نظريات حول علاقة الهجرة بالجريمة

اقرأ في هذا المقال


تم استخدام العديد من النظريات لشرح العلاقة بين الهجرة والجريمة وكذلك أنماط السلوك الإجرامي في مجموعات وأجيال المهاجرين المختلفة، وتركز هذه النظريات على عوامل مختلفة تعتبر مهمة في تشكيل السلوك الفردي وتجارب إعادة التوطين للهجرة.

علاقة الهجرة بالجريمة ونظرية الاختيار الذاتي

أدت المستويات المنخفضة من الإجرام بين المهاجرين الأوائل إلى افتراض أنّ هؤلاء المهاجرين كانوا أفرادًا اقتصاديين تم اختيارهم بأنفسهم ولديهم ميل إجرامي منخفض، ويُعرف هذا بنظرية الاختيار الذاتي، ويجادل المدافعون عن نظرية الاختيار الذاتي بأنّه لأنّ هؤلاء المهاجرين تركوا وطنهم وأتوا إلى الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة بحثًا عن فرص اقتصادية فإنّ معظمهم كانوا يعملون بجد، ونظرًا لاهتمامهم بالتقدم على المدى الطويل فقد تصرفوا وتجنبوا الوقوع في مشاكل مع القانون.

في الآونة الأخيرة استخدم بيل وبوتشر نموذج نتائج سوق العمل لشرح المستويات المنخفضة من الإجرام بين المهاجرين الذين قدموا إلى الولايات المتحدة بعد عام 1965 ولدعم فرضية الاختيار الذاتي، ووفقًا لبيل وبوتشر يمكن نقل بعض المهارات المهنية عبر البلدان ولكنها تُترجم إلى أرباح مختلفة عبر الأماكن، وبالتالي يمكن ترجمة المهارات ذات الدخل المنخفض في بلد ما إلى مستوى مختلف تمامًا من الكسب في البلدان الأخرى، وعندما يكون ذلك ممكنًا سيختار المهاجرون الانتقال إلى بلد تكون فيه أرباحهم أعلى ويمكن أن تكون النتائج الاقتصادية بمثابة حماية ضد الأنشطة الإجرامية.

علاقة الهجرة بالجريمة ونظريات البنية الاجتماعية

تركز نظريات البنية الاجتماعية على الهياكل الاجتماعية والاقتصادية التي تشكل الفرص الاقتصادية، والتي بدورها تؤثر على النزعة الإجرامية، ووفقًا لنظرية الإجهاد التي طورها ميرتون يعتمد النجاح المادي على التعليم وفرص العمل وهي ليست متاحة للجميع على قدم المساواة، وعندما لا تتوفر الفرص المشروعة يمكن أن تكون الجريمة بديلاً مبتكرًا لتحقيق الأهداف المادية، ونظرًا لأنّ العديد من المهاجرين الجدد غير مهرة وذوي تعليم ضعيف ولأنّ الفرص الاقتصادية لا تتغلغل في الأحياء الحضرية، حيث يعاد توطين العديد من المهاجرين الجدد فمن المرجح أن تكون الجريمة خيارًا.

تؤكد نظرية الفوضى الاجتماعية التي طورها شو ومكاي على الظروف الاجتماعية المعاكسة في الأحياء الحضرية التي تسهل انهيار مؤسسات المجتمع وآليات الرقابة الاجتماعية، ووفقًا لهذه النظرية فإنّ الفقر والمستويات العالية من معدل دوران السكان وعدم التجانس الثقافي ووجود عدد كبير من المجرمين البالغين يضعف الرقابة الاجتماعية ويحفز الانحراف، والهجرة تزيد الجريمة لأنّها تسبب التغيير الاجتماعي وتخلق الفوضى الاجتماعية التي تجعل السيطرة الاجتماعية أقل فعالية.

علاقة الهجرة بالجريمة ونظريات ثقافية

تقترح نظرية ثقافة العنف الفرعية التي طورها ولفغانغ وفيراكوتي أنّه عندما يتكيف الفقراء مع ظروفهم الهيكلية، يمكن أن يصبح العنف وسيلة طبيعية ومتوقعة لحل النزاعات في المجتمعات المحرومة وغير المنظمة، ولأنّ المهاجرين الجدد هم أكثر عرضة من الأفراد الأصليين للعيش في هذه المناطق فمن المفترض أنّهم أكثر عرضة للانخراط في جرائم عنيفة.

من ناحية أخرى تؤكد نظرية الصراع الثقافي على الاختلاف بين قوانين الدول المضيفة والتقاليد الثقافية التي جلبها المهاجرون من بلدانهم الأصلية، ووفقًا لسيلين يعكس القانون الجنائي قيم ومصالح الجماعات المهيمنة، وقد يكون نظام القيم والمعايير بين المهاجرين مختلفًا تمامًا، وعندما تتعارض القوانين الثقافية للمهاجرين مع تلك الخاصة بالمجتمع المضيف فسيتم تصنيف سلوك المهاجرين على أنّه منحرف أو إجرامي، وبالتالي فإنّ صراع الثقافات هو سبب للجريمة بين المهاجرين.

علاقة الهجرة بالجريمة والتثاقف

التثاقف أو الاستيعاب الثقافي يشير إلى التغييرات في المواقف أو السلوكيات نتيجة للتواصل مع الثقافات الأخرى، ويحدث التغيير الثقافي بين المهاجرين وأطفالهم على عدد من الأبعاد بما في ذلك اللغة والمعتقدات الثقافية والقيم والسلوكيات وولاء الفرد والشعور بالانتماء إلى الثقافة المضيفة وثقافة الفرد الأصلية، ويفترض نموذج الاستيعاب الكلاسيكي الذي اقترحه جوردون أنّ التثاقف والقبول من قبل المجتمع المضيف هما شرطان أساسيان للحراك الاجتماعي والاقتصادي.

يمكن لاكتساب إتقان لغة الدولة المضيفة ومستويات أعلى من التعليم ومهارات وظيفية جديدة قيمة تسهيل عملية التكيف وتحسين فرصة المهاجرين للنجاح في الاقتصاد للدول المضيفة، ويعتبر الافتقار إلى التثاقف عاملاً يساهم في الجريمة والانحراف بين المهاجرين الذين يفتقرون إلى المعرفة بالمعايير القانونية الجديدة وبالتالي القدرة على التكيف مع الاقتصاد الجديد.

تحدت نتائج الأبحاث حول المستويات المنخفضة للجريمة والانحراف بين المولودين في الخارج النموذج الكلاسيكي للاستيعاب وتشير إلى أنّ التثاقف له أيضًا عواقب سلبية، وتشير الأدبيات الحديثة إلى أنّه كلما طالت مدة بقاء المهاجرين وأطفالهم في الدول المضيفة، وزاد تعرضهم للقوى الاقتصادية والاجتماعية مثل المعدلات العالية لتفكك الأسرة وتعاطي المخدرات والتي وُجد أنّها مرتبطة بالسلوك الإجرامي بين السكان الأصليين.

بالإضافة إلى ذلك مع زيادة الوقت والتواصل الاجتماعي في المؤسسات للدول المضيفة والأحياء وثقافة الشباب، يتبنى أطفال المهاجرين بشكل متزايد المعايير السلوكية للمجتمع المضيف بما في ذلك السلوكيات الصحية والمحفوفة بالمخاطر، ومن المرجح أن يتحدى المراهقون المثقفون التفويض الثقافي فيما يتعلق بالرقابة الأبوية والسلطة عندما يواجهون مجموعات متضاربة من التوقعات من آبائهم المولودين في الخارج والأشخاص من المجتمع الأكبر الذين يكونون على اتصال مباشر بهم، وبالتالي فإنّ التثاقف يمكن أن يسهل الانحراف عن طريق إضعاف العلاقات بين الوالدين والطفل وتقليل سلطة الوالدين.

علاقة الهجرة بالجريمة ومنظور الاستيعاب المقسم

تم تطوير منظور الاستيعاب المجزأ أو المقسم مع التركيز على الاقتصاد الأمريكي المتغير وسوق العمل وكيف يؤثران على تجربة المهاجرين الجدد الذين قدموا في الغالب من آسيا وأمريكا اللاتينية، ووفقًا لبورتس وتشو يواجه المهاجرون الجدد وأطفالهم عمليات تكيف مختلفة بناءً على خصائص سكان الدول المضيفة الذين تم دمجهم فيها، وبالتالي قد يرتبط التعرض الأكبر لثقافة الدول المضيفة بنتائج التكيف المختلطة، واعتمادًا على نوع رأس المال البشري (التعليم والمهارات) ورأس المال الاجتماعي (الموارد الاجتماعية والفرص الداعمة) التي تمتلكها مجموعات المهاجرين المختلفة، سيؤدي أحد المسارات إلى استيعاب المهاجرين وأطفالهم في أغلبية الطبقة الوسطى.

إنّ نوعًا معاكسًا من التكيف الناجم عن الفقر والفصل العنصري سيؤدي إلى التنقل الهبوطي واستيعاب المهاجرين وأطفالهم في الطبقة الدنيا في المدينة الداخلية، وإنّ التعرض لأنواع مختلفة من المشاكل الاجتماعية الشائعة في أحياء الطبقة الدنيا والتواصل معها سيسهل الجريمة والانحراف بين أطفال المهاجرين، وسيؤدي الالتزام بالقيم التقليدية والاحتفاظ بالهوية العرقية إلى المسار الثالث للتكيف مع التقدم الاقتصادي السريع والحفاظ على القيم والتضامن بين المهاجرين.

يمكن لمجتمعات الأشخاص ذوي الإثنية المشتركة أن تزود المهاجرين الجدد بأنواع رأس المال الاجتماعي التي يمكن أن تحميهم من السلوك الإجرامي، وذلك من خلال زيادة الفرص الاقتصادية وفرض القواعد ضد الطلاق والاضطراب الأسري وتعزيز سلطة الوالدين على الأطفال.


شارك المقالة: