نظريات الاندفاع والسلوك الإجرامي

اقرأ في هذا المقال


الاندفاع هو البعد الشخصي الأكثر أهمية الذي يتنبأ بالإساءة، ولسوء الحظ هناك عدد محير من التركيبات التي تشير إلى ضعف القدرة على التحكم في السلوك، وتشمل هذه الاندفاع وفرط النشاط والأرق والخرق وعدم التفكير في العواقب قبل التصرف، وضعف القدرة على التخطيط للمستقبل والآفاق الزمنية القصيرة وانخفاض ضبط النفس والبحث عن الإحساس والمخاطرة وضعف القدرة على تأخير الإشباع.

الاندفاع وضبط النفس

تقليديًا يفترض البحث الجنائي حول الاندفاع والجريمة أنّ الاندفاع هو بناء موحد يرتبط بشكل إيجابي بالسلوك المنحرف، ومع ذلك تشير الأبحاث النفسية حول الاندفاع إلى أنّ البناء قد يكون له أشكال متعددة، والتي تختلف في علاقتها بالسلوك المعادي للمجتمع، وأحد الاحتمالات التي فحصتها القليل من الدراسات هو ما إذا كانت بعض أشكال الاندفاع غير مرتبطة أو مرتبطة بالسلوك المعادي للمجتمع.

كما تستخدم هذه الدراسة مقاييس الاندفاع الوظيفية والمختلة وظيفيًا لديكمان في عام 1990، وتجد أنّ الاندفاع المختل وظيفيًا هو أفضل تنبؤ للجريمة من الاندفاع الوظيفي، ولكنه لا يختلف في استخدام المواد أو الانحراف المدرسي، وتسلط هذه النتائج الضوء على الطرق التي يمكن من خلالها تحسين إجراءات الاندفاع في المستقبل.

تقترح النظرية العامة للجريمة أنّ الجريمة يمكن تفسيرها من خلال مزيج من الفرصة الظرفية وعدم ضبط النفس، والاندفاع هو أحد المكونات الهامة لضبط النفس، ونظرًا لأنّ المقاييس السلوكية للاندفاع أصبحت أكثر شيوعًا لتقييم مجموعات الطب الشرعي توفر هذه المخطوطة نظرة عامة على ثلاثة مقاييس سلوكية حالية، فعند القيام بذلك يتم تقديم مثال على طلبهم باستخدام مجموعة من الأفراد الذين من المحتمل أن يتعاملوا مع النظام القانوني: المراهقون المصابون باضطراب السلوك.

فتبين أنّ السن المبكر لظهور أعراض اضطراب السلوك هو مؤشر مهم لاستمرار النتائج السيئة في مرحلة البلوغ بما في ذلك المشاركة في الأنشطة الإجرامية، ووجدت هذه الدراسة ملامح سلوكية تفاضلية عبر مقاييس متميزة للاندفاع من قبل أولئك الذين يعانون من اضطراب السلوك في مرحلة الطفولة مقابل المراهقين، وتمت مناقشة الآثار القانونية لتحديد أوجه القصور السلوكية باستخدام المقاييس السلوكية للاندفاع وقيودها الحالية.

الأشخاص الأكثر ميلا للسلوك الإجرامي

في الدراسة المطولة لأكثر من أربعمائة من الذكور في لندن تميل ثلاث مجموعات من الأولاد إلى أن يصبحوا مجرمين في وقت لاحق في الحياة وهم:

1- الأولاد الذين رشحهم المعلمون على أنّهم يفتقرون إلى التركيز أو يظهرون القلق.

2- الأولاد الذين رشحهم الآباء أو الأقران أو المعلمون هم الأكثر جرأة أو المخاطرة.

3- أولاد كانوا الأكثر اندفاعاً في الاختبارات النفسية الحركية في سن الثامنة إلى العاشرة.

لاحقًا كانت إجراءات الإبلاغ الذاتي للاندفاع مرتبطة أيضًا بالإساءة، والجرأة وضعف التركيز والقلق تنبأت جميعها بكل من الإدانات الرسمية والجنوح المبلغ عنه ذاتيًا، وكانت الجرأة على الدوام واحدة من أفضل المتنبئين المستقلين.

مقاييس الاندفاع

تم إجراء أكثر الأبحاث شمولاً حول مقاييس الاندفاع المختلفة في دراسة طولية أخرى للذكور (دراسة الشباب في بيتسبرغ) بواسطة جينيفر وايت (Jennifer White) وزملائها، وكانت التدابير الأكثر ارتباطًا بالجنوح المبلغ عنه ذاتيًا في سن العاشرة والثالثة عشر هي الاندفاع الذي يصنفه المعلم على سبيل المثال الأفعال دون تفكير، والاندفاع المبلغ عنه ذاتيًا وعدم التحكم الذاتي المبلغ عنه -على سبيل المثال غير قادر على التأخير الإشباع -، والأرق الحركي وذلك من الملاحظات المسجلة بالفيديو والاندفاع النفسي الحركي.

بشكل عام أنتجت اختبارات تقييم السلوك اللفظي علاقات أقوى مع المخالفين من اختبارات الأداء النفسي، مما يشير إلى أنّ الاندفاع المعرفي (القائم على عمليات التفكير) كان أكثر صلة من الاندفاع السلوكي (بناءً على أداء الاختبار)، وكان إدراك الوقت المستقبلي وتأخير اختبارات الإشباع أقل ارتباطًا بالتأخر المبلغ عنه ذاتيًا.

نظريات علاقة الاندفاع بالإساءة

تم طرح العديد من النظريات لشرح الصلة بين الاندفاع والإساءة، فتشير إحدى النظريات الأكثر شيوعًا إلى أنّ الاندفاع يعكس أوجه القصور في الوظائف التنفيذية للدماغ الموجود في الفص الجبهي، ويميل الأشخاص الذين يعانون من هذا القصور النفسي العصبي إلى ارتكاب جرائم؛ لأنّ لديهم سيطرة ضعيفة على سلوكهم، وضعف القدرة على النظر في العواقب المحتملة لأفعالهم والميل إلى التركيز على الإشباع الفوري، وقد يكون هناك أيضًا ارتباط غير مباشر بين أوجه القصور النفسي العصبي والمخالف الذي يتوسطه فرط النشاط وعدم الانتباه في المدرسة والفشل المدرسي الناتج، وتشير نظرية ذات صلة إلى أنّ الاستثارة القشرية المنخفضة تنتج سلوكًا اندفاعيًا يبحث عن الإحساس.

اقترح جيمس كوين ويلسون (James Quinn Wilson) وريتشارد هيرنشتاين (Richard Herrnstein) في عام 1985 أيضًا نظرية إجرامية مهمة تركز على الاندفاع والإهانة، والتي تضمنت مقترحات من عدة نظريات نفسية أخرى، واقترحت نظريتهم أنّ الناس يختلفون في ميولهم الإجرامية الأساسية، وأنّ اختيار الشخص لارتكاب جريمة في أي موقف يعتمد على ما إذا كانت الفوائد المتوقعة للجريمة تفوق التكاليف المتوقعة، ومن ثم هناك تركيز على العمليات المعرفية (التفكير واتخاذ القرار).

تميل فوائد المخالفة بما في ذلك المكاسب المادية وموافقة الأقران والإشباع الجنسي إلى أن تكون معاصرة للجريمة، وعلى النقيض من ذلك فإنّ العديد من تكاليف المخالفة مثل خطر التعرض للقبض والعقاب واحتمال فقدان السمعة أو الوظيفة غير مؤكدة وتأخر طويلاً، والتكاليف الأخرى مثل آلام الضمير (أو الشعور بالذنب) ورفض المتفرجين وانتقام الضحية تكون أكثر إلحاحًا، وكما هو الحال مع العديد من النظريات النفسية الأخرى أكد ويلسون وهيرنشتاين في عام 1985 على أهمية الضمير كمثبط داخلي للإساءة، مما يشير إلى أنّه تم إنشاؤه في عملية التعلم الاجتماعي وفقًا لما إذا كان الآباء قد عززوا تجاوزات الطفولة أو عاقبوها.

يتمثل عامل الاختلاف الفردي الرئيسي في نظرية ويلسون-هيرنشتاين في مدى تأثر سلوك الناس بالنتائج الفورية بدلاً من العواقب المتأخرة، واقترحوا أنّ الأفراد يتنوعون في قدرتهم على التفكير أو التخطيط للمستقبل وأنّ هذا العامل مرتبط بالذكاء، وكان المحدد الرئيسي للإساءة هو اندفاع الشخص، وكان الأشخاص الأكثر اندفاعًا أقل تأثراً باحتمالية حدوث عواقب مستقبلية وبالتالي كانوا أكثر عرضة لارتكاب الجرائم.

في كثير من النواحي تشبه نظرية جوتفريدسون (Gottfredson) وهيرشي (Hirschi) في عام 1990 نظرية ويلسون-هيرنشتاين ونموذجية للتفسيرات النفسية للجريمة، لأنّها تؤكد على العوامل الفردية والعائلية بالإضافة إلى استمرارية واستقرار الميول الإجرامية الأساسية، وعلى الرغم من تدريبهم الاجتماعي انتقد جوتفريدسون وهيرشي منظري علم الجريمة لتجاهلهم حقيقة أنّ الناس اختلفوا في النزعات الإجرامية الأساسية وأنّ هذه الاختلافات ظهرت في وقت مبكر من الحياة وظلت مستقرة على مدار معظم مراحل الحياة.

كما أطلقوا على عامل الاختلاف الفردي الرئيسي في نظريتهم ضعف ضبط النفس، والذي يشير إلى مدى تعرض الأفراد لإغراءات اللحظة، وكان الأشخاص الذين يعانون من ضعف ضبط النفس مندفعين ويتحملون المخاطر ولديهم مهارات معرفية وأكاديمية منخفضة، وكانوا متمركزين حول الذات وكان لديهم تعاطف منخفض ويعيشون للحاضر وليس المستقبل، ومن ثم وجد هؤلاء الأشخاص صعوبة في تأجيل الإشباع ولم تتأثر قراراتهم بالإساءة بشكل كافٍ بالعواقب المؤلمة المحتملة للإجرام في المستقبل.

جادل جوتفريدسون وهيرشي أيضًا بأنّ الفروق بين الأفراد في ضبط النفس كانت موجودة في وقت مبكر من الحياة (من سن ستة إلى ثمانية أعوام)، وكانت مستقرة بشكل ملحوظ بمرور الوقت وكانت ناجمة بشكل أساسي عن الاختلافات في ممارسات تربية الأطفال الأبوية.


شارك المقالة: