نسق التواء الشرعية في الفعل الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


نسق التواء الشرعية في الفعل الاجتماعي:

يصدر هذا النسق عن تفاعلات النسق السياسي والنسق الائتماني، فالتماثل مع المعايير العامة، والالتزامات القيمية، والانتماء والاستجابة جميعها، لا تعبر عن شرعية سوية، حيث لا تكون قائمة على مرتكزات فعلية، للتبادل بين النسق السياسي والمجتمع.
تمثل الشرعية عملية تبادلية، حيث يضفي أعضاء المجتمع شرعية على النسق السياسي مقابل الخدمات التي يقدمها، ولذلك تظهر قوة المجتمع، من الجانب الافتراضي عندما يكون بإمكانه سحب الشرعية، لكن عندما يتم انتزاع الشرعية والالتزام القيمي من خلال الترهيب من جانب، وإثبات الرموز الثقافية المشوهة من جانب آخر، دون تقديم خدمات أو مع تدني مستويات الإشباع، فإن ذلك دليل على التواء الشرعية الحالية وزيفها.

تكوّن عملية تشويه الرموز الثقافية، وأنماط الفكر ركيزة رئيسية في هذا النسق، وهنا تلعب المؤسسة الدينية دوراً هاماً في أدلجة وتشويه النسق الثقافي، وإظهار محاسن النسق السياسي، وإخفاء تعثره أو تبريره، وإقناع أعضاء المجتمع بأهمية تعميق الانتماء، وتقديم القبول وذلك بإظهار مرتكزات للشرعية القائمة على الحقائق المبتورة والاعتبارات الزائفة.
وهكذا يحلّ التمويه الأيديولوجي، مَحل الحقيقة الواقعة، ويتغير إلى الوقع نفسه، وبهذا المعنى فإن النسق السياسي يظهر واجبات أخلاقية زائفة عن المصالح الجمعية للمجتمع.
إن عملية الأدلجة والتمويه تتكوّن في عمق تاريخي لتفاعل النسق السياسي مع المجتمع ويتلقاها الأفراد من خلال تنشئة اجتماعية صارمة عبر المؤسسات الاجتماعية المتنوعة التي ينمون فيها.
إن هذه الأدلجة التاريخية، تكرس قناعات زائفة ركيزتها إدراك الخوف وأدواته فيظهر الفعل بشكل تماثل معياري انسيابي، ولذلك فقد نعرف الدولة بأنها مجمل مركب النشاطات العملية والنظرية التي من خلالها تقوم الطبقة الحاكمة، ليس بتبرير وتثبيت سيطرتها فحسب بل والنجاح في نيل موافقة الذين تحكمهم.
من هذه الرؤية، فإن دراسة الدولة تتم عبر رفع القناع الأيديولوجي عن سلطتها، بحيث تتضح هذه السلطة، كسلطة طبقية تحقق لذاتها بنية متصلة بالمصالح الاقتصادية، وهي سلطة تكمن وتمارس من خلال أجهزة وكادر وقوانين تكوّن في مجموعها مركباً كاملاً للهيمنة واﻹخضاع والسيطرة وتبدو الدولة هنا، كبنية مخفية تتمركز في تجميع السلطة السياسية المؤسسية.
وإن مؤسسات التنشئة الاجتماعية تؤدي وظيفة التساند التنشئي المؤدلج، بما في ذلك الأسرة، التي تأخذ شكل مصغر عن هرمية المجتمع، وتعمل على غرس الثقافة المؤدلجة في تكوين الشخصية، وتعاضدها المؤسسات التربوية والتعليمية التي تقوم على ترسيخ ثقافة ملتزمة تحفظ شرعية القوى القائمة.

المصدر: الإشكاليات التاريخية في علم الاجتماع السياسي، عبد القادر جغلول، 1982.النظرة الارتقائية، محمد الطالبي، 1979.التفكير الاجتماعي نشأته وتطوره، زيدان عبد الباقي، 1972.السببية والحتمية عند ابن خلدون، مها المقدم، 1990.


شارك المقالة: