نقد الأيديولوجيين البرجوازيين في قضايا معرفة القوانين الاجتماعية

اقرأ في هذا المقال


إن قضية القوانين الاجتماعية هي ساحة للصراع بين الماركسية اللينينية وعلم الاجتماع البرجوازي المعاصر، حيث مضت فترة طويلة من الزمن منذ ذلك الحين الذي كانت البرجوازية طبقة ثورية، وكان مفكروها يحاولون استخدام فكرة القانون الطبيعي على الحياة الاجتماعية، وأما اليوم فإن الصفة التي تلازم الكثير من النظريين البرجوازيين المعاصرين هي إنكارهم لقوانين تطور المجتمع الموضوعية.

نقد الأيديولوجيين البرجوازيين في قضايا معرفة القوانين الاجتماعية

لماذا تغير موقف أيديولوجا البرجوازية؟ لأنه قبل كل شيء، تغير وضع البرجوازية نفسها كطبقة، فحينما كانت ثورية حاول المفكرون البرجوازيون أن يكتشفوا قوانين التاريخ، كانت مصالح البرجوازية في تلك المرحلة تطابق مصالح التقدم الاجتماعي إلى حدود معينة، فلما تحولت البرجوازية إلى طبقة رجعية أصبحت مصالحها تتناقض تناقضاً مستعصياً مع مطالب التقدم الاجتماعي، فصارت البرجوازية طبقة ولى زمانها، وترغب في إيقاف عجلة التاريخ وإرجاعه إلى الوراء وتحاول التحرك خلافاً لقوانينه.

ولذلك فإن هذا الموقف يدفعها بطبيعة الحال، إلى إنكار قوانين تطور التاريخ الموضوعية، أكد على هذه الحقيقة فلاديمير لينين في مقاله ضربة أخرى لتصفية الاشتراكية الذي وجهه ضد كتاب ستروفه الاقتصاد والسعر، فقد ادعى بعض العلماء أن فكرة القانون الطبيعي في الاقتصاد السياسي فشلت، وأن قانون القيمة ما هو إلا وهم من الأوهام، وأخذ يسير في طريق إنكار العلوم الاجتماعية على أن الصفة التي تلازم البرجوازية، كجميع الطبقات التي ولى زمانها وهي الخوف من العلم، أثرت على الارتياب الخاص بالأعيان الذي أبداه بعض علماء الاجتماع.

نجد اليوم أن هذا الارتياب يتخذ أشكالاً عديدة في علم الاجتماع البرجوازي المعاصر، إن مواقف علماء الاجتماع البرجوازيين النظرية مختلفة، حيث أن هدف الغالبية منهم واحد، وهو جعل الأشخاص يفقدون ثقتهم بأن التاريخ يخضع إلى قوانين معينة، ومن الممكن معرفتها واستخدامها لغير الإنسان.

وهناك بعض الحجج والبراهين التي يتمسك بها علماء الاجتماع الذين ينكرون السنن الطبيعية للتطور الاجتماعي، حيث من المعروف أن إحدى القضايا الهامة التي يتوقف عليها الاقرار بقوانين الحياة الاجتماعية هي قضية تكرار الأحداث في التاريخ، ويؤكد الكثير من علماء الاجتماع البرجوازيين أن العلوم الاجتماعية تختلف اختلافاً جذرياً عن العلوم الطبيعية، ﻷنها تبحث احداثاً فردية لا تتكرر، ولا يمكن جعلها تخضع لقانون عام.

فعلى سبيل المثال، تم طرح هذه النظرية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ممثلو مدرسة الكانطيين الجدد، وأن فكرتهم الأساسية هي أن العلوم الطبيعية والتاريخ على طرفي نقيض تماماً، فإن هدف العلوم الطبيعية هو دراسة الظواهر التي تتكرر وتعميمها، ولهذا فإنها تستبعد الخواص الفردية لمواضيع بحثها وتشخص القوانين العامة لها، وأما التاريخ فبالعكس، إذ إن مهمته دراسة الأحداث الفردية وجميع خواصها، فيدعي أنصار هذه المدرسة على هذا الأساس بالذات استحالة وجود القوانين التاريخية.

وهناك بعض المؤرخين، يربطون انكارهم لتكرار الأحداث في التاريخ بفهمهم المثالي لدور الفرد في التاريخ، ففي رأيهم أن الإرادة الحرة للشخصية البارزة هي التي تتحكم في التاريخ، وهي التي تكسب الأحداث التاريخية أشكالاً فردية من نوعها.

ليست هناك ضرورة في هذا المجال أن نبحث نظرية تاريخية بصورة عامة، ولا نشير هما سوى إلى السمة الأساسية التي تتميز بها، وهي محاولة جعل العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية على طرفي نقيض، وحفر هوة ساحقة بين الطبيعة والمجتمع، وأن هذه النظرة تعني من الناحية الجوهرية، إنكار قوانين التاريخ.

التنبؤ العلمي والتطور التاريخي

إنها تجعل التنبؤ العلمي للتطور التاريخي أمراً مستحيلاً، فما دامت الأحداث في التاريخ البشري لا تتكرر أبداً، وليس هناك قوانين يسير بموجبها هذا التاريخ، فإن أي محاولات للنظر في المستقبل بدون جدوى ولا فائدة منها، ولذلك فإنه ليس من العجيب أن نجد هذه النظرية أداة ملائمة جداً بإيدي البرجوازية الرجعية تستخدمها في كفاحها ضد أفكار الاشتراكية العلمية.

ورغم أن تعاليم مدرسة الكانطيين الجدد لا تتمتع بنفوذ كبير في الفلسفة البرجوازية وعلم الاجتماع البرجوازي في وقتنا الراهن، كما كان ذلك في الماضي، فإن الفكرة التي تتضمنها عن عدم تكرار الظواهر التاريخية وعن التعارض بين العلوم الطبيعية والتاريخ منتشرة انتشاراً واسعاً وتتخذ أشكالاً وألواناً متنوعة حتى يومنا هذا.

وهناك سمة يتميز بها علم الاجتماع البرجوازي وهي التعارض الميتافيزيقا بين العام وبين الخاص والمنفرد، وبالعكس من هذا الموقف تبحث المادية التاريخية العام والخاص في وحدتها الديالكتيكية، إن القول عن أن التاريخ يتكون من أحداث منفردة، لا تتكرر أبداً وفريدة بشكل مطلق هو ادعاء كاذب، كتلك النظرة المعاكسة له والقائلة أن كل شيء يتكرر في التاريخ، وفي الحقيقة فإن كل حدث تاريخي هو وحدة ما يتكرر وما لا يتكرر، فإذا نظرنا إلى هذا الحدث بكل ما يتميز به من وصفات منفردة وخاصة به فيبدو لنا حدثاً فريداً ولا يتكرر.

كيفية الكشف عن القوانين العامة للتطور التاريخي

ولكن للكشف عن القوانين العامة للتطور التاريخي لا بدّ من أن نكشف عن الأحداث العامة فيه، ونطبق على العلاقات الاجتماعية ذلك المعيار العلمي العام لتكرار الأحداث الذي رفض تطبيقه أنصار مذهب الذاتية في علم الاجتماع.

إن العالم سواء في العلوم الطبيعية أم في العلوم الاجتماعية، يشخص معياراً لتكرار الأحداث ويجعل الأحداث الفردية والتي لا حصر لها ولا عد تخضع إلى قوانين عامة، إن هذا الموقف يتيح له إدراك الظاهرة التي يدرسها كعملية طبيعية وليست مجموعة من الصدف.

وفي هذا المجال لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار، طبعاً إن مقياس تكرار الأحداث لا يمكن أن يكون واحداً في مختلف ميادين الواقع، فبقدر ما تكون الظاهرة المدروسة أبسط، يكون تكرار خواصها وسماتها أوضح، وبمدى صعودنا على درجات الحالات النوعية وانتقالنا من الأسفل إلى الأعلى (مثلاً من الفيزياء أو الكيمياء إلى علم الأحياء أو من علم الأحياء إلى الظواهر الاجتماعية)، نجد أن تكرار الظواهر المدروسة يتعقد شيئاً فشيئاً بأشكال فردية متنوعة ومتعددة وبسمات لا تتكرر.

إن الماركسية هي التي وجدت معيار تكرار الأحداث في الحياة الاجتماعية، والفضل في ذلك يعود، قبل كل شيء، إلى أنها كشفت عن الأساس المادي للحياة الاجتماعية، فقد شخصت العلاقات الانتاجية من بين شبكة العلاقات المعقدة كلها، واعتبرت أنها هي التي تعين بنية المجتمع.

وهناك أهمية عظيمة لصياغة الماركسية لمفهوم التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية، حيث اتاحت فرصة ملاحظة تكرار الأحداث في الأنظمة الاجتماعية لمختلف الأقطار، وقد مكّن ذلك على حد تعبير ميلادفير لينين، من الانتقال من تسجيل الأحداث الاجتماعية إلى تحليلها العلمي بشكل دقيق ولبحث العوامل الملازمة، مثلاً لكل الأقطار الرأسمالية، والعوامل التي تميز إحدى البلدان الرأسمالية عن الأخرى.


شارك المقالة: