نموذج التوازن مقابل نموذج الصراع في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


نموذج التوازن مقابل نموذج الصراع في علم الاجتماع:

يعد نموذج التوازن في دراسة المجتمع ترجمة خاصة للنموذج الوظيفي، ويؤكد نقاد هذا النموذج أنه يحول دون إدراك ظواهر التوتر والقلق والصراع والتناقض الاجتماعي داخل النسق الاجتماعي، وبالتالي فهو يصلح ﻷن يكون أداة تخدم الاتجاه السياسي المحافظ، والواقع أن النزعة المحافظة ليست خاصية ملازمة بالضرورة للمنظور البنائي الوظيفي، ذلك المنظور القادر من خلال توجيه معين على معالجة قضايا التغير والتحول الاجتماعي بدرجة عالية من الكفاءة.

فالنموذج التوازني يتضمن أن كل نسق اجتماعي يحقق تلقائياً نوعاً من التوازن من خلال قيام كل نظام بأداء وظيفة تسهم في قيام النظم الأخرى بوظائفها، وأن فشل بعض النظم في أداء وظائفها أمر يسهم في اختلال التوازن داخل النسق، ولكن أي نسق قادر على استعادة ذلك التوازن من خلال مجموعة من الميكانزمات الضابطة للتوتر والمعالجة لما يحدث داخله من تصدع وخلل.

وقد بلغت نظرية التوازن قيمتها عند تالكوت بارسونز وتلاميذه في أمريكا وتنبثق نظرية التوازن في علم الاجتماع من النظرية العامة للتوازن، كما طبقها والتر كانون، على الفسيولوجيا الإنسانية في كتابه المشهور بعنوان حكمه الجسد، ويناقش كانون في هذا الكتاب العمليات التي تضمن تغذية الأنسجة بالدم بطريقة مستمرة.

ويناقش العمليات التي تؤدي إخراج العادم خارج الجسم، وأوضح الباحث المذكور أن الجسم العضوي يقوم تلقائياً عقب وقوع أي جرح أو إصابة له، ببعض العمليات الدفاعية والعلاجية مثل انقباض الأوعية الدموية المؤدية إلى منطقة الإصابة، كما يقوم ببعض العمليات الأخرى التي من شأنها إحداث تجلط وزيادة في إنتاج خلايا الدم الحمراء.

ويقول آخر فإن الجسم يحاول تلقائياً ألا يؤدي فقدان الدم نتيجة للجراح، إلى اختلال توازنه أي أنه عندما يحدث أي تغيير داخل الجسم فإنه يعمل على الاحتفاظ بالتوازن أو على استعادته بأقصى قدر ممكن من السرعة؛ ذلك ﻷن بقاء الجسم يعتمد في النهاية على مدى نجاحه في أداء هذه العمليات.

واقتداء بهذا النموذج فقد تصور بارسونز المجتمع على أنه نسق قادر على الاحتفاظ بتوازنه باستمرار وعلى استعادته إذا ما تعرض لعوامل طارئة داخلية أو خارجية، من شأنها إحداث خلل في ذلك التوازن فقد تكون بعض الأسر داخل المجتمع مفككة بحيث تفشل في تنشئة أبنائها تنشئة اجتماعية سليمة، مما قد يسهم في انحرافهم عن معايير المجتمع في شكل ارتكاب بعض الجرائم.

وهذا أمر يؤدي إلى العمليات التي من شأنها استعادة التوازن، مثل تكثيف برامج الخدمة الاجتماعية بالنسبة لهذه الأسر واستحداث مساكن مناسبة لهم وإعادة تأهيل أعضائها اجتماعياً ومهنياً، وإنشاء مراكز اجتماعية للعمل مع الشباب وإزالة الأحياء المختلفة التي تسهم في ظهور مثل هذه الأسر المفككة، وهكذا يمكن التحكم في مصدر المشكلة المسببة لاختلال التوازن.

علاقة النموذج الوظيفي بنموذج التوازن:

والواقع أن نموذج التوازن ينبثق في جوهره عن النموذج الوظيفي، ولم تسهم محاولة علماء الاجتماع تطبيق فكرة التوازن العضوي على النسق الاجتماعي، بأية إضافة إلى ما قدمه أنصار النموذج الوظيفي من مماثلة بين الكائن العضوي والكائن الاجتماعي.

بل إن هناك من الباحثين مثل إنكلز من يذهب إلى أن هناك العديد من أوجه النقد وجهت إلى محاولة تطبيق نموذج التوازن العضوي على النسق الاجتماعي تأثراً بآراء كانون، وهناك العديد من الشواهد التاريخية التي تؤكد عدم قدرة العديد من المجتمعات على مواجهة مشكلاتها مما أدى إلى حدوث العديد من التغيرات العميقة في أبنيتها الاجتماعية والثقافية وفي نظمها ونسق الأدوار والمراكز والعلاقات والتفاعلات داخلها.

يضاف إلى ذلك كله أن تطبيق نموذج التوازن الفسيولوجي على المجتمع أو النسق الاجتماعي يفترض معرفة خصائص الحالة النموذجية للنسق أو للمجتمع، تلك التي توجد قبل حدوث اختلال التوازن، والتي يجب أن يعود إليها نتيجة العمليات التوازنية التي تظهر في مواجهة هذا الاختلال، وإذا كان تحديد الحالة المثالية أمراً ممكناً في حالة الكائن العضوي مثل عدد كرات الدم ودرجة الحرارة وسرعة النبض، فإن هذا التحديد الدقيق أمر متعذر بالنسبة للمجتمع.

وهناك اعتراض ثالث وجه إلى نموذج التوازن القائم على تطبيق نموذج التوازن الفسيولوجي على المجتمع، ففي الجسم العضوي هناك مجموعة من المراكز العصبية الكيميائية المحددة تحدث التوازن، يمكن تحديد مواقعها بدقة أما داخل المجتمع فإننا لا يمكننا أن نحدد مثل تلك العمليات والمراكز  بالدقة المذكورة.


شارك المقالة: