اقرأ في هذا المقال
- نظرية التنظيم ومستويات التحليل عند نيكوس بولانتزاس في علم الاجتماع
- أسباب دعوة نيكوس لبعض العلماء حول الاقتصار في نظرية تحليل التنظيم
نظرية التنظيم ومستويات التحليل عند نيكوس بولانتزاس في علم الاجتماع:
هناك مبدأ علمي يأخذ يه العلماء في تحليل السوسيولوجي، مؤداه أن الكل أكبر من مجموع أعضائه، ويذهب نيكوس إلى أن عدم أخذ هذا المبدأ في الاعتبار لدى العديد من الدراسات التنظيمية هو مصدر الخلط والاضطراب فيها، فالتنظيم كنسق اجتماعي يتضمن مجموعة من المكونات كالأفراد والجماعات والإدارات الرسمية واللوائح والتعليمات والسلطات، إلى جانب أنه يتضمن كذلك مجموعة من الجماعات غير الرسمية.
يضاف إلى هذا أن التنظيم كنسق يوجد داخل مجموعة من الأنساق الأكثر اتساعاً كالمجتمع المحلي والمجتمع العام أو مجتمع الدولة، وكما أننا لا يمكن أن نفهم أية جماعة اجتماعية من خلال الاقتصار السيكولوجي لكل عضو من أعضائها فإنه بالمثل لا يمكننا فهم التنظيم اعتماداً على دراسة الجماعات المكونة له.
أو على دراسة سلوكيات العاملين داخله فحسب، فكلما انتقلنا من مستوى إلى مستوى أعلى، كأن ننتقل من مستوى الجماعة الرسمية أو الإدارة إلى مستوى التنظيم، أو من مستوى التنظيم إلى مستوى المجتمع، فإننا نصادف مجموعة جديدة من الظواهر لا يمكن فهمها وتفسيرها بالرجوع إلى تحليل وفهم المستوى الأدنى فحسب.
ويشير نيكوس إلى أن هناك طائفة من الباحثين في مجال التنظيمات يطلق عليهم أنصار الاتجاه الاختزالي، يتجاهلون تعدد مستويات التحليل وتعقد الظواهر التنظيمية، ويحاول هؤلاء الباحثون فهم التنظيم وتحليله بالرجوع إلى فهم وتحليل بعض مكوناته مثل أعضاء التنظيم وسلوكهم ودوافعهم ومشكلاتهم.
وهم يحاولون من خلال الاعتماد على الأبحاث الأمبيريقية التي تنصب على مكونات التنظيم، والمفاهيم الاجرائية الضيقة، التوصل إلى تعميمات بصدد التنظيمات لها طابع الشمول والإطلاق، ويكمن الخطأ هنا في محاولة فهم التنظيمات، والمشكلات التنظيمية داخل المجتمعات اعتماداً على تحليل مادة جمعت عن بعض مكونات التنظيم، أو اعتماداً على إجراء الدراسة على مستويات دنيا فحسب.
ويشير نيكوس إلى أنه لا يجب على الباحث أن يبدأ ببناء الطابق الأول قبل الانتهاء من وضع الأساس، وبقول آخر لا يجب على الدارسين أن يغامر بإطلاق تعميمات حول الأنساق الكبرى كالمجتمعات والتنظيمات، قبل الاحاطة الكاملة بكافة الأنساق الفرعية الأقل شمولاً، ثم الانتقال إلى فحص وتحليل هذه الأنساق الكبرى ذاتها.
ويؤكد نيكوس أهمية التحليل المتعمق لمستوى التنظيم الكلي، في مقابل محاولة بعض العلماء الاقتصار على فهم مكوناته، وبقول آخر فإن فهم وتحليل التنظيمات كأنساق تتطلب مستوى من التحليل يتم على مستوى التنظيم ككل، ويذكر في هذا الصدد سببان يدعوانه إلى القول بهذا الرأي نوجزهما فيما يلي:
أسباب دعوة نيكوس لبعض العلماء حول الاقتصار في نظرية تحليل التنظيم:
1- إن الاقتصار على مستوى الفرد أو الجماعة فحسب يجعلنا لا نأخذ في الاعتبار البناء الكلي للتنظيم أو محصلة التفاعل بين كافة المكونات داخل البيئة التنظيمية الكلية فهذا التفاعل يؤدي إلى بروز مجموعة من الظواهر الجديدة لا يمكن لنا فهمها إذا ما اقتصرنا على اجراء التحليلات عند مستوى الفرد أو الجماعة.
2- إن توسيع مجال التحليل يتيح لنا الفرصة لدراسة مجموعة من المشكلات الجوهرية لحضارتنا المعاصرة، وما تعانيه من أزمات وصراعات، وفي هذا الإطار تبرز أهمية تحليلات بعض الكتاب الكلاسيكين مثل ماركس وماك فيبر وميكلز، الذين عالجوا قضية التنظيم انطلاقاً من إطار تصوري واسع وعلى مستوى المجتمع ككل، وهذا ما أتاح لهم معالجة مشكلات الإنسان والحرية والصراع والديموقراطية والاغتراب.
وتحتل هذه المشكلات الأخيرة اليوم أهمية لا تقل عن أهمية مشكلات الإنتاجية التي ركزت عليها التايلورية وحركة العلاقات الإنسانية، فالمشكلة الجوهرية في المجتمعات المتقدمة لا تتمثل فيما يطلق عليه مانهايم والترشيد الوظيفي للتنظيمات البيروقراطية، بقدر ما تتمثل في الاحتفاظ بحد أدنى من الرشد الوجودي للإنسان أو الاحتفاظ بإنسانيته وحريته في العمليات والقيود المتزايدة والتي تفرض عليه داخل التنظيمات المختلفة التي أصبحت تحتويه باستمرار.
وبقول آخر فإن المشكلة لم تعد تقتصر على كيفية رفع معنويات العمال وجعلهم أكثر تعاوناً مع هيئة الإشراف والإدارة وأعلى إنتاجية، وإنما امتدت لكي تتضمن كيفية احترام الحرية الإنسانية والحيلولة دون طمس معالم الإنسان وتحويله إلى جهاز داخل التنظيمات الصناعية الكبرى.
هذه هي بالتحديد المشكلات التي شغلت علماء الاجتماع أو الباحثين الكلاسيكيين ولا شك أنها تحتاج إلى صياغة جديدة تتفق مع التطورات العصرية للمجتمعات والتنظيمات، ولكن من سوء الحظ كما يشير نيكوس أن هذه المشكلات تركت لمعالجات الصحفيين والفلاسفة، كذلك فإن الكثير من المشتغلين بالأبحاث التنظيمية، غالباً ما يتهمون بالمشكلات الجزئية التي يحددها لهم رجال الإدارة كأهداف عملية، ولهذا فإنهم يفتقدون في نظر نيكوس النظرة التحليلية الفاحصة الشاملة.