هل يمكن بالفعل أن يحدث التواصل بين الثقافات المتصارعة؟
لا يمكن الأخذ بشكل مستقل في عملية وجود ثقافة نقية متفردة تقوم بحد ذاتها بشكل مستقل عن باقي الثقافات الأخرى، ذلك لأن كل ثقافة تعتبر حصيلة تفاوت مجموعة من الثقافات المتعددة المترابطة، كل ثقافة هي وليدة مجموعة من العناصر الثقافية المتداخلة، كل ثقافة لم ينتهي تكوينها ولن ينتهي وذلك نتيجة احتكاكها الدائم في الماضي والحاضر والمستقبل بمجتمعات مختلفة متنوعة.
من غير السهل على الأفراد الفهم بهذا التمازج الثقافي؛ لأن الإدراك البشري انتقائي بالدرجة الأولى، يوجد في الثقافة المغربية مثلاً ما هو إسباني ويوجد في الثقافة الإسبانية ما هو عربي، على المرء إدراك أن الواقع الثقافي في أصوله كما في حاله المعاصر متعدد الثقافات.
إن القيام بالتأمل لكل ثقافة على حِدَة ليس في الحقيقة غير تأمل العديد من الثقافات المتداخلة، الأمر يُشبه تماماً التيه في مركبة فضائية في كون معقد غني ليس له باب دخول ولا باب عودة، لا بداية ولا نهاية، إن إدراك هذه النقطة بالذات خير دواء لمرض التعصب.
تنسق القصة التالية إلى أخد علماء الإجتماع من الإناث الأمريكية ماريغريت ميد، التي حاولت القيام بتعلم إحدى لغات الساكنة الأصلية للقارة الأمريكية من خلال إجراء عملية دلالية بسيطة، اهتمت بالإشارة بإصبعها للشيء مع طلب اسمه من أشخاص منتمين للساكنة الأصلية من باب تعلم لغتهم.
ولكنها كانت كلما أرادت السؤال عن شيء ما، كانت تتلقى في كل مرة نفس الرد ألا وهو مصطلح “شومومبو” كل شيء كان شومومبو، فأخذت تستغرب قائلة: “يا الهي! يا لها من لغة مملة! كيف لهم أن يُطلِقوا مصطلخ شومومبو على كل تلك الأشياء”، لم يتوقف الأمر هنا، إذ اكتشفَت بعد فترة من الزمن أن عبارة “شومومبو” تعني بكل بساطة الإشارة بالإصبع.
إن الهدف من التماسك بين الثقافات هو التنسيق، أو ابتكار نموذج تفاعلي يمنح معنى ويوفر انسجاما وتآلفاً وتوافقاً بين متحدثين، مشاركين أو متفاعلين من هويات ثقافية مختلفة. يعتمد النجاح النسبي للتواصل بين الثقافات المتباينة بشكل كبير على درجة فهم وقبول الآخر، بالإضافة إلى القدرة على تحديد أهم السمات المميِّزَة للثقافة المختلفة، بالرغم من توفر جل هذه العناصر أحيانا إلا أن التواصل يبقى مبتوراً في الكثير من الحالات، وذلك لأن التواصل الإنساني غير كامل بطبيعته، ولا يمكن التحدث عن تواصل إنساني مثالي متكامل.