ولد عبد الله بن عمرو الحضرمي الشافعي في مكان بجانب مدينة تريم بوادي حضرموت، كان الشافعي المسؤول عن المذهب لأهل حضرموت وهو أحد مفتييها البارزين، غالباً ما يقوم بإحالة الفتاوي إلى كتب الإمام النووي والشيخ زكريا الأنصاري وابن حجر الهيتمي.
من هو عبد الله بن عمرو الحضرمي؟
عبداللّه بن عمرو بن الحضرمِي هو أحد حلفاء بني أُميّة وكان والي مكة في زمن عمر بن الخطاب، لُقّب بأسد الغابة وعمّه العلاء بن الحضرمي، توفي والده في أولى سنوات الهجرة النبوية كافراً، استدركه ابن معوز وابن فتحون واستند لما نقله ابنُ عبد البر والواقدي أنّه ولِد في عهد رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم-، دعا لمبايعة خاله أميراً على حضرموت عام 1224 هجري، كان له رغم حداثة سنّه مشاركة فاعلة، فقد لمع اسمه بين قادة الثورة، رغم أنّ هذه الإمارة لم تستمر طويلاً، إلّا أنّه بعد فشل الثورة ظل مكافح للحكومة الظالمة.
كان عبد الله بن عمرو بن الحضرمي يستخدم شِعره ورسائله بهدف تحريض الثورة ضد الحكام الظالمين من آل يافع، مثل القصيدة التي تكتبها وأسماها “إشعال القبس وتحميس من لا يحمس”، فقد تعرّض بسب ذلك للأذى والتهديد والوعيد بل وتعرض لمحاولة اغتيال، مما اضطره للهجرة إلى مدينة الشحر في ساحل حضرموت سنة 1238 هجري، فقد شق عليه فراق موطنه فأنشأ يقول وهو يحزم أمتعته: “رعى اللهُ ربْعاً نَشَأْنَا بِه وذُقنَا حلاوةَ أترابِه.
بعد ذلك قام عبد الله بن عمرو بن الحضرمي بالسفر إلى بيت الله الحرام من أجل القيام بمناسك الحج سنة 1240 هجري، فقد توالت أسفارُه فزار اليمن ومصر والشام والهند وجاوة، كان هدف السفر طلباً للعلم وللدعوة والعلاج وكان يحب السياحة، فقد قام بكتابة الكثير من الفتاوي في تلك البلاد ودخل الإسلام على يديه الكثير من الخلق، اشتهر في ذلك الوقت بأنّه الفقيه الشجاع الذي لا يتردد في إنكار المنكر ولو كلَّفه ذلك حياته.
رجِع عبد الله بن عمرو بن الحضرمي إلى حضرموت وعمل بالفتاوي والكتابة، حيث قام بتأليف كتاب “السيوف البواتر لمن يقدم صلاة الصبح على الفجر الآخر” عام 1261 هجري، فلم يغادر حضرموت أبداً وبقي -رحمه الله- فيها يتصارع مع المرض حتى توفاه الله، كان لديه عدد من الرسائل المختصرة والنُّبذ الفقهية اللطيفة، كما أنّ له أجوبة لأسئلة فقهية متناثرة، وجملة من القصائد الشعرية وله العديد من الوصايا والإجازات المتفرقة.
تكلّم عبد الله بن عمرو بن الحضرمي عن الأعمال التي قام بها زمن الطلب وقال: “كنتُ في الصغر أقرأُ على خالي طاهر بن الحسين في فتح الجَوَاد، وأطالع عليه بقية شروحه المجتمعة عندي كالإِمْداد والإِسْعاد والتمشِيَة وغيرها مع التُّحفة والنهاية وغيرها، كنت أحفظ جميع ما يقرره ويتكلم به خالي طاهر في قراءتي وقراءة غيري من الطلبة، وكنت أُدِيمُ المطالعةَ في الليل حتى اَسْتَوعِب الليلَ فيها، وقد تجيءُ بعض الأحيان الوالدةُ – رحمها الله – فتأخذ السراجَ من عندي قهراً شفقةً منها عليَّ من كثرةِ السهرِ ومواصلتِه”.
كان له في الصغر العديد من المجاهدات، فكان يصلي كثيراً ويطيل صلاته، كما أنّه كان يقوم الليل، أيضاً كان شغوفاً بالكتاب حريصاً على اقتناءِه وكثيرَ القراءة ودائمَ المطالعة، كان له عناية بكتب السلوك ويوصي بقراءة بداية الهداية والإحياء للغزالي وكتب العلامة عبد الله بن علوي الحداد مثل النصائح الدينية ورسالة المذاكرة والمعاونة، كان يقول عبد الله بن عمرو بن الحضرمي: (كلُّ مؤمن يلزمه أن يكون تحت إشارة الشرع كالميت بين يدي الغاسل، يعزل عن إشارة الشرع رأيه ورأي كل عاقل).
كان لعبد الله الحضرمي -رحمه الله- اعتناء عظيم بالصلاة لأنّها من أهم أركان الإسلام، كانت سمة صلاته مضرباً للأمثال في زمانه، حيث أنّ عقيلٌ ولدهُ يصف حال أبيه مع الصلاة فيقول: “وكان له الاعتناء التام بالصلوات الخمس وسائر الصلاة نفلها وفرضها، وإذا دخل الصلاة لا يشعر بنفسه ولا بمرضه فضلاً عن غير ذلك، وكنا نعرف أنّ أكبر لذاته وأعظم راحاته في الصلاة، وكان يطيلُ القراءة في صلاة الصبحِ يمكث فيها قدر ساعةٍ كاملةٍ، وفي الرباعية قدر ثلثي ساعة.
وصف العديد من الصحابة عبد الله بن عمرو بن الحضرمي بأنَّه كان كريم وسخي ومِضياف، حيث عندما رجع من جاوة بمائة ألف ريال ووصل إلى حضرموت أفناها في وجوه الخير ولم يتبقّى منها شيء، ولمّا أحسّ بمقربة أجله جمع ورثته وقال لهم: “لعلكم ترون ما أنا فيه من الظهور، فتظنون أنني خلفت شيئاً من الذهب والفضة، فليس معيّ شيءٌ من ذلك”، بعد وفاته قُسمت تركته فلم تتجاوز حصة الولد من التركة أربعين ريال.