علم الجريمة ونظريات الإيذاء عبر الأجيال

اقرأ في هذا المقال


بالنسبة إلى مجال علم الإجرام الذي نشأ في منتصف القرن الثامن عشر، فإنّ علم الضحايا والإيذاء هو مجال جديد له جذور في أواخر الأربعينيات، ومنذ ذلك الوقت طورت عدة أجيال من العلماء بداياتها النظرية وعززت عودة ظهور الاهتمام بالضحية من خلال مجموعة واسعة من الأسئلة والأساليب البحثية.

نظريات الإيذاء في الجيل الأول

تصنيف الضحايا لدى علماء الضحايا الأوائل

اقترح العمل الأكاديمي من الجيل الأول في علم الضحايا أنماط الضحايا المقترحة بناءً على الضحية-الجاني في فعل إجرامي، وكانت أفكار علماء الضحايا الأوائل هؤلاء هي أنّ كل منهم يصنف الضحايا فيما يتعلق بالدرجة التي تسببوا فيها في إيذائهم، ودفعت هذه التأملات النظرية المبكرة المجال الناشئ لعلم الضحايا في اتجاه أدى في النهاية إلى إعادة صياغة تعريف الإيذاء.

تصنيف الضحايا بناءً على التسبب في الجريمة

طور عالم الجريمة الألماني هانزفون هينتيغ تصنيفًا للضحايا بناءً على درجة مساهمة الضحايا في التسبب في الفعل الإجرامي، وبفحص الديناميكيات النفسية والاجتماعية والبيولوجية للموقف صنف الضحايا إلى 13 فئة اعتمادًا على ميلهم أو خطر التعرض للإيذاء، وشمل تصنيفاته الشباب والإناث والمسنين والمهاجرين والمكتئبين والمتوحشين والمعذبين والمحظورين والمعفيين أو القتال، وأدى تصوره بأنّ الضحايا ساهموا في إيذائهم من خلال أفعالهم وسلوكياتهم إلى تطوير مفهوم لوم الضحية وينظر إليه العديد من المدافعين عن الضحايا على أنّه محاولة لإسناد المسؤولية المتساوية للضحية.

تصنيف الضحايا بناءً على الاعتبارات القانونية

كان المحامي بنيامين مندلسون أب علم الضحايا -كما كان يطلق عليه- مفتونًا بالديناميكيات التي تحدث بين الضحايا والجناة، فأجرى استطلاعًا لكلا الطرفين أثناء تحضير القضية للمحاكمة، وباستخدام هذه البيانات طور تصنيفًا من ست فئات للضحايا بناءً على الاعتبارات القانونية لدرجة مسؤولية الضحية، وتراوح هذا التصنيف من الضحية البريئة تمامًا (على سبيل المثال طفل أو شخص فاقد للوعي تمامًا) إلى الضحية الخيالية (على سبيل المثال الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية والذين يعتقدون أنّهم ضحايا).

تصنيف الضحايا بناءً على مسؤوليتهم عن الإيذاء

قدم مارفن يوجين وولفجانج أول دليل تجريبي لدعم فكرة أنّ الضحايا مسؤولون إلى حد ما عن إيذائهم، حيث قام بتحليل سجلات جرائم القتل في شرطة فيلادلفيا من عام 1948 حتى عام 1952، وذكر أنّ 26٪ من جرائم القتل نتجت عن تهور للضحية، وحدد ولفجانج ثلاثة عوامل مشتركة في جرائم القتل التي تتم بترتيب الضحية:

1- كان بين الضحية والجاني علاقة شخصية سابقة.

2- كانت هناك سلسلة من الخلافات المتصاعدة بين الطرفين.

3- تناول الضحية الكحول.

تصنيف الضحايا بناءً على مسؤوليتهم الوظيفية

الانتقال من تصنيف الضحايا على أساس الميل أو المخاطرة ومع ذلك لا يزال التركيز على العلاقة بين الضحية والجاني، حيث يصنف تصنيف ستيفن شيفر الضحايا على أساس مسؤوليتهم الوظيفية، وكان الدور المزدوج للضحايا هو العمل حتى لا يستفزوا الآخرين لإيذائهم مع منع مثل هذه الأعمال، وتراوحت تصنيف المسؤولية الوظيفية ذات الفئات السبع لشيفر من عدم مسؤولية الضحية (على سبيل المثال الضحايا غير المرتبطين وأولئك الذين يعانون من ضعف بيولوجي)، إلى درجة معينة من مسؤولية الضحية (على سبيل المثال الضحايا المتسرعين)، إلى المسؤولية الكاملة للضحية (على سبيل المثال الإيذاء الذاتي).

نظريات الإيذاء في الجيل الثاني

حوّل الجيل الثاني من المنظرين الانتباه من دور الضحية إلى التركيز على نهج الموقف الذي يركز على شرح واختبار كيف تخلق أنماط الحياة والأنشطة الروتينية للحياة اليومية فرصًا للإيذاء، ويعد ظهور هذين المنظورين النظريين أحد أهم التطورات في مجال علم الضحايا.

الجريمة ونظرية التعرض لنمط الحياة

باستخدام بيانات المسح الوطني لضحايا الجريمة (NCS-National Crime Victimization Survey) لاحظ جوتفريدسون وجاروفالو وهندلانغ أنّ مجموعات معينة من الناس، وبالتحديد الشباب والذكور كانوا أكثر عرضة للتعرض للإيذاء الجنائي، ولقد افترضوا أنّ التركيبة السكانية للفرد (على سبيل المثال العمر والجنس) تميل إلى التأثير على نمط حياة الفرد، مما يؤدي بدوره إلى زيادة تعرضه أو تعرضها لخطر الإيذاء الشخصي والممتلكات.

على سبيل المثال وفقًا لهندلانغ وآخرون يحمل جنس المرء معه توقعات دور معينة وقيودًا مجتمعية، وكيف يتفاعل الفرد مع هذه التأثيرات هو الذي يحدد أسلوب حياته، وإذا قضت الإناث وقتًا أطول في المنزل فإنّهن سيتعرضن لحالات أقل خطورة تشمل الغرباء وبالتالي يواجهن عددًا أقل من الإيذاء الذي يرتكبه الغرباء.

الجريمة ونظرية الأنشطة الروتينية

صاغ كوهين وفيلسون نظرية الأنشطة الروتينية لشرح التغييرات في معدلات الجريمة المفترسة المباشرة (مثل القتل والاغتصاب القسري والسطو) في الولايات المتحدة، وتفترض نظرية الأنشطة الروتينية أنّ التقارب في الوقت المناسب توفر مساحة الجاني الدافع والهدف المناسب وغياب وصي قادر فرصة لحدوث الجرائم، وإنّ عدم وجود أي من هذه الشروط كافٍ لتقليل مخاطر الفرصة الجنائية بشكل كبير إن لم يكن منعها تمامًا.

لا تحاول نظرية الأنشطة الروتينية شرح المشاركة في الجريمة ولكنها تركز بدلاً من ذلك على كيفية ارتباط فرص الجرائم بطبيعة أنماط التفاعل الاجتماعي الروتيني، بما في ذلك العمل والأسرة والأنشطة الترفيهية، ولذلك على سبيل المثال إذا كان شخص ما يقضي وقتًا في الأماكن العامة مثل الحانات أو التسكع في الشوارع، فإنّه يزيد من احتمالية الاتصال بجاني متحمس في حالة عدم وجود وصي قادر.

يعتبر توريد المجرمين المتحمسين أمرًا مفروغًا منه وما يختلف هو توفير أهداف مناسبة، على سبيل المثال خاصية خفيفة الوزن وسهلة الإخفاء مثل الهواتف المحمولة ومشغلات (DVD) أو الأفراد في حالة سكر والأوصياء القادرين (مثل الجيران والشرطة وأجهزة الإنذار ضد السرقة).

الجريمة والدعم التجريبي

استخدم الباحثون عادة التعرض لنمط الحياة ونظريات النشاط الروتيني لاختبار الفرضيات حول كيفية تعرضهم الروتين اليومي للأفراد لمخاطر الإيذاء والجريمة، وتم تطبيق هذه النظريات بشكل أساسي لفحص الفرص لأنواع مختلفة من الإيذاء الشخصي والممتلكات باستخدام عينات متنوعة تتراوح من الأطفال في سن المدرسة إلى طلاب الجامعات والبالغين في عموم السكان في جميع أنحاء الولايات المتحدة وخارجها، والبيانات تدعم النظريات بشكل عام على الرغم من أنّ الدراسات لا تدعم النظريات بشكل كامل.

نظريات الإيذاء في الجيل الثالث

الصقل والاختبارات التجريبية لنظريات الفرص للإيذاء

أدى اختبار الباحثين المستمر للتعرض لنمط الحياة ونظريات النشاط الروتيني إلى نتائج داعمة وتفكير نقدي أدى إلى تحسينها وتوسيعها، وطور ميث وماير نظرية متكاملة للإيذاء وتسمى نظرية الاختيار البنيوي والتي تحاول شرح كل من دافع الجاني وفرص الإيذاء، وكان هذا التنقيح الإضافي لنظريات الإيذاء مساهمة مهمة في أدبيات علم الضحية.

أُجريت إحدى الدراسات الأولى لنظريات الفرص للجرائم المفترسة بواسطة سامبسون ووولدردج اللذان استخدما بيانات من مسح الجريمة البريطاني (BCS) لعام 1982، وأظهرت النتائج التي توصلوا إليها أنّ الخصائص الفردية والأسرية كانت تنبئًا مهمًا بالإيذاء وكذلك الخصائص على مستوى الحي، فعلى سبيل المثال على الرغم من أنّ عمر رب الأسرة كان مؤشرًا مهمًا للسطو فإنّ النسبة المئوية للعاطلين عن العمل في المنطقة تنبأت أيضًا بالسطو.

كان نموذج الفرصة متعدد المستويات الذي استخدمه سامبسون وولدردج من بين أول من اختبر أسلوب الحياة ونظريات النشاط الروتيني، وتستمر النمذجة متعددة المستويات للتعرض لنمط الحياة ونظريات النشاط الروتيني في جذب انتباه العلماء الذين يسعون لاختبار كيفية تأطير كل من الخصائص الفردية والخصائص ذات المستوى الكلي على سبيل المثال خصائص الحي وفرص الإيذاء.

تم توسيع نظريات الإيذاء لفحص الجرائم غير الافتراسية والجرائم غير الضحية مثل المقامرة والزنا، والسلوك المنحرف مثل تعاطي الكحول بكثرة وشرب الكحول بشكل خطير عند الشباب، وتم تطبيق النظريات أيضًا على مجموعة واسعة من الجرائم في سياقات اجتماعية مختلفة مثل الإيذاء المدرسي في المدارس الثانوية المطاردة بين طلاب الجامعات وحتى تفسيرات العلاقة بين الإيذاء والجاني، ودرس باحثون آخرون كيف ترتبط فرصة الإيذاء بالسياقات الاجتماعية وأنواع مختلفة من المواقع مثل مكان العمل والأحياء  والحرم الجامعي.

نظريات الإيذاء في الجيل الرابع

الجريمة وتجاوز نظريات الفرص

يشير العمل الذي قام به شريك وزملاؤه إلى أنّ السوابق على الفرصة مثل انخفاض ضبط النفس والروابط الاجتماعية وتأثيرات الأقران قد وُجدت أيضًا لتكون منبئات مهمة لإيذاء العنف والممتلكات، فقام فريت ورايت وميلر بفحص تأثيرات العوامل الفردية (على سبيل المثال انخفاض ضبط النفس وضعف الروابط الاجتماعية للأسرة والمدرسة) وعوامل الخطر الظرفية (على سبيل المثال وجود أقران جانحين ووجود الكثير من الوقت الاجتماعي غير المنظم ) على خطر الإيذاء.

المصدر: رؤوف عبيد، أصول علمي الإجرام والعقاب (دار النهضة العربية، القاهرة 1985).إيناس محمد راضي (19-9-2015)، "الجريمة"، University of Babylon ، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.أ. د. محمد جبر الألفي (20-10-2016)، "ماهية الجريمة الجنائية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.سعد الراشد (27-1-2015)، "أسباب الجريمة وطرق مكافحتها"، الجماهير، اطّلع عليه بتاريخ 29-4-2017.


شارك المقالة: