نظريات متوسطة المدى عند روبيرت ميرتون في علم الاجتماع:
إذا كانت النظريات مفيدة، فيجب تحديد مساهمتها وحدودها، يبتعد روبيرت ميرتون عن النظريات شديدة الطموح حول الطبيعة البشرية أو المجتمع، أعتقد أن مهمتنا الكبرى حالياً تقوم على تطوير نظريات يمكن تطبيقها على كمية محدودة من المعطيات، مثل التي تخص دينامية الطبقات والضغوطات الاجتماعية الصراعية، والسلطة، والقدرة وممارسة التأثير البيِّن الشخصي، بدلاً من البحث الفوري عن إطار تصوري متكامل يسمح استخلاص كافة هذه النظريات، لم يكن روبيرت ميرتون معارضاً لمبدأ النظريات العامة، ل هو يدافع قبل كل شيء عن نظريات متوسطة المدى.
كما يتألف كتاب عناصر النظرية والمنهج السوسيولوجي من مجموعة مقالات مثيرة جداً تطرح تيمات أخرى، الصلات بين البحث والنظرية، الأنوميا، التأثير الاجتماعي، المراتب الطبقية، سوسيولوجيا المعرفة، ويحدد ميرتون مساهمات وحدود النزعة الوظيفية في السوسيولوجيا.
فقد جاء التحليل الوظيفي يقوم على أن يعيد لكل مؤسّسة دوراً اجتماعياً محدداً، وهكذا يقال بأنّ للعائلة دوراً في الإنجاب وفي التنشئة الاجتماعية، وأنّ الدولة تضطلع بوظيفة المحافظة على النظام.
يتحفظ روبيرت ميرتون تجاه الاستخدام شديد الضبابية لهذا المفهوم، وهو يشير إلى أن المؤسّسة الاجتماعية تستطيع القيام بوظائف خفية غير واعية، متمايزة عن دوافعها الصريحة، ومن أمثلة ذلك أنّ لاحتفالات المطر عند هنود هوبي دافع واعٍ لاستهطال المطر، ويقبل الإثنولوجي بوجود وظيفة أخرى خفية لهذه الاحتفالية السحرية، ألا وهي المحافظة على تماسك الزمرة مثلاً.
ومع ذلك فهو يسارع ويضيف أنّه يجب الحذر الشديد في استخدام مفهوم الوظيفة، وهكذا فإن السجن في مجتمعنا يملك عدة وظائف، معاقبة المجرم وحماية المجتمع، كما ويمكن له أيضاً أن يصبح جزيرة إجرام تعيد فيه ثقافة الإجرام إنتاج نفسها، ويركز ميرتون على هذه النقطة بمساعدة ألف مثال، ممارسة اجتماعية معينة قد تكون وظيفية من وجهة نظر معينة، ومختلة الوظيفة من وجهة أخرى، يجب تمييز الدوافع الواعية للممارسة عن عواقبها الموضوعية.
كذلك يعتبر روبيرت ميرتون هنا من أوائل من واجهوا إقراراً رئيسياً لنظرية الفعل، التمييز بين دوافع الفعل وعواقبه، هناك شكل خاص جداً للرابط بين فعل ما وآثاره، هو شكل من النبوءات ذاتية التحقيق.