صعوبات في فهم عمل أندرسون الفلسفي

اقرأ في هذا المقال


أدرج جيلبرت رايل الفيلسوف جون أندرسون ضمن كبار السن الذين سبقوا جيله من الفلاسفة مثل راسل ومور وفيتجنشتاين وبرادلي وستاوت وماك تاغرت وألكسندر وليرد وكيمب سميث، وبالنسبة لرايل كان جيل أندرسون يمثل العصابة القديمة والعديد من منتجات أولئك المهيمنين على المعلمين الأسكتلنديين الذين أسسوا الفلسفة كنظام أكاديمي في الجامعات الناطقة باللغة الإنجليزية حول العالم.

قراءة رايل لفلسفة أندرسون:

كان أندرسون معاصرًا تمامًا للفيلسوفان فيتجنشتاين وهايدجر ولكنه كان أكبر من رايل نفسه بسبع سنوات فقط، ولكن يبدو أنّ رايل لديه وجهة نظر في اقتراح فجوة بين الأجيال التي فصلته عن: “التقوى والتقاليد والروايات والمعدات- نعم والفتات أيضًا”.

كما كان رايل يصف جيل الفلاسفة الذين كانوا بالغين قبل أو أثناء الحرب العظمى، ولقد تعرّف على أندرسون فقط في الخمسينيات من القرن الماضي، وقد صُدم بالطريقة التي واصل بها أندرسون شكلاً من أشكال الفلسفة في العصر الحديث والذي أفسح المجال في مكان آخر لفلسفات أكثر اهتمامًا بالاستخدام اللغوي، وعلى الرغم من هذا الاعتراف بالتحديات التفسيرية، وبالنسبة للعديد من أتباع أندرسون أساء رايل في ذلك الوقت فهم عمل أندرسون بشكل جذري، حيث قرأه من منظور المنعطف اللغوي.

قراءة القراء المعاصرين لفلسفة أندرسون:

بالنسبة للقراء الحاليين هناك بالفعل العديد من العقبات التي تحول دون تناول أعمال أندرسون، فأعماله المنشورة وهي مقالات في المقام الأول للمجلة الأسترالية للفلسفة وعلم النفس وفي المجلات والصحف المحلية صعبة بدون سياق التدريس الأوسع لأندرسون، ويُنظر إليهم عمومًا على أنّهم تابعون للمحاضرات ومناهج التدريب المهني في أندرسون، كما يبدو أنّه تم كتابتها لصالح الطلاب الذين لديهم بالفعل قيمة اتصاله الشخصي.

بدون هذا الاتصال يجب أن نعتمد على نشر عدة سلاسل من ملاحظات المحاضرات من أوراق أندرسون بواسطة مطبعة جامعة سيدني، حيث إنّ عزلة أندرسون عن نظرائه المثقفين وتردده الواضح في الانخراط في نقاش دولي يحرم الطلاب المعاصرين أيضًا من فرصة تحديد موقع عمله في منطقة مألوفة أكثر.

تكمن إحدى نقاط الوصول إلى عمل أندرسون للطلاب المعاصرين بالطبع في عمل طلابه مثل ديفيد ماليت أرمسترونج وجون باسمور وجون ليزلي ماكي، ولكن هناك خطر حتى هنا من أنّ تخصصاتهم قد تشوه نظرتنا لعمل أندرسون ككل، حيث كان أندرسون كما أشار باسمور اختصاصيًا عامًا، وعلى عكس الجيل التالي كان يتوقع أن تنفتح جميع مجالات البحث الفلسفي على بحثه وأن تمتد فلسفته إلى جميع المجالات ومنها: المنطق والميتافيزيقا والأخلاق والفكر السياسي وعلم الجمال والتعليم.

قراءة موقف أندرسون الفلسفية:

يصف أندرسون موقفه بشكل مختلف على أنّه تجريبي وواقعي وطبيعي وفيزيائي ووضعي وتعددي، معتبراً كل واحدة من هذه الجوانب المختلفة للفلسفة التجريبية الحقيقية، ولكن استخدامه لهذه المصطلحات يمثل مشكلة بالنسبة للمبتدئين، بحيث لا تملك التجريبية لأندرسون وقتًا لوجهات نظر تمثيلية للحقيقة ولا للكيانات التجريبية التقليدية لبيانات أو أفكار المعنى، فالتجريبية لأندرسون هي عقيدة وجودية تؤكد على طريقة واحدة للوجود ننتمي إليها نحن كمحققين.

بينما تلتزم بلا شك بالتحقيق التجريبي والطبيعة غير المعصومة لجميع الادعاءات الافتراضية، فإنّ التجريبية لأندرسون ليست سوى وجهة نظر معرفية تتعلق بكيفية معرفة الأشياء داخل هذا العالم المكاني الزماني.

كما ترفض واقعية أندرسون الخيارات الواقعية، فالاسمية التقليدية فيما يتعلق بوجود المسلمات، بحيث يتم إحضار المسلمات إلى الأرض (المكانية والزمانية)، ولكن لا توجد أشياء مثل المسلمات الخالصة أو التفاصيل البحتة خارج أدوارها داخل حالات العلاقات المعقدة.

أما العقلية هي نتاج العمليات الفيزيائية والكيميائية في الدماغ ولكن هذا لا يمنع بحثنا عن طبيعة العقل كمجال من الميول والمشاعر والعواطف المتضاربة، ومهما تخبرنا العلوم الخاصة عن مواضيعها الخاصة تحتفظ الفلسفة بسلطتها في مسائل المنطق أي فيما يتعلق بشروط إمكانية الخطاب، وفي الواقع العلم الحديث مصاب بشدة بالآراء الأداتية والتكنولوجية لتحقيقاته ويحتاج إلى أن يصبح أكثر فلسفية ونقدية حقًا، وأكثر اهتمامًا بتأسيس ما هو الحال في مجالات محددة، وأقل اهتمامًا بكونه عمليًا ومفيدًا فيما يتعلق بالاحتياجات المجتمعية المتصورة.

إذن فالوضعية بالنسبة لأندرسون هي التزام بما هو موضوعي وإيجابي للقضية وليست برنامجًا للحقيقة الأداتية أو العملية، ولا وسيلة للتمييز بين الأقوال ذات المعنى والألفاظ التي لا معنى لها، ودعوة أندرسون إلى علم الأخلاق ليست استيعابًا للبحث الأخلاقي في معايير العلوم الخاصة، كما إنّه نداء لإجراء تحقيق موضوعي للأخلاق يركز على الصفات الأخلاقية القائمة للأنشطة البشرية، وبدلاً من التقوى في الفلسفة الأخلاقية التقليدية: أي أسئلة الحق والالتزام والواجب وما إلى ذلك.

كان رايل أول من اتُهم بإساءة قراءة أندرسون، ولطالما بدت الانتقادات الموجهة لموقف أندرسون من داخل فلسفة اللغة الإنجليزية السائدة لأتباعه أنّها أخطأت بصمتهم، ولقد فشلوا عمومًا في التعرف على الأساس الأنطولوجي وغير التمثيلي وغير الدلالي لنزعته التجريبية، ويسرد نقد ورفض روبرت براندوم الأخير للالتزامات النظرية والتفسيرية والاستراتيجية التي تحفز الفلسفة الأنجلو أمريكية في القرن العشرين هذه على النحو التالي: التجريبية والطبيعية والتمثيل والذرة الدلالية والشكليات حول المنطق والذرائعية حول المعايير العملية.

كما إنّه لأمر غير عادي ألّا تلمس أي من هذه الميزات التي تم انتقادها فلسفة جون أندرسون كما هي (على الأقل كما يوضحها براندوم)، ويعتبر براندوم فكرة الحقائق والحالات الواقعية رمزًا للفكر الذري التمثيلي، حيث كان أندرسون ليجيب بحزم كما فعل على انتقادات جيلبرت رايل التمثيلية: “هذا ليس شيئًا بالنسبة لي”.

إن العديد من المشاكل التي يواجهها القراء المعاصرون في أعمال أندرسون ناتجة عن عزلته الدولية النسبية، ولكن بالنسبة للعديد من طلابه كان الموقف التقليدي الانفصالي لأندرسون بالتحديد هو المفتاح للقيمة العظيمة لتعليم أندرسون، وربما يكون قد فشل في مشروعه، لكنه أبقى على قيد الحياة في سيدني قيمًا ثابتة للبحث الفلسفي التقليدي في وقت كانت فيه الفلسفة السائدة إما مهووسة بالاستخدام اللغوي من ناحية أو باحترام للعلوم الطبيعية من ناحية أخرى.

وقد توقع العديد من طلاب أندرسون أنّ تعود فلسفته إلى الظهور بشكل أقوى بعد الانحدار الحتمي للفلسفة اللغوية والاهتمام المتجدد بالأسئلة الميتافيزيقية التي أعقبت هذا الانحدار، ولكن إذا لعب عمله أي دور في هذا التجديد فقد كان ذلك بشكل غير مباشر فقط من خلال عمل تلميذه ديفيد ماليت أرمسترونغ، ولا يشير الفلاسفة المعاصرون المهتمون بالأسئلة الميتافيزيقية إلى عمل أندرسون وهم بصراحة في حيرة من حماس أرمسترونج لعمل معلمه، ويوجد أندرسون اليوم بشكل حصري تقريبًا في هوامش طلابه الأكثر تفاعلًا وإنجازًا.

المصدر: John Anderson (1893-1962)John AndersonAnderson, John (1954) ‘Politics and Morals,’ Australasian Journal of Philosophy 32: 213-22.Anderson, John (1958) ‘Realism’ The Australian Highway (Journal of the Workers Educational Association, Australia): Sept. pp 53 -56.Anderson, John (1959)‘The Illusion of the Epoch’ Australasian Journal of Philosophy 37: 156-67.


شارك المقالة: