نظرية حشد الموارد في علم الاجتماع السياسي

اقرأ في هذا المقال


تعتمد نظرية حشد الموارد على النظرة الليبرالية الحرة القائلة بأن الظواهر الاجتماعية هي نتاج القرارات والأعمال الفردية، وقد تم صياغتها بشكل واضح بناء على المقدمات المنطقية لنظرية الاختيار العقلاني لتعارض التفسيرات السابقة للحركات الاجتماعية في علم الاجتماع القائلة بأن المحفز لها يعود إلى تفسيرات سيكولوجية نفسية، إن ذلك يعني أن تفسيرات تلك الحركات الاجتماعية كانت تقريباً استجابة غير عقلانية للظروف الاجتماعية المحيطة.

نظرية حشد الموارد في الحركات الاجتماعية في علم الاجتماع السياسي

إن النظريات المستمدة من عمل ليوبون التي اشتهرت في التفسيرات الوظيفية مثل تلك التي نراها في أعمال نل سميلسر، فقد كان التفسير المعهود للعمل الجماعي هو أنه تعبير عن مظاهر ثوران لسلوكيات تخرج عن نطاق السيطرة كنتيجة لتفكك الوظائف الاجتماعية.

وقد كان الدافع لهذا العمل مستمداً من الاهتمام بمنع ظهور فجر الحركات الفاشية والاستبدادية وظهورها على الساحة، ولكن بحلول السبعينيات، كان المتوقع من علماء الاجتماع أن يكونوا أكثر تفهماً وانسجاماً مع متطلبات الحركات الاجتماعية الجديدة، إلا أنهم لم ينخرطوا فيها بشكل نشط، ولم يستطيعوا أن يشاركوا غيرهم في تبني النظرة.

نظرية الحرمان النسبي وحشد الموارد في الحركات الاجتماعية

كانت هناك نظرية أخرى لها شعبيتها اشتهرت برؤيتها وتنظيرها عن الحرمان النسبي لبعض فئات المجتمع، إلا أن نظرية حشد الموارد وقفت ضدها، كانت الفكرة الأساسية لنظرية الحرمان النسبي أن التذمر أو التظاهر ما هما إلا نتيجة لحدوث فجوة تتسع بشكل مستمر بين توقعات الفئات المحرومة وبين القليل المتاح من فرص حقيقية لتلك الفئات المحرومة.

ومن هنا أخذت تلك الفئات التي كانت تعتبر أنفسها مهشمة اجتماعياً وتفتقر للتأثير مثل الحركات الطلابية والمتظاهرين دفاعاً عن حقوق الإنسان، والنساء إلى اللجوء ﻷساليب التظاهر الجماعي سعياً ﻹصلاح مظالمهم، إلا أن أصحاب نظريات حشد الموارد كان لديهم رد بسيط ومقنع يفند نظريات الحركات الاجتماعية الساعية المطالبة بمعالجة مظالم تلك الفئات من المجتمع، يتلخص ذلك الرد في أنه لا بدّ أن تواجد شكاوي ومظالم من بعض فئات المجتمع إلا أن وجود تلك الشكاوي لا يمكن أن يوضح أو يبرر المشاركة في أعمال الاعتراض الجماعي.

ومن هنا طالب أصحاب نظرية حشد من المدافعين عن فكرة الحرمان النسبي أن يقدموا توضيحاً مقنعاً عن أسباب ضلوع الأفراد بشكل معتمد في أعمال جماعية اعتراضية، بناءً على اعتبارات عقلانية من جانبهم دفاعاً عن مصالحهم الخاصة، إذ إن الحراك الاجتماعي لا يكون السبب في ظهور الظروف الهيكلية أو البنيوية بالمجتمع.

في الآونة الأخيرة، فإن المقدمات المنطقية لنظرية حشد الموارد في نظرية الاختيار العقلاني، التي تعود أصولها إلى الاقتصاديات الحديثة الكلاسيكية قد تعرضت لانتقادات مكثفة فقد ظهر وعي واهتمام أكثر بالجوانب والمظاهر الأقل عقلانية التي يمكنها تفسير الدوافع الفردية، وحاول أصحاب النظريات المنسجمة مع التقاليد والعرف تطوير تفسير أكثر إقناعاً من الجانب الاجتماعي بإمكانه أن يفسر ظواهر المساهمة أو المشاركة في الحركات الاجتماعية.

لقد أدى ذلك إلى زيادة الاهتمام بمفهوم الذاتية والثقافة من جانب أصحاب نظريات حشد الموارد، لقد أدرجو أفكاراً تمخضت من أفكار العمل الاجتماعي التفاعلي الخاصة بإرفينج جوفمان في المنهج، بهدف إثراء فكرته عن القرارات الفردية، رغم ذلك لقد قاوم واضعو نظريات حشد الموارد آثار الدور الثقافي الذي اتخذوه بالتزامن مع الحفاظ على نظرية المعرفة الواقعية والمقدمات المنطقية والتي اعتمد عليها العرف، نتج عن ذلك تناقضات بالمنهج التي يمكن معالجتها فقط بإدراك آثارها.

الفردية المنهجية ونظرية حشد الموارد في الحركات الاجتماعية

ليست فقط الفردية المنهجية التي تجعل نظرية حشد الموارد منهجاً ليبرالياً، ولكن أيضاً طريقة تعاملها مع الدولة صراحة كحلبة لاستكشاف وإيجاد السياسة الملائمة، بالنسبة لواضعي نظريات حشد الموارد، رغم أن الحركات الاجتماعية قد يكون لها علاقة معضلة في البداية مع الحكومة بقدر اعتقاد أعضائها لا يرون أنه قد تم تمثيلهم بشكل مناسب في الأحزاب والمؤسسات السياسية المهيمنة، فإن نجاح الحركة ينطوي على تحقيق الوصول النمطي للعملية السياسية.

هذا الافتراض يعد معضلة أيضاً وذلك بدمج الاهتمامات مع الموضوعية والثقافة بالنظرية، إذا اعتمدت المشاركة في الحركات الاجتماعية على كيفية فهم الأفراد ﻷنفسهم ولمواقفهم فلا يبدو أن هناك سبباً جيداً لتجاهل الطعون في وجهات النظر وتحول الهويات في المجتمع المدني كما لو أن ذلك نفسه لم يكن جانباً من السياسة، توسعت نظرية حشد الموارد لتشمل تلك الأمور بالرغم من ذلك فإنها تطمح إلى ما بعد الأنموذج الليبرالي، لذا يصعب الشيء على تابعيها أن يتقبلوها.

الافتراضات الأساسية في نظرية حشد الموارد في الحركات الاجتماعية

إن أكثر المساهمات تأثيراً لنظرية حشد الموارد على نظرية الاختيار العقلاني تتمثل في كتاب منطق الفعل الجماعي لمانكور أولسون، حيث جرى تأسيس نظرية السلوك الاجتماعي وفقاً لافتراضين حددهما الاقتصاديون الكلاسيكيون الجدد، أولاً تلك الخيارات الاجتماعية التي يجب توضيحها بالرجوع إلى التفضيلات الفردية، وثانياً أن الأفراد يتصرفون بشكل عقلاني لتعظيم مكاسبهم وتقليل التكاليف على أنفسهم، اهتم أولسون بفكرة أن ليس هناك تواصل ضروري بين المصالح الجماعية المهمة والأفعال الجماعية.

إذا كان أفراد الجماعات الكبيرة يسعون بشكل منطقي لتعظيم رفاهيتهم الشخصية، فإنهم لن يتصرفوا لتحسين أهدافهم المشتركة أو الجماعية، إلا بوجود إجبار على قيامهم بذلك، أو بوجود بعض التحفيز المنفصل، وما يميزها عن تحقيق مصالح المجموعة أو المصالح المشتركة، أنها تقدم ﻷعضاء المجموعة بشكل فردي بشرط أن يساعدوا في تحمل تكاليف أو أعباء أهداف المجموعة.

هذه هي مشكلة الراكب الحر المجاني الشهيرة والخاصة بواضعي نظرية الاختيار العقلاني، عملياً من الطبيعي ألا يتم منع أي فرد في مجموعة محددة من الانتفاع من السلع العامة إذا انتفع بها باقي أفراد المجموعة؛ ﻷن مشاركة الفرد الواحد ينتج عنها فرق طفيف في تحقيق السلع العامة.

فمن المنطقي أكثر اكتسابها بدون المشاركة في الاجراءات الجماعية، ما لم يمكن للمجموعة بطريقة ما مكافأة أو معاقبة أفراد محددين بنسبة مباشرة حسب درجة مشاركتهم، ذلك الأمر يصعب القيام به، حتى إنه قد يكون مستحيلاً، حسب مقصد الحركات الاجتماعية لتغيير القواعد والهياكل والتي على أساسها تصبح فئة من الأفراد متدنية ومحرومة نظامياً بالعلاقة مع الآخرين.

لم يكن أولسون نفسه يهدف لتقديم توضيح لتشكيل الحركات الاجتماعية على النقيض لقد كان مهتماً بتوضيح سبب عدم مشاركة الأفراد في الاجراءات الجماعية، رغم المصالح الفردية بالأهداف الجماعية، إن وجود الظلم الاجتماعي ليس ظرفاً كافياً لبروز الحركة الاجتماعية.

وعلى أية حال بالنسبة لواضعي نظريات حشد الموارد والذين أعجبوا بنظرية الاختيار العقلاني اهتموا بدراسة الحركات الاجتماعية القائمة فعلياً، بسبب أن الأفراد يشتركون في إجراءات جماعية.


شارك المقالة: