نماذج لفهم المشاكل الاجتماعية

اقرأ في هذا المقال


لفهم المشكلات الاجتماعية هناك مجموعة من النماذج يستخدمها علماء الاجتماع من أجل تعريف المشكلات الاجتماعية ورؤية أهداف علماء الاجتماع الأوائل كعلم اجتماع الخدمة، وذلك بأحدث النظريات والأبحاث من علم الاجتماع والعلوم الاجتماعية الأخرى.

نماذج لفهم المشاكل الاجتماعية

مع التقدم ​​في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين يواجه البشر في العالم العديد من المشكلات الاجتماعية كالفقر والجوع والعنصرية والتمييز على أساس الجنس وتعاطي المخدرات والعنف وتغير المناخ، على سبيل المثال، فلماذا توجد هذه المشاكل؟ وما هي آثارها؟ وما الذي يمكن عمله حيالهم؟ ويحاول علماء الاجتماع الإجابة على هذه الأسئلة بأحدث النماذج والنظريات والأبحاث من علم الاجتماع والعلوم الاجتماعية الأخرى.

وبدأ علماء الاجتماع في أواخر القرن التاسع عشر وسرعان ما شقوا طريقهم ليركزوا على العديد من النماذج الاجتماعة التي تهتم بفهم المشكلات الاجتماعية المختلفة التي كانت تواجه البشر في ذلك الوقت، وبما يتناسب مع مواقعهم الحضرية، وكان علماء الاجتماع في كل المجالات مهتمين جدًا بالفقر وعدم المساواة العرقية ويسعون إلى استخدام النماذج النظرية والبحوث لمعالجة هذه المشاكل، وبشكل أعم لتحسين المجتمع، ويشير علماء اجتماع في دراسة المشكلات الاجتماعية إلى رؤية وأهداف علماء الاجتماع الأوائل كعلم اجتماع الخدمة.

ويؤكدون أن علم الاجتماع المبكر كان في الأساس مسعى إصلاحي ويضيفون أن علم اجتماع الخدمة هو علم اجتماع للمشاكل الاجتماعية يهدف إلى تحسين ظروف الحياة لمن يحتاجون إلى المساعدة، ولضمان رفاهية المجتمع وتعزيزها، بدافع الرعاية والرحمة، ويهدف علم الاجتماع الموجه نحو الخدمة إلى مساعدة الناس على تلبية احتياجاتهم الاجتماعية المُلحة، وعلى هذا النحو يتضمن علم اجتماع الخدمة تطبيق نماذج المعرفة الاجتماعية جنبًا إلى جنب مع التعبير عن المشاعر الإنسانية.

وانطلاقاً من روح علم الاجتماع وعلم اجتماع الخدمة يقدم علماء الاجتماع رؤى اجتماعية للنماذج التي تؤثر على المشكلات المهمة في العصر، وباستخدام أحدث أدلة العلوم الاجتماعية يناقشون أبعاد وتأثيرات أنواع مختلفة من المشاكل الاجتماعية وأسبابها والحلول الممكنة لها، ويبدأ رحلتهم إلى عالم المشاكل الاجتماعية من خلال دراسة كيفية فهم علم الاجتماع للمشاكل الاجتماعية وجمع البحث عنها.

ما هي الرؤى الاجتماعية للنماذج التي تؤثر على المشكلات الاجتماعية

من خلال الرؤى الاجتماعية للنماذج التي تؤثر على المشكلات الاجتماعية المهمة في العصر يمكن فهم المشكلة الاجتماعية على أنها أي شرط أو سلوك له عواقب سلبية على أعداد كبيرة من الناس، كما إنه من المسلم به عموماً كشرط أو السلوك الذي يحتاج إلى معالجتها، ويحتوي هذا الفهم على مكون موضوعي وشخصي، وللحصول على أي شرط أو سلوك يعتبر مشكلة اجتماعية فإنه يجب أن يكون له عواقب سلبية على أعداد كبيرة من الناس.

فكيف يمكن معرفة ما إذا كانت المشكلة الاجتماعية لها ظروف سلبية؟ يمكن لعلماء الاجتماع الذين يستخدمون نماذج لفهم المشكلات الاجتماعية أن يعرفوا أن كان لهذه المشكلة الاجتماعية ظروف سلبية محددة، ولكن بالعادة يمكن أن تزيد مجموعة البيانات التي تكون من عمل العلماء الأكاديميين والمؤسسات الحكومية وجهات أخرى والتي تهتم بقوة العواقب الواسعة والخطيرة، وأحياناً تكون نتيجة تلك العواقب موضع جدال مهم، وغالباً يكون وجود هذه الأسباب بشكل خاص موضع نقاش ساخن.

والمثال الحالي هو تغير المناخ، فعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من علماء المناخ يقولون إن تغير المناخ أي التغيرات في مناخ الأرض بسبب تراكم غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي حقيقي وخطير، إلا أن أقل من ثلثي العالم في استطلاع عام 2011 قالوا إنهم يعتقدون أن الاحتباس الحراري يحدث.

نموذج البناء الاجتماعي لفهم المشاكل الاجتماعية

يدل نموذج البناء الاجتماعي لفهم المشاكل الاجتماعية على وجود جدال في المكون الذاتي لفهم المشكلات الاجتماعية، ولذلك لابد أن يكون هنالك ضرورة لمعالجة حالة أو سلوك معين حتى يتم فهم المشكلة الاجتماعية، ويقع هذا المكون في قلب وجهة نظر نموذج البناء الاجتماعي لفهم المشاكل الاجتماعية، وفي هذا النموذج توجد أنواع مختلفة من الظروف والسلوكيات السلبية، والكثير من هذه الظروف السلبية تكفي لاكتساب وضع المشكلة الاجتماعية، وبعض الظروف الآخرى لا تأخذ هذا الاعتبار وبالتالي لا تصبح مشكلة اجتماعية.

وأيضاً بعض الظروف السلبية لا يتم النظر إليها على أنها ظروف لمشكلة اجتماعية إلا إذا لفتت الأفراد أو صانعي السياسات أو الجهات الأخرى الانتباه إليها، ومن خلال هذا النموذج يقدم تاريخ الاهتمام بمشاكل الاغتصاب ومشاكل الاعتداء الجنسي في فترة ما قبل وبعد السبعينيات مثالاً على تطبيق هذا النموذج، فمن المحتمل أن تكون مشكلة العنف الجنسي ضد المرأة قد حدثت منذ بداية الإنسانية لذلك كانت شائعة جدًا قبل السبعينيات.

وكما إنه على الرغم من اعتقال الرجال ومحاسبتهم في بعض الأحيان بتهمة الاعتداء الجنسي إلا إنه كان يتم تجاهل مشكلة العنف الجنسي من قبل واضعي السياسات القانونية، كما أنها لم تتلقى سوى القليل من الاهتمام في الكتب المدرسية ووسائل الإعلام الإخبارية، وعتقد الكثير من علماء الاجتماع الأوائل أن مشاكل الاغتصاب والاعتداء الجنسي كانت مجرد شيء حدث، وهكذا على الرغم من وجود هذه المشاكل الاجتماعية إلا أنها لا تعتبر مشكلة اجتماعية.

ويرى علماء اجتماع آخرون أن الظروف الاجتماعية والسلوكيات الشاذة يجب اعتبارها مشكلة اجتماعية حتى لو لم تحظ باهتمام كبير أو لم تلق اهتمامًا مطلقًا، ويعزز أحد المعتقدات الرئيسية لوجهة نظر نموذج البناء الاجتماعي أن الإدراك ضروري بقدر ما يهم الواقع الاجتماعي، وأحيانًا أكثر من ذلك بكثير، وتماشياً مع هذا الاعتقاد تؤكد النماذج البنائية الاجتماعية على أن الناس ومجموعات المصالح وواضعي السياسات والأحزاب الأخرى كثيراً ما يتنافسون من أجل التأثير على تصورات الشعب للعديد من أنواع الظروف الاجتماعية والسلوكيات الشاذة.

كما يحاولون من خلال التغطية الإعلامية الإخبارية التأثير على وجهات نظر الناس لطبيعة ومدى خطورة أي عواقب سلبية قد تحدث والنتائج الكامنة وراء مشكلة أو سلوك سلبي، والحلول الممكنة للمشكلة، وإن تركيز نموذج البناء الاجتماعي على الإدراك له أثر استفزازي، تمامًا كما لا يمكن اعتبار المشكلة أو السلوك السلبي مشكلة اجتماعية حتى لو كان هناك أساس قوي لهذا الإدراك، لذلك يمكن اعتبار الحالة أو السلوك مشكلة اجتماعية حتى لو كان هناك القليل أو أساس لهذا التصور.

نماذج الحركة النسائية المعاصرة لفهم المشاكل الاجتماعية

عندما بدأت نماذج الحركة النسائية المعاصرة في أواخر السبعينيات سرعان ما ركزت هذه النماذج على مشاكل الاغتصاب والاعتداء الجنسي كجرائم ومشاكل اجتماعية خطيرة ومظاهر لعدم مساواة المرأة، وبفضل هذه النماذج دخلت مشاكل من هذا النوع  في النهاية إلى الوعي العام، وبدأت وجهات النظر بشأن هذه الجرائم في التغير، وبدأ واضعي السياسات القانونية في منح هذه المشاكل الاجتماعية مزيدًا من الاهتمام، باختصار أصبح العنف الجنسي ضد المرأة مشكلة اجتماعية.

وتثير نماذج الحركة النسائية المعاصرة سؤالًا مثيرًا للاهتمام هو متى تكون المشكلة الاجتماعية مشكلة اجتماعية؟ وفقًا لبعض علماء الاجتماع الذين يتبنون هذا النموذج فإن الظروف والسلوكيات السلبية ليست مشكلة اجتماعية ما لم يتم الاعتراف بها على هذا النحو من قبل صانعي السياسة أو أعداد كبيرة من المواطنين العاديين، أو شرائح أخرى من المجتمع، وهكذا يرى المؤيدين لهذا النموذج من علماء الاجتماع أن مشاكل الاعتداء الجنسي قبل فترة السبعينيات لم تكن مشكلة اجتماعية لأن المجتمع نفسه لم يكن يهتم بها كثيرًا.

النماذج الديناميكية لفهم المشاكل الاجتماعية:

وفي النماذج الديناميكية ذات الصلة بفهم المشاكل الاجتماعية يمكن للأطراف المختلفة تشويه جوانب معينة من مشكلة اجتماعية موجودة بالفعل، كالسياسيين الذين يلقون الخطابات ويمكن لوسائل الإعلام الإخبارية استعمال العناوين الرئيسية المخيفة والتغطية بشكل كثيف لجذب انتباه القراء أو الجمهور، ويمكن للمؤسسات استخدام الإعلانات والتأثير على مصداقية الأخبار.

وتظهر التغطية الإعلامية للمشاكل الاجتماعية العديد من الأمثلة على هذه النماذج الديناميكية، إذ أن وسائل الإعلام تفرط في تصوير مشكلة العنف وهي أقل انتشاراً بكثير من مشاكل الممتلكات مثل السطو والسرقة عن طريق عرض الكثير من القصص عنها.

المصدر: علم المشكلات الاجتماعية، الدكتور معن خليل، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، الاردن، 1998المشكلات الاجتماعية المعاصرة، مداخل نظرية، أساليب المواجهة، الدكتور عصام توفيق قمر،2000 علم الاجتماع والمشكلات الاجتماعية، عدلي السمري ومحمد الجوهري، دار المعرفة الجامعية، القاهرة،1998 الظاهرة الاجتماعية عند إميل دوركايم، طالب عبد الكريم،2012


شارك المقالة: