من وجوه الإعجاز ومظاهرة البارزة في القرآن الكريم ما تضمنه من التشريع العظيم البالغ في الدقَّة، المتعلق بكل مظاهر الحياة العامة والخاصّة، فقد تناولها منذ البداية حتى النهاية، لم يترك جانباً من الجوانب إلّا ووضع له حلول من التنظيمات ما هو فريد من بابه، لم يسبق إليه شرع من قبله ولا لحق به تقنين بعده، ويدل على ذلك كأنّ التشريع كان ولا يزال يحسب حسابه في كل مجال يبحث فيه شأن التشريع، ومن يضعه من علماء هذا التخصص في مقدمة مصادرهم التي يستفيدون منها ويعتمدون عليها، وهذا كله رغم التباعد الزّمني ومرور العصور على القرآن، علماً بأنّ صاحبه – الذي ينسب إليه – لم يدرس في جامعات ولم يتخرج من كلية، كما لم يعهد عنه أنّه توفر على دراسة تشريع أو اجتمع بباحث، وبعض هذا آية الإعجاز، فكيف إذا اجتمع ؟!
مظاهر الإعجاز التشريعي .
- أنّ القرآن يبدأ بتربية الفرد لأهميته وأنّه السبب الأول لصلاح المجتمع، ويقيم تربيته على تحرير وجدانه وتحمله التبعه، يحرر وجدانه بعقيدة التوحيد التي تخلص من سلطان الخرافة والوهم، وتجلعه يشعر بأنّه مخلوق لله تعالى، يرجع إليه ويفنى كما يوجد بمشيئة الله تعالى ﴿هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡـَٔاخِرُ وَٱلظَّـٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمٌ﴾ [الحديد ٣]
وإذا تمّ تصحيح عقيدة المسلم المتمسك بالشريعة وأخذ بمنهج القرآن في الفرائض والعبادات التي هدفها إصلاح الفرد، وهي في الوقت نفسه ذات علاقة وثيقة بصلاح المجتمع، وحسب المسلم في تربيته أن يقف بين يدي الله خمس مرات في اليوم الواحد خمس مرات لكي تمتزج حياته بشرع الله تعالى، ويتخيل الوازع الأعلى نصب عينيه ما بين كل صلاة وصلاة ﴿ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَاۤءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۗ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ﴾ [العنكبوت ٤٥]
وناهيك عن الزكاة التي تزكي المسلم من شح نفسه، وترفع من مستوى البطالة والعوز في المجتمع، والحج كذلك فهو يربي في النفس روح الفضيلة وتقييمها على أساس صحيح مبني على الضوابط الصحيحة للنفس اللبشرية.
- ومن تربية الفرد ننتقل إلى بناء الإسرة ، والتي تعتبر النواة الصحيحة لبناء المجتمع فشرع الزواج استجابة لغريزة الجنس، وإبقاء النوع الإنساني في تناسل طاهر ونظيف، وقام الزواج على أساس من المودة والرحمة ﴿وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِۦۤ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَ ٰجࣰا لِّتَسۡكُنُوۤا۟ إِلَیۡهَا وَجَعَلَ بَیۡنَكُم مَّوَدَّةࣰ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم ٢١]
- ثم يأتي تقرير نظام الحكم الذي يقوم على أساس الشورى والمساواة ومنع وحجب الظلم، والحكم بشرع الله تعالى.
- ثم يأتي تقرير الأحكام التي من شأنها صيانة الكليات الخمسة ، وهي حفظ العقل، وحفظ النفس، وحفظ الدين، وحفظ النسب، وحفظ العرض.