أيام، لا يسألني عن شيء، ثم قال لي في اليوم الرابع: ما أقدمك؟ فأخبرته، فقال: فعلها أبو سلمة! أكفيكموه! فدعا مرّار بن أنس الضبي، فقال: انطلق إلى الكوفة، فاقتل أبا سلمة حيث لقيته، وانته في ذلك إلى رأي الإمام.
وصل مرّار إلى الكوفة، وقدم على أبي العباس في المدينة الهاشمية، وأخبره سبب قدومه، فطلب أبو العباس مُنادياً فنادى: إن خليفة المؤمنين قد رضى عن أبي سلمة وقام بدعوته وكسوته، وجاء أبو سلمة بعد ذلك ليله إلى أبي العباس، وسهر عنده حتى ذهب عامة الليل، ثم خرج مُنصرفاً إلى منزله يمشي وحده، فعرض له مرّار بن أنس الضبّي ومن كان معه من أعوانه فقتلوه، وأغلقت أبواب المدينةن وقالوا: قتل الخوارج أبا سلمة.
يبدو أن أبا مسلم كان شديد الحذر فخشى أن يلتقي أبو جعفر بالناس أثناء وصوله إليه فيفسد عليه ولايته، لذا رغب ألا يمكث في بلدٍ أبداً، ولاحظ في كتابه الأول إلى صاحب الريّ بعض عدم الحذر فأراد أن يجليه بالكتاب الآخر الذي بعثه إلى صاحب نيسابور، وعندما وصل أبو جعفر إلى مرو اصطنع أبو مسلم المحبة والاحترام الزائد والتقدير لأبي جعفر.
كما رغب أن يبقى سرّه بينه وبين نفسه، لذا لا مانع عنده من أن يتخلص من كل الدعاة السابقين، ومن لهم شأن سابق ليبقى وحيداً في أمره، وانتهى من أبي سلمة كبير الدعاة فحقق ما يريده العباسيون، وحقق ما تطمح إليه نفسه. أما أبو جعفر فيبدو حذره واضحاً مذ كُلّف بالرحلة إلى مرو حيث كان وجلاً خائفاً منها.
ويزداد الأمر توضيحاً فى الرحلة الثانية التي سار بها أبو جعفر إلى خراسان، فبعد أن مات أبو سلمة بعث أبو العباس أخاه أبا جعفر بثلاثين رجلاً إلى أبي مسلم، فلما وصل أبو جعفر إلى مرو وذهب معه عبيد الله بن الحسين الأعرج، وسليمان بن كثير، فقال سليمان بن كثير للأعرج: يا هذا، إنا كنا نرجو أن يتم أمركم فادعونا إلى ما تريدون، فظنّ الأعرج أنه دسيس من أبي مسلم، فخاف ذلك.
وبلغ أبا مسلم مسايرة سليمان بن كثير إياه، وأتى عبيد الله أبا مسلم، فذكر له ما قال سليمان، وظنّ أنه إن لم يفعل ذلك اغتاله إذ كانوا يخشون أبا مسلم خشية كبيرةً، فبعث أبو مسلم إلى سليمان بن كثير، فقال له: أتحفظ قول الإمام لي: من اتهمته فاقتله؟ قال: نعم، فقال: إني قد اتهمتك، فقال: أنشدك الله! قال: لا تُناشدني الله وأنت مُنطوِ على غشّ الإمام، فأمر بضرب عنقه.
ووصل الخبر إلى أبي جعفر فغضب غضباً شديداً، ولكنه كظم غيظه، فسليمان بن كثير الخزاعي أحد نقباء الدعوة، وشيخهم، وكان كُلما جاء داعية إلى خراسان يُطلب منه أن يسمع ويُطيع لسليمان هذا، ومنهم أبو مسلم نفسه. ورجع أبو جعفر إلى الكوفة، فقال لأبي العباس: لست خليفة ولا أمرك بشيء إن تركت أبا مسلم ولم تقتله، قال: وكيف؟ قال: والله ما يصنع إلا ما أراد، قال أبو العباس: اسكت فاكتمها.
وأصبح أبو جعفر لا يطيق أبا مسلم ويرى أنه الشبح الذي يهدد العباسيين ولا يمكن مُخالفة أمره في خراسان للفزع الذي نشره بين الناس، والأسلوب الذي اتبعه في نقل الأخبار إليه، والقتل المباشر لأدنى شك. ثم تقريب عناصر الإجرام إليه، واستخدامهم أداةً لتنفيذ ما يريد. وكان أبو مسلم كُلما قتل أحداً اتهمه بغُشّه للإمام وذلك من أجل أن يُرضي العباسيين ويظهر تأييده البارد لهم، وأنه يعمل لهم، وفي الواقع أنه كان يُخطط لمصلحة يراها، ويكتم أمرها.