استنوق الجمل

اقرأ في هذا المقال


يتميز كل شعب من شعوب الأرض بموروثه الثقافي الذي يملكه، والذي يصوّر للأجيال اللاحقة الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي سنتناوله لاحقًا، هو: “استنوق الجمل”.

من صاحب مثل “استنوق الجمل”؟ وما معناه؟ وفيم يضرب

أما مثل: “استنوق الجمل”، فيُنسب هذا القول إلى شاعر جاهلي من شعراء المعلقات، هو: “طرفة بن العبد”، وذلك عندما كان صغيرًا في السن، إذ سمع شاعرًا يقول: “وقد أتناسى الهم عند احتضاره بناج عليه الصيعرية مكدم”، فقال طرفة لما سمع هذا البيت: استنوق الجمل، أي أن الجمل فقد فحولته وصار ناقة، وقد انتشر هذا المثل، وصار يضرب في الحالات التي يُشاهد فيها القصور والعجز وتبادل الأدوار ممن لا نتوقع منهم إلا أن يكونوا على أصلهم.

سبب ضرب مثل “استنوق الجمل”

أما عن سبب قول الشاعر طرفة بن  العبد لمثل: “استنوق الجمل”؛ وذلك لأن الصيعرية قلادة توضع في رقبة الناقة، وليس الجمل، والمقصود من البيت الذي قاله الشاعر: أنه إذا حلت الهموم، وأصابني الغم؛ فإني أفرج عن نفسي بركوب جمل سريع مجرّب، وقد شاع هذا المثل، وصار يضرب عندما نرى حالات من القصور والعجز وتبادل الأدوار، وبالقياس على هذا يمكن أن نقول: “استديكت الدجاجة، أو استرجلت المرأة، أو استنعج الكبش، أو استحمر الحصان”.

مثل “استنوق الجمل” في مظاهر الحياة

في هذه الأيام يرى المرء خيولًا وحصنًا عربية كثيرة، كانت أصيلة قد استحمرت، وأضحت حميرًا ترفع الصوت عاليًا بالنهيق، رضوخًا لأوامر أسيادهم، أو تنازلًا أما إغراءات المال، أو رغبة في المناصب والشهرة والمال، وربما كبريات الدول قد استنعجت، وصارت نعجة، فنحن نعيش في هذا الزمان الذي استنوقت فيه الجمال، واستديكت فيه الدجاج، واستحمرت فيه الخيول، وقد يكون القادم اعظم، إذ يبدو الضعف والعجز ممن لا يليق به.

يُعتبر مثل “استنوق الجمل” من الأمثال العربية القديمة التي مازالت مستخدمة حتى يومنا هذا. ويُعبر عن تغير سلوك الشخص أو صفاته بشكل مفاجئ، ويُستخدم للتعبير عن القصور والعجز وتبادل الأدوار.


شارك المقالة: