هارولد غارفنكل والمنهجية الإثنية في علم الاجتماع:
تعرض نهج التفاعليين إلى تحول جذري مع هارولد غارفنكل، الذي سيضع بكتابه دراسات في المنهج الإثني (1967)، أسس تيار جديد، هو المنهجية الإثنية، تأثر غارفنكل بفكر ألفرد شوتز (1899، 1959) الذي كان قد طرح أسس نظرية للتفاعل، بالنسبة لشوتز يجب على عالم الاجتماع أن يفهم المعنى الذي يعطيه الأفراد لفعلهم، وللقيام بذلك عليه أن ينفذ إلى التجربة المباشرة والمألوفة للأفراد.
أما غارفنكل ومن خلال الدراسة التي أجراها في مدرسة الحقوق في شيكاغو للطريقة التي يتشاور بها المحلفون، كان قد دهش من ملكتهم في التفكير وفي التقييم وفي المحاججة، وذلك من دون أدنى تأهيل قضائي.
سعى ليفهم كيف يتصرف المحلفون، وما هي الطرائق التي يعملون بها، وبدأ منذئذ يهتم بالمحاججات العملية التي يلجأ إليها الناس في الحياة اليومية لحياتهم الاجتماعية (المناهج الإثنية)، وغالباً ما تتم الإشارة إلى حالة آنييس الشاب الذي غير جنسه، والذي استجوبه غارفنكل، من أجل تبيان طريقة المنهجية الإثنية، حيث قرر آنييس تغيير جنسه وأصبح امرأة، وبعدها وجدت آنييس صعوبة في التصرف كـ”امرأة طبيعية”، تكشف هذه الصعوبات برأي غارفنكل، اﻷعمال الروتينية التي نجمت عنها الأنثوية، واعترف بها كما هي في الحياة الاجتماعية.
إنّ موقف أتباع المنهجية الإثنية يتضمن خطر الوصول إلى تحليل هو فقط تحليل وضعي ووصفي للعبة الاجتماعية، وفي سبيل تجاوز هذه العقبة سيسعى بعض علماء الاجتماع إلى استخلاص المبادئ المنظمة للتعاملات اليومية، ففي أحد كتبه الأخيرة، طرأت التجربة (1974)، وضع غوفمان المبادئ المعيارية التي تقود التفاعلات، والتي يحاول الباحثون استخلاص الفائدة منها.
ونجد هذا البحث عن تركيب المبادلات، عند وجه هام آخر هو آرون سكورل، الذي يعيد في السوسيولوجيا الإدراكية 1972، إحصاء عدد معين من البُنى العميقة للتفاعل، والتي يسميها تصرفات تأويلية.
ومن منظور شبيه قام تحليل المحادثات لهارفي ساكس وإمانويل شيغلوف، بدءاً من الستينات بدراسة المحركات الأساسية للمحادثات اللغوية، كيف يبدأ الحديث، وكيف ينتهي، وكيف تسلسل ترابط أدوار الكلام؟
كان للمقاربة التفاعلية ومشتقاتها العديدة صدى هام، ومع ذلك لم تتبين السوسيولوجيا نتائجها إلا بشكل متأخر في السبعينات، والآن ترجمت أهم أعمال غوفمان إلى الفرنسية، وأصبحت المنهجية الإثنية والمقاربة الإدراكية للاجتماعي، موضوع أبحاث ومساجلات عديدة في صميم جالية علماء الاجتماع الأوروبيين.