وظائف النسق الاجتماعي عند بارسونز في علم الاجتماع:
يشير بارسونز إلى أن الأنساق الاجتماعية كي تستمر في الوجود يجب أن تؤدي أربع وظائف ضرورية وهي:
- الوصول إلى الهدف: يرجع السبب في وجود كل نسق اجتماعي إلى أن الفاعلين بداخله متفقون على الهدف الذي ترمي إليه الجماعة، ومعنى ذلك أنه بداخل بناء الأنساق الاجتماعية يوجد إطار من الوسائل والغايات، ولذلك يوجد عنصر الرشاد في كل نسق من العلاقات المنظمة لفاعلين يشغلون أوضاع المركز الاجتماعي.
ويرتبط بعضهم مع بعض من خلال الصور المعيارية لتحقيق الغرض الجماعي، وهناك أهداف جمعية يجب السعي من أجل تحقيقها، وهناك وسائل خاصة لتحقيق هذه الأهداف ومن خلال تنظيم العلاقات الاجتماعية عبر الصورة التخطيطية للوسائل والغايات يتجه النسق الاجتماعي نحو الأهداف التي وضعها لنفسه، أو التي وضعتها له وحدة بنائية كبرى مثل المجتمع.
- التكيف: يجب أن يتعايش كل نسق اجتماعي مع البيئة الاجتماعية، والمادية التي يعيش فيها، ومعنى هذا أن كل بناء جزئي داخل البناء الكامل، يجعل من مهمة التكيف وظيفته الأولية، أي يخضع الظروف الخارجية لمشيئته ويتحكم فيها حتى يكون من السهل عليه تحقيق هدفه، فكل مجتمع قومي يريد أن يشعر بالأمن في المجتمع الدولي.
ويتحقق هذا الهدف الأساسي عن طريق الحكومة، وهي بناء فرعي من المجتمع القومي، وإن الاقتصاد وهو الآخر بناء فرعي من المجتمع القومي، جزء من وظيفة تكيف المجتمع القومي مع البيئة، فقد ظهرت التكنولوجيا أثناء ممارسة الإنسان للنشاط الاقتصادي، أي أنها ظهرت من خلال النظم الاقتصادية المختلفة، وتهدف التكنولوجيا في الواقع إلى ضبط البيئة أو السيطرة عليها، غير أن بعض الوسائل التكنولوجية، مثل الطاقة الذرية، نشأت بفضل الجهود التي بذلتها الحكومة، أي أن بعض الأدوات التكنولوجية وجدت بفضل الاقتصاد، وبعضها الآخر وجدت بفضل الحكومة.
وهكذا يوضح المثال أن الوضائف الضرورية في المجتمعات المعقدة يؤديها عدد من الأبنية الفرعية، ومن الواضح أن وظيفتي التكيف وتحقيق الهدف متصلتان بطريقة ما بالبيئة الخارجية؛ ﻷن ميكانيزمات التكيف ترتبط بقوى خارجة عن النسق الاجتماعي، وكذلك قد يكون لتحقيق الهدف معنى عند وحدات البناء الاجتماعي الأخرى خارج الوحدة المرجعية المحددة، مثال ذلك أن إحدى الشركات قد تعمل على بناء مطار عسكري، وهذا الهدف الذي ترمي إليه الشركة قد يكون تكيف مع أهداف المجتمع القومي، هذا المجتمع الذي قد يرى في بناء هذا المطار وسيلة يستخدمها لربط بيئته وتحقيق أغراضة الوظيفية، ومعنى هذا وجوب الربط بين الوظائف التي يؤديها أي نسق فرعي، لكي يحقق أهدافه بوظائف وأهداف الوحدات الاجتماعية الأخرى.
- التكامل: إذا كانت وظيفة تحقيق الهدف والتكيف تشيران إلى الروابط والعلاقات بين الجماعة وبيئتها، فوظيفة التكامل لا تتناول سوى العلاقات التي تتم ضمن النسق الاجتماعي بالذات فدراسة وظيفة التكامل تلقي الضوء الكافي على المنظور السوسيولوجي.
ولعل المقارنة بين الجماعات الإنسانية، والأنساق الاجتماعية عند الحشرات من العوامل المساعدة على إلقاء الضوء على هذا المنظور السوسيولوجي، مجتمع الحشرات يشترك مع المجتمع الإنساني في أداء وظيفة تحقيق الهدف، ووظيفة التكيف، فكلاهما يقيم اقتصاداً حيث يتم إنتاج وتوزيع واستهلاك عدد من السلع والخدمات.
كما يعمل على استمرار النوع، وإلى جانب ذلك فمجتمع الحشرات كنسق اجتماعي يجب أن يتكيف مع البيئة الخارجية، بما فيها من طقس وبيئة جغرافية، وكائنات أخرى، ولمن استمرار مجتمع الحشرات في الوجود قائم على أساس بيولوجي؛ ﻷن الحشرات ترتبط ببعضها إرتباطاً اجتماعياً بسبب الاستجابات، وضرورات التفاعل التي تفرضها أجسامها وغرائزها وجهازها العصبي.
وبالتالي فإن سلوكها وصورها الاجتماعية تعبر عن قوى بيولوجية، وعضوية داخلية أي أن تكامل مجتمع الحشرات ودعم النمط فيه يتحقق من خلال العملية التكوينية، ويختلف الإنسان عن الكائنات الحية الأخرى، من حيث أنه يتصف بالمرونة والتكيف، والذكاء كذلك فإنه يخلق الثقافة ويوجد لها أسباب الاستمرار في الوجود، ويترتب على ذلك أن الأبنية الجماعية لا تتماسك في حياة الإنسان بطريقة أوتوماتيكية، ولكن عن طريق التكامل المعياري، والمعاني الرمزية المشتركة، الأمر الذي يلقي عبئاً ثقيلاً على الأنساق الاجتماعية عند الإنسان، وما دامت الأنساق الاجتماعية لا تعتمد على التساند البيولوجي، فإنه يجب أن يقوم الفاعلون بإعادة تكاملها، وإعادة مساندتها وتجديدها.
ومعنى ذلك أن ميكانيزمات التكامل تتطلب انتباهاً وجهداً مستمرين؛ ﻷن النسق الاجتماعي إذا فشل في أداء وظائفة فلن يستمر أي فرد في الوجود، ويشير التكامل إلى حالة قائمة بين الوحدات أي الجماعات الفرعية المكونة للنسق، وبذلك يصبح النسق متكاملاً إذا وجد التأثير المتبادل الوظيفي بين ثلاثة عناصر وهي الوسائل الثابتة أي المركز والدور، والأهداف الشخصية للفاعل مثل السعادة والأمن والمركز الاجتماعي، وأهداف النسق كإنتاج السلع والتنشئة الاجتماعية.
ومعنى ذلك أن التكامل هو تركيز العلاقات داخل النسق لتحقيق التضامن والتماسك، والاستقرار النسبي لنسق العلاقات، ومعنى ذلك أن عملية التكامل مستمرة لا تتوقف عند نقطة معينة، ومن الضروري استمرار تجديد ميكانيزمات التكامل، فليس هناك فاعل يتلقى تنشئة اجتماعية كاملة، كذلك لا يوجد نسق اجتماعي متوازن تماماً، ومناسب للبناء الداخلي للعلاقات، وقد تكون الأهداف الشخصية مدمرة ومخربة ﻷهداف الجماعة ومقاصدها الاجتماعية الإنسانية؛ ﻷنها غير ثابتة بل متقلبة، كل هذا يفرض علينا العمل على استمرار تجديد ميكانيزمات التكامل داخل النسق.
- دعم النمط وإدارة التوتر: يتصل دعم النمط وإدارة التوتر بالحالة الداخلية للنسق الاجتماعي فإذا كان التكامل يشير إلى العلاقات بين وحدات النسق الفاعلون والجماعات الفرعية، فإن دعم النمط وإدارة الصراع تشيران إلى حالة الفاعلين أنفسهم، إن الشخص أو الفاعل الاجتماعي، يشغل وحدة المركز أو الدور، وتتحدد صورته الأولية بالشكل المميز للتوقعات المعيارية.
فقد يكون الشخص اجتماعياً بصورة أساسية أو هامشية، وقد يكون غير مؤمن، وقد يشكو من الأنومي، وفقدان المعايير، ويتضح من ذلك أن النسق إذا كان يضم عدداً كبيراً من الفاعلين الذين يعانون من صراع الأدوار، ولا ينسجمون مع المعايير، فلن يوجد التكامل والإنسجام بين الصور الاجتماعية والضرورات والأغراض، وحتى يكون الفاعل متكاملاً مع البناء الاجتماعي لا بدّ أن يكرس قدراً كبيراً من الانتباه حتى تكون التنشئة الاجتماعية مناسبة وتبدأ التنشئة الاجتماعية في مرحلة الطفولة، وداخل الأسر بالذات.
حيث يتم تشجيع الطفل على تعلم وتقبل الصيغ الفكرية والمعيارية المميزه لنسق الثقافة، ثم يشارك بعد ذلك في كل أنواع التدريب والتعليم في السياقات النظامية المتخصصة، والهدف النهائي من ذلك تحقيق التكامل المعرفي للفاعل مع القيم والأبنية والمعايير الاجتماعية للنسق،كذلك فإن للشخصية بعداً آخر انفعالياً، وبالتالي توجد داخل النسق توترات انفعالية يجب ضبطها وإدارتها حتى لا يحدث اضطراب في أداء النسق لوظائفه العادية.
وتتم إدارة التوترات والصراع في بعض الأنساق في مجال العلاقات التي يوجهها المتغير النمطي الأول وهو العاطفة أو الوجدان مقابل الحياد،ومن ناحية أخرى توجد حدود يقف عندها احباط أو كبت أو ضبط التعبير الإنفعالي، فالأسرة كنسق اجتماعي تسمح بمجال واسع للتعبير عن التوتر، وبذلك تتيح فرصة للتعبير عن الإستجابة، أو التعبير الإنفعالي، وبذلك تخفف من التوتر، ويترتب على ذلك أنها تساعد أعضاءها على أداء وظائفهم بقدر أكبر من الفاعلية في المواقف الاجتماعية التي تتطلب الحسم الدقيق للتوترات.