نسق الشخصية في الفعل الاجتماعي:
يستمد النسق الثقافي معناه وحقيقته عندما يستدمج في وعي الأفراد، وينطلق علمياً في ممارساتهم، وكذلك الأمر بالنسبة لتوقعات الدور في النسق الاجتماعي، حيث تحظى بالشرعية والاستمرار عندما يستجيب الأفراد لتعليماتها، ومن هنا، فإن كافة تشوهات النسق الثقافي التي صنعتها القوة، وكافة ضروب الأدلجة والتمويه، سوف تنعكس في نسق الشخصية الذي يمثل وعاء يفهم محتوى النسق الثقافي، ويتلاءم مع متطلبات التفاضل في النسق الاجتماعي.
ولذلك فإن نسق الشخصية يمثل الأداة الفعلية لفاعلية القوة والسيطرة وعلى الوضع الحالي، فصناعة الوعي وصياغته طبقاً لمتطلبات القوة، تتم من خلال صناعة وصياغة المكون التوجيهي لمنطلقات الحاجة، والتي تمثل مرتكزاً رئيسياً في نسق الشخصية.
لذلك، إذا تمكنت القوة من دمج تشوهات النسق الثقافي في منطلقات الحاجة، فإنها لا تضمن لذاتها القبول والاستمرار فقط، ولكنها تعفي ذاتها من وجود الحذر والاحتياط والتخوف، حيث أن استجابة الشخصية للتشوهات الثقافية لا تتوقف عند حد الخضوع، بل تتعدى ذلك إلى إصدار تبرير سلبي للوضع القائم.
بناء على ما تقدم، يتأسس بناء الشخصية على نمطية منطلقات الحاجة، المصاغة في أطر معينة، تجمع بين الإشباعات المتدينة، وترتيبات ثقافية تكييفية، تنمي التوافق مع مستويات الإشباع وتحقق الرضا، كما تقدم للشخصية الأساس المعياري الذي يجمد الأهداف ويقوبها ويحوجه الفعل نحو شرعية تدني مستوى الإشباع.
يتصل نسق الشخصية، بهوية اجتماعية تبريرية، تكرس التمايز عن طريق نظر الأفراد الخاضعين إلى شرعية وضعهم الاجتماعي مقابل وضع الآخرين أصحاب القوة، وظهر الهوية التريرية على هذا النحو، له ركنين أساسيين في تكريس التوازن التفاضلي، وهما:
أولاً: اغتراب الحافزية، أي الميل للتناسب مع ترتيبات الإشباع في حدود التدني، مع افتقاد المقدرة على تجاوز هذه الحالة، وضبابية الوعي حولها،ولذلك يمكن اعتبار الحافزية المغتربة شكلاً من أشكال التطابق مع أهداف القوة.
ثانياً: تدني مفهوم الذات، حيث أن تعريف الأفراد لذواتهم وإمكاناتهم وحاجاتهم يكون مطابقاً لوضهم المتدني، وبذات الوقت يحملون تصورات مغايرة ترفع من شأن أصحاب القوة وإمكاناتهم وحاجاتهم، وتتعزز هذه الحالة بإظهار تضخم مقصود الذات لدى أصحاب القوة، مما يحافظ على طول المسافة القائمة بين الطرفين، حتى على مستوى التصورات والمدركات.
