نظرية التنظيم عند بارسونز في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


نظرية التنظيم عند بارسونز في علم الاجتماع:

يواجه التنظيم الكثير من المشاكل الوظيفية التي تواجهها كل الأنساق الاجتماعية، ويؤكد بارسونز أن المشكلتين الأولى والثانية تنشآن عندما تتناول الوحدة (فرداً أو جماعةً أو نسقاً) مشاكلها الخارجية أو المشكلتين الثالثة والرابعة، وأن الاهتمام بإحدى المشكلات من شأنه أن يزيد الضغط على الأخرى، فمشكلة التكامل تزداد مع الاحتياج إلى التكيف، كذلك تتزايد مشكلات دعم النمط بالاحتياج إلى تحقيق الهدف، والعكس صحيح، بمعنى أن الاهتمام بالمشكلات الوظيفية الداخلية يزيد الضغط على المشكلات الخارجية.

ولكن التنظيم يختلف عن الأنساق الاجتماعية الأخرى، من حيث اتجاهه في المرتبة الأولى نحو تحقيق هدف نوعي محدد، وهي خاصية تؤثر في البناء الداخلي للنسق، كما يؤثر في علاقاته الخارجية وهو يؤدي وظيفته الخاصة به داخل موقف أو بيئة مكونة من الأنساق الفرعية الأخرى، المتفرعة عن النسق الاجتماعي العام الذي يوجد فيه التنظيم.

كذلك فإن إنتاج أي تنظيم أو تحقيقه ﻷهدافه ينشأ عنه شيء قد يستخدمه نسق آخر، فإنتاج التنظيم هو في نفس الوقت طاقة وموارد يستخدمها نسق آخر، فالإنتاج في التنظيم الاقتصادي يتمثل في عدد من السلع والخدمات التي تستهلكها تنظيمات أخرى في عملية الإنتاج كما أن الإنتاج في الوحدات والهيئات الحكومية يتمثل في مجموعة من القرارات، وفي التنظيم التربوي يتمثل في كفاءة وتقدم التلاميذ، أي أنه من الضروري في كل من هذه الحالات وجود نتائج ناشئة عن العمليات التي تجري داخل التنظيم، وهذه النتائج قد تغير من وظيفة الأنساق الأخرى داخل المجتمع.

وتنشأ التنظيمات عن ظاهرة تقسيم العمل في المجتمع؛ ﻷنه لو كان الإنتاج والاستهلاك يحدثان في وحدة بنائية واحدة فلا توجد ضرورة لكي تتباين التنظيمات المتخصصة عن بعضها، أما في المجتمعات البدائية حيت الاكتفاء الذاتي بالمعنى الاقتصادي للكلمة، فإنه لا يوجد بها تنظيمات متباينة بالمعنى الذي ذكرناه.

وإن ما يعتبر هدفاً متخصصاً بالنسبة للتنظيم، يعتبر في الوقت نفسه وظيفة متخصصة بالنسبة للنسق العام أي أن المجتمع الذي يوجد فيه تنظيم، كما يعتبر التنظيم جزءاً من هذا النسق العام، أو نسقاً فرعياً منه، وهذه العلاقة هي الرابطة الأولية بين التنظيم والنسق العام، بل هي الأساسي الذي يقوم عليه تصنيف التظيمات.

فالتنظيم كما يعرفه ألفريد مارشال، هو في جوهره عملية ربط عوامل الإنتاج بطريقة محددة لتسهيل تحقيق هدف التنظيم بصورة فعاله، كما يشير إلى عملية التغير البنائي للتنظيم، وعلى هذا فالتنظيم بالمعنى الاقتصادي عامل هام في كل الوظائف التنظيمية، ويلعب دوراً هاماً في مراحل إقامة التنظيم وفي المراحل التالية أيضاً.

ويتضح من كل ذلك أن التنظيمات هي الميكانيزم الأساسي في التحقيق الفعال ﻷهداف مجتمع متفاعل، تلك الأهداف التي لا يستطيع الفرد وحده تحقيقها، والظاهرة الأساسية أن التنظيم يعبئ القوة لتحقيق أهدافه، ولو أن نسق القيم يجعل هذه الأهداف شرعية ﻷن القوة أو القدرة العامة للتنظيم تجعل تحقيقاً أمراً فعالاً.

ويطور بارسونز هذه الأفكار ليوازي بين القوة أو القدرة على تحريك الموارد في المجال الاقتصادي والقدرة السياسية وما يتولد عنها من طاقات محركة للتنظيم والنسق العام، فتوليد القوة وممارستها هدف عام للغاية بالنسبة للأهداف العامة للمجتمع كالانتصار في الحرب، وكذلك فإنها القوة تستخدم في الحياة اليومية لتحقيق أكبر قدر من الأهداف الفرعية، والقوة مثل الثروة مورد اجتماعي هام وعام توزع على عدد كبير من الأنساق الاجتماعية الفرعية من أجل الاستهلاك أو استثمار رأس المال.

فكل تنظيم مهما كانت وظيفته جزء من السياسة، ومولد للقوة أو القدرة، كما أنه يستقبل القوة التي يتم توليدها في المستويات العليا من النظام السياسي، ويتحدث بارسونز عن شروط توليد القوة وهي:

  • إقامة وتأسيس نسق قيمي يجعل هدف التنظيم مشروعاً.
  • تنظيم عمليات الاستغلال واتخاذ القرارات في التنظيم باعتبارها قواعد عامة.
  • طلب المساندة اليومية من الأشخاص الذين تعاونهم.
  • طلب التسهيلات الضرورية وهي تسهيلات مالية بالدرجة الأولى.

ويشير بارسونز إلى أن الأحزاب السياسية أصبحت تعكس صورة أو شكل الشرط الأول، من حيث أن هذه الأحزاب تقيم رابطة ايجابية مباشرة مع الحكومة، ومع النسق القانوني، إن تالكوت بارسونز يشير إلى النهج الذي قدمه يتميز بتناسق صوري، فقد تناول نسق القيمة باعتبار يحدد أهداف التنظيم ويجعلها شرعية، كما أن القيم الفرعية تنظم ميكانيزمات التكيف، وتحقيق الهدف والتكامل في التنظيم، وكل نمط تعاقدي كالتوظيف والاستثمار ينظم كل نمط من الموارد الأولية، وكل ناحية أو جانب من جوانب السلطة تنظم الأجزاء الشرعية الفعالة، وأخيراً كل ناحية من نواحي إقامة العلاقات الثابتة المستقرة تحدد ولاء المشتركين نحو التنظيم عند مقارنته بالالتزامات الأخرى.


شارك المقالة: