رحلة الخط ضمن العصور المتعاقبة:
لقد بدأ الخط العربي بالنقش على الجدران أو ربما على الصخور من خلال رسم النقوش على تلك الجدران، بالإضافة إلى أنهم كانوا يرسمون تلك النقوش على عظام الحيوانات، وما النقوش التي نجدها في هذه الأيام إلا عبارة عن آثار يبحث عنها الإنسان ليتمكن من تحليل رموزها المكتوبة.
أما الشعراء والأدباء والمؤرخون فقد كانوا يلجؤون إلى المشافهة للتعبير عما يدور في داخلهم من مشاعر وأحاسيس، وليس هناك مثالاً يرسم في أذهاننا ويتناقله الناس من شعر أمرئ القيس أو عنترة العبسي الذين تفننوا في نقل مشاعره وأحاسيسهم من خلال أبيات من الشعر لتصل بين أذهان من يحبون، وهذا دلالة على أن الأفكار كانت تنقل بالمشافهة.
وفي هذا أيضاً حال الطبقة من البدو الذين كانوا يتناقلون أخبار الماء والكلاء من خلال إرسال رسول بينهم لينقل لهم أخبار قبيلة ما، أو ربما إن كانت إحدى القبائل قد تعرضت للغزو فإنهم يبعثون رسولهم لينقل لهم أخبار الغزو وكان ذلك أيضاً بالمشافهة.
بقي الحال كذلك ينقل بالمشافهة إلى أن وجد المؤرخون الصور ورسم الرموز بينهم خاصة تلك التي تقوم بأعمال التجارة ونقل البضاعة بين المدن والقرى فقد كانوا إذا ما مروا بعض التجار إلى طريق ما يقومون برسم الأسهم لمعرفة الطريق التي ساروا بها وكذلك كانت دليلهم للعودة إلى بيوتهم ومكان سكناهم.
ثمّ تطور الخط بعد ذلك إلى أن جاء الإسلام وأصبح لا يمكن أن يقومون برسم الآيات القرآنية برموز وصور لا تليق بكلام الله العظيم، وكان لا يمكن أن يلجأ الإنسان إلى رسم الحيوانات أو أجزاء من تلك الحيوانات ليتمكن من تفسير تلك الآيات القرآنية.
لذلك فقد حثّ الإسلام على القراءة وتعلم الخطوط ليتمكن من نشر الإسلام ونقل الآيات القرآنية كما هي دون زيادة أو نقصان؛ لأن الله تعالى قد حفظ القرآن الكريم بحفظه وتعهد لنا بحفظه من التحريف حيثُ أقسم الله تعالى بأن كلام الله محفوظ بحفظه إلى قيام الساعة حيثُ قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).
بعد ذلك جاء الخلفاء الراشدون الذين ساروا على نهج الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وجمعوا القرآن الكريم، وكتبوه في أوراق وعملوا منه نسخ عديدة لكي يبقى الإنسان يقرأه وحفظت منه نسخ عديدة وظلت إلى الآن.
وفي العصور المتعاقبة التي كتبت القرآن الكريم في خطوط متعددة ومنها خط النسخ وخط الرقعة، وكذلك خط الثلث. فقد كان وما زال الخط في القرآن الكريم من أجمل الخطوط التي عرفتها البشرية، لقد كان الرسم والزخرفة التي وجدت من أجمل ما رسمت اليد البشرية.
كما أن العهد الأموي وكذلك العهد العباسي كان قد رسم بعض الآيات القرآنية وعلى جدران الحائط وكذلك المساجد التي رسمت بأجمل الخطوط بالإضافة إلى الكعبة المشرفة التي رسمت بنقوش مزخرفة وجميلة، كما أن الخطاطون حريصون على تغير ستار الكعبة وتغير الرسوم والنقوش المطرزة.
لقد بدأت رحلة الخط بالمشافهة ثمّ انتقل للرسم والنقوش، وبعدها جاءت لتكتب بخطوط إما نبطية أو كوفية، أو لربما تكون خط النسخ، إلى أن أصبح الخط العربي يكتب كتب عديدة بالخط والقلم. أما في العصر الحديث فقد تطور الخط إلى أن أصبحت وسائل الاتصال الحديثة تغني عن الأدوات التقليدية مثل القلم والورق لكن حتماً بأن الطباعة قد حلت محل الأدوات الخطية بسرعتها في الكتابة والخط، ومع هذا لا يمكن أن يستغنى عن تلك الأدوات المفضلة لدى الجميع للكتابة.