يبدأ ابن خلدون ومحاولاته النظرية من أجل تناول قضية قيام المجتمع والظروف اللازمة لتغير المجتمع واستمراره، وقام ابن خلدون فرضيتين أساسيتين.
الروابط العصبية ودور التغير الاجتماعي عند ابن خلدون:
1- إن الاجتماع البشري هو ضرورة اجتماعية وذلك من أجل تلبية الحاجات الأساسية من حاجات الإنسان مثل: الغذاء والحماية وبالتالي الوصول إلى الحاجات الكمالية في المراحل المتقدمة في الحياة الحضرية.
2- إن قيام المجتمعات يتطلب بالضرورة مسألة التنظيم وضبط العلاقات فيقول ابن خلدون “فلا بد من وازع يدفع بعضهم عن بعض لما في طباعهم الحيوانية من العدوان والظلم”.
بالتالي يقوم ابن خلدون بالربط في تفسيره لقيام المجتمع المنظم وذلك بالضرورة من أجل تلبية الاحتياجات الإنسانية، وبهذا يصبح لطرق التي يستخدمها الإنسان من أجل تلبية الحاجات أهمية في التحول والتبدل من مجتمع إلى آخر، من خلال تقرير الحال الذي هو عليه المجتمع وبذلك جعل ابن خلدون من نحل العيش المصدر الأساسي لعمليات التغير الاجتماعي.
حيث قام ابن خلدون باختيار المجتمع الإنساني من أجل تفسير عملية التغير الاجتماعي وذلك في بعدها التاريخي، وقام ابن خلدون بالتمهيد لعملية التاريخ الاجتماعي وذلك بما سبقها من تغيرات اجتماعية كبرى وتغيرات كونية تشمل على كل ما هو موجود.
نظر ابن خلدون لتكوين الكون بشكل عام من بداية تكوين المعادن إلى النباتات ثم الحيوان على شكل بديع من التدرج حيث أن آخر افق المعادن تصل إلى أول أفق النباتات وآخر أفق النباتات تصل إلى أول أفق الحيوان، توسع عالم الحيوان وتعددت أشكال وأنواع الحيوانات وانتهى بوصول المجتمع إلى الإنسان صاحب الفكر والروية.
المنظور الأساسي هو المنظور التطوري الذي أدى التدرج في هذا النظام إلى وجود الإنسان وتناول ابن خلدون المجتمع وتغيره يمثل المنظور التطوري.
نظرة ابن خلدون لتغير المجتمع:
تناول ابن خلدون التغير في الحياة الاجتماعية حيث يرى أن حياة وأحوال الناس والعالم والعوائد الاجتماعية ونحلهم لا تدوم على خط ووتيرة واحدة ولا يعد المجتمع مستقر، وإنما هو اختلاف على الأوقات والانتقال من وضع إلى آخر وكما يوجد الأشخاص والأوقات في نفس الوقت يوجد الآفاق والأقطار والأزمنة والدول والمجتمعات.
ينتقل ابن خلدون من الفكرة العامة إلى التغير الاجتماعي في المجتمع الإنساني ويختار نحل وسبل العيش وتبدلها كسبب من أسباب وظروف التغير الاجتماعي، ويفترض وجود أسلوبين ونمطين للعيش في المجتمع هما المجتمع البدوي ثم المجتمع الحضري.
حيث يقوم المجتمع البدوي على الرعي ثم الفلاحة في حين يتميز المجتمع الحضري بالصناعة والتجارة، كما أن النمط البدوي يمثل الشكل النموذجي لبداية المجتمع في حين أن المجتمع الحضري هو الشكل النهائي للمجتمع ويتضمن التصنيف الثنائي التي يتدرج فيها عملية التغير الاجتماعي.
ينتهي المجتمع البدوي إلى المجتمع الحضري ويعد قيام المجتمع الحضري ضروري من أجل قيام الدولة، كما ان الدولة تمر بعملية تغير اجتماعي محدودة في المراحل التي تمر بها، ويساهم في عملية التغير الاجتماعي اختلاط الشعوب والأفراد والثقافات.
ما يظهر بين الأفراد والأجيال من اختلافات فكل جيل يقلد الجيل الذي قبله ولكن الجيل الجديد يقوم بعملية التجديد وإضافة مجموعة من التغيرات الجديدة وتختلف وتيرة التغيرات من تغير بطيء لا يكاد يحس إلى تغير سريع وملحوظ ومن الممكن ان يكون التغير الاجتماعي بشكل جزئي أو شامل.
يقوم ابن خلدون بالربط بين التغيرات الاجتماعية وطبيعة الروابط الاجتماعية التي تمثل في ما اسماه ابن خلدون بالعصبية، التي تقوم على تمثيل التجمعات وروابط قيام الدولة وتتغير العصبية في النوع والقوة وتتبدل النمط الاجتماعي.
كما أن الحياة الحضرية تسير نحو النمو والإزدهار إلى أن تصل إلى مرحلة الترف والرفاهية الاجتماعية التي تؤدي إلى الانخراط في الشهوات والاسترسال فيها وذلك بسبب زيادة الرفاهية والترف فتزداد التفنن في الشهوات من ناحية الطعام واللباس وجميع أنواع الشهوات.
في النهاية تؤدي إلى فقدان العصبية التي تنتهي على يد جماعة جديدة ذات عصبية وبالتالي فإن الدور تبدأ من جديد، ولكن الجماعة العصبية لا تبدأ من الصفر وأنما تستفيد من خبرات الجماعة السابقة وما توصلت إليه الجماعة المغلوبة فالغالب يقلد المغلوب.
بالتالي فإن الدور التاريخية الاجتماعية الإنسانية لعملية التغير الاجتماعي تمثل بداية ونهاية الدولة الواحدة ولكن في نفس الوقت فإن هذه الدورة تمثل نوع من أنواع التراكم الثقافي الإنساني.