الفلسفة الذرية لأبيقور

اقرأ في هذا المقال


تم إحياء مذهب ديموقريطس الذري في الفترة الهلنستية المبكرة، وتأسست مدرسة ذرية في أثينا حوالي عام 306 من قبل أبيقور (341-270 قبل الميلاد)، حيث شكّل الأبيقوريون مجتمعًا مغلقًا أكثر من المدارس الأخرى وروجوا لفلسفة حياة بسيطة وممتعة تعيش مع الأصدقاء، حيث كان المجتمع يضم نساء وقام بعض أعضائه بتربية الأطفال، وتم تبجيل أعمال المؤسس وتم حفظ بعضها، وهي ممارسة قد تثبط الابتكار الفلسفي من قبل أعضاء المدرسة اللاحقين.

الذرية بين الأبيقورية وديموقريطس:

يبدو أنّ أبيقور قد تعلم العقيدة الذرية من خلال نوسيفانيس التابع لديموقريطس، ونظرًا لأنّ أبيقور أجرى بعض التغييرات المهمة في النظرية الذرية، فغالبًا ما يُعتقد أنّ إعادة صياغته للنظرية الفيزيائية هي محاولة للرد على انتقادات أرسطو لديموقريطس، ولكن الأهم من ذلك هو زيادة مركزية الاهتمامات الأخلاقية بالنسبة إلى مذهب أبيقور الذري، وأهمية وجهة النظر القائلة بأنّ الإيمان بالنظرية الفيزيائية الذرية يساعدنا على عيش حياة أفضل.

يأخذ أبيقور بعين الاعتبار مشكلة أدركها ديموقريطس بنفسه، وهي أنّ النظرية الذرية تهدد بتقويض نفسها إذا أزالت أي ثقة يمكننا وضعها في دليل الحواس، من خلال الادعاء بأنّ الألوان وما إلى ذلك غير واقعية، ولقد قال بشكل سيء السمعة إنّ (كل الإدراك صحيح)، ويميّز على ما يبدو بين العمليات السببية التي تؤثر على حواسنا، والتي تنشأ جميعها من أغشية الذرات المنسلخة من الأشياء، والأحكام التي نتخذها على أساسها والتي قد تكون خاطئة.

يعتمد التفكير في الحقائق حول الأشياء غير الظاهرة -مثل وجود الذرات- على دليل الحواس، وهو أمر صحيح دائمًا من حيث أنّه يتكون من تأثيرات من أغشية موجودة بالفعل، وبالنسبة لظواهر معينة مثل أحداث الأرصاد الجوية يؤيد أبيقور وجود العديد من التفسيرات الصحيحة، معترفًا بأنّه قد لا يكون لدينا دليل على تفضيل تفسير على الآخر.

ربما كان أبيقور أقل انزعاجًا من أي شكوك معرفية بسبب تركيزه على قيمة النظرية الذرية لتعليمنا كيف نعيش حياة هادئة وساكنة، وإنكار أي إقرار إلهي للأخلاق وإصراره على أنّ تجربة اللذة والألم هي مصدر كل قيمة، كما اعتقد أبيقور أنّه يمكننا التعلم من الفلسفة الذرية أنّ السعي وراء الملذات الطبيعية والضرورية -بدلاً من الرغبات المضللة التي يغرسها المجتمع- سوف يُسعد الإنسان سهل المنال.

في الوقت نفسه سوف نتجنب الآلام الناتجة عن السعي وراء ملذات غير طبيعية وغير ضرورية، وإنّ فهمنا على أساس النظرية الذرية أنّ مخاوفنا من الآلهة والموت لا أساس لها من الصحة، وسيحررنا من آلامنا العقلية الرئيسية.

التغييرات التي عمل عليها أبيقور على النظرية الذرية:

أجرى أبيقور تغييرات كبيرة على النظرية الفيزيائية الذرية، وقد تم إرجاع بعض هذه التغييرات إلى انتقادات أرسطو لديموقريطس، ويبدو أنّ ديموقريطوس لم يميز بشكل صحيح بين أطروحة عدم قابلية الذرات الفيزيائية للتجزئة وأطروحة عدم قابليتها للتجزئة المفاهيمية، وهذا يثير مشكلة حول كيفية تكوين الذرات لأجزاء، كما يتضح من الاختلافات في الشكل أو قدرتها على تكوين الحجم، ولمس بعضهم البعض في سلسلة من جوانب مختلفة، وقد ميّز أبيقور بين الاثنين، مؤكدًا أنّ الذرات غير القابلة للتجزئة لها أجزاء مميزة من الناحية المفاهيمية ولكن كان هناك حد أدنى لهذه الأجزاء.

تختلف وجهة نظر أبيقور أيضًا عن حركة الذرات عن نظرة ديموقريطوس، وبدلاً من الحديث عن حركة نحو مركز كون معين ربما تكونت من الدوامة الكونية، ويمنح أبيقور الذرات ميلًا فطريًا إلى الحركة الهبوطية عبر الكون اللامتناهي، والاتجاه الهابط هو ببساطة الاتجاه الأصلي للسقوط الذري، وقد يكون هذا رداً على انتقادات أرسطو بأنّ ديموقريطوس لا يوضح سبب وجود الحركة الذرية، بل مجرد قوله إنّها أبدية وأنّها تتواصل عن طريق الاصطدامات.

علاوة على ذلك على الرغم من أنّ هذا لم يتم إثباته في الكتابات الباقية لأبيقور، فإنّ المصادر الموثوقة اللاحقة تنسب إليه فكرة أنّه ينتمي إلى طبيعة الذرات من حين لآخر لإظهار انحراف طفيف، وخلاف ذلك غير مسبب عن مسارها الهبوطي، ويُعتقد أنّ هذا يفسر سبب دخول الذرات في تصادمات منذ وقت غير محدود بدلاً من السقوط في مسارات متوازية، وكما قال لوكريتيوس للدخول في حساب الفعل والمسؤولية، فقد اقترح العلماء عددًا من التفسيرات البديلة حول كيفية عمل ذلك.

يبدو أنّ أبيقور قد اتخذ وجهة نظر مختلفة حول طبيعة الخصائص، نافياً ادعاء ديموقريطوس بأنّ الخصائص المدركة لا توجد إلّا من خلال العرف، ودافع خليفته بوليستراتوس كذلك عن ادعاء بشأن حقيقة الممتلكات بما في ذلك الخصائص العلائقية، وعلاوة على ذلك مع استعادة أدلة برديات جديدة نشأ الجدل حول مدى رفض أبيقور لمحاولة ديموقريطوس تفسير جميع العمليات السببية بخصائص الذرات والفراغ وحده.

أعمال أبيقور الذرية المحفوظة:

على الرغم من أنّ أفكار أبيقور كانت معروفة منذ فترة طويلة من خلال ثلاث رسائل باقية محفوظة في سيرة ديوجينس لايرتيوس، إلّا أنّه لم تتوفر نسخة من عمله الأطول عن الطبيعة، ومع ذلك بعد أعمال التنقيب في المكتبة الأبيقورية في هيركولانيوم التي دفنها ثوران بركاني تم استعادة بعض أجزاء هذا العمل، ومع ذلك فإنّ العديد من اللفائف التي تم العثور عليها تالفة بشدة، ولا يزال تفسير هذه المواد المستعادة حديثًا مستمرًا.

تحتوي مكتبة هيركولانيوم على الكثير من أعمال أبيقوري فيلوديمس، حيث كتب فيلوديمس على نطاق واسع بما في ذلك تاريخ الفلسفة والأخلاق والموسيقى والشعر والبلاغة والعواطف، كما كتب أطروحة حول نظرية العلامات، حيث نظرًا لأنّهم تجريبيون معتقدين أنّ كل المعرفة تأتي من تجربتنا الحسية، فقد كان الأبيقوريون فيما بعد مهتمين بأساس معرفتنا بالأمور غير المحسوسة مثل الذرات، وانخرطوا في نقاش مكثف مع الرواقيين حول أسباب الاستدلالات على الكيانات غير المحسوسة.

على الرغم من أنّ مذاهب أبيقور تعلم قيمة الحياة الهادئة في مجتمع أبيقوري المصمم خصيصًا وتندد بالبحث عن الشهرة، فإنّ النظرية الذرية تعتبر أيضًا علاجًا للمشكلات التي يعاني منها الآخرون خارج المجتمع، وهناك بالتأكيد نصوص أبيقورية مكتوبة من أجل جمهور أوسع.

إلى جانب الرسائل التي كتبها أبيقور نفسه يلخص عقائده، حيث كتب الفيلسوف الأبيقوري لوكريتيوس (المتوفى 50 قبل الميلاد) قصيدة لاتينية طويلة تدعو إلى أفكار أبيقور للجمهور الروماني، ويوضح لوكريتيوس ولاءه الوثيق لآراء أبيقور، ويقدم تفاصيل حول بعض الموضوعات أكثر من تلك التي نجت من عمل أبيقور نفسه مثل سرد موسع لأصول المجتمع البشري والمؤسسات.

كتب شيشرون وهو معاصر أقل تعاطفاً مع لوكريتيوس عددًا من الأعمال اللاتينية التي يقدم فيها متحدث باسم أبيقوري مذاهب المدرسة، ونشر ديوجين أوينواندا المذاهب الأبيقورية في آسيا الصغرى ونقشها على جدار ستوا في مسقط رأسه، ونتج عن التنقيب عن هؤلاء منذ القرن التاسع عشر أيضًا نصوصًا جديدة تهدف إلى تحويل المارة إلى النظرية الأبيقورية، ويؤرخ سميث 1993 في أحدث طبعته لنص النقوش إلى أوائل القرن الثاني الميلادي.

المصدر: The Philosophy of Logical AtomismATOMISM IN ANCIENT MEDICAL HISTORYAtomismDemocritus (mid 5th–4th century BC)Atomism: Science or Philosophy?Furley, David J. Two Studies in the Greek Atomists, Princeton, NJ: Princeton University Press, 1967.Furley, David J. The Greek Cosmologists vol 1: The Formation of the Atomic Theory and its Earliest Critics, Cambridge: Cambridge University Press, 1987.


شارك المقالة: