فلسفة أستل المعرفية والميتافيزيقية

اقرأ في هذا المقال


تجسدت جميع تناقضات الفترة التي نسميها التنوير في حياة وكتابات ماري أستل، الفيلسوفة والمثقفة النسوية التي عاشت من عام 1666 إلى عام 1731، ولقد دافعت عن حق المرأة في حياة فكرية مستقلة لكنها أيدت الملكية المطلقة في حالة، وكانت تؤمن بالعقل لكنها لا تثق في مادية الطريقة الجديدة للأفكار، ومع ذلك كان مفهومها عن السماء فكرة عقلانية فهي مكان حيث تكون كل المعرفة كاملة وتوضح جميع الألغاز.

نظرية المعرفة لأستل:

يمكن العثور على إرشادات أستل حول كيفية اكتساب المعرفة في الجزء الثاني من اقتراحها في عام 1697، ففي هذا العمل يعتبر نهج أستل المعرفي عقلانيًا بشكل واضح بقدر ما تعتبر المعرفة قائمة على العقل وحده، وتنكر إمكانية الوثوق بالتجربة الحسية كدليل موثوق للحقيقة.

كما أنّ تعريفها الصارم للمعرفة هو: “ذلك التصور الواضح الذي تتبعه الموافقة القوية على الاستنتاجات المستمدة بشكل صحيح من المباني التي لدينا أفكار واضحة ومتميزة عنها”، ومثل رينيه ديكارت في كتابه مبادئ الفلسفة عام 1644 تعتبر أستل الإدراك واضحًا عندما يكون في متناول عين العقل ويكون انتباه العقل ثابتًا عليه، ويكون الإدراك متميزًا عندما لا يكون واضحًا فحسب بل يكون أيضًا خاصًا ومتميزًا عن كل الأشياء الأخرى، وإذا كانت الفكرة واضحة ومميزة في نفس الوقت فلا يمكننا في رأي أستل حجب موافقتنا عليها (لا يسعنا إلّا أن نؤكد أنّها صحيحة) دون الإساءة إلى العقل.

تدعي أستل أنّه يمكننا الحصول على المعرفة من خلال التأكيد فقط على تلك الأفكار الواضحة والمتميزة، وللقيام بذلك يجب أن نتعلم كيفية تنظيم الإرادة والقوة الفعالة للعقل لتأكيد أو إنكار أفكار الفهم، فالإرادة هي الملام عندما نقع في أحكام خاطئة، ونحن فقط ننحرف حقًا لأنّ الإرادة توافق بحماقة على أكثر مما تدركه، وبدلاً من الاهتمام بأفكار التفاهم فتسرع وتصدر أحكامًا متهورة خارج نطاق أفكارها.

لا يمكننا تنظيم الإرادة بنجاح وفقًا لأستل حتى نتعلم كيف نضبط عواطفنا أو مشاعرنا، ويمكن لبعض المشاعر مثل الكبرياء والغرور أن تمنعنا من الانخراط بشكل صحيح في البحث عن الحقيقة، وعندما نواجه حقيقة تتعارض مع فكرتنا الخاطئة عن المصلحة الذاتية على سبيل المثال فإننا نغمض أعيننا عنها ونرفض قبولها بشكل غير معقول.

وفقًا لذلك من وجهة نظر أستل يعتبر فك الارتباط الصحي عن الأشياء الدنيوية خطوة أولى مهمة نحو تحقيق الوضوح والتميز، ولتحقيق هذه الغاية في كل من مقترحاتها تجادل أستل في ضرورة وجود معتكف أكاديمي للنساء حتى يتسنى لهن الانسحاب من عجلة وضجيج العالم اليومي (مؤقتًا على الأقل) وتركيز انتباههن على موضوعات نبيلة.

والأهم من ذلك أنّها ليست مهتمة بأن تكتسب النساء المعرفة لمصلحتها الخاصة، ولكن بالأحرى كوسيلة لتحقيق السعادة الدائمة في هذه الحياة وفي الحياة التالية، ومن وجهة نظرها العقل هو النور الطبيعي الذي وضعه الله في أذهاننا حتى نتمكن من مواءمة أنفسنا مع إرادته والانضمام إليه.

لتحقيق كل من الحقيقة والسعادة يجب على المرأة اتباع قواعد موثوقة للتفكير، وتحمل قواعد أستل الستة تشابهًا ملحوظًا مع مجموعة قواعد ديكارت الخاصة في خطاب حول المنهج عام 1637، بالإضافة إلى قواعد أتباعه أرنو ونيكول في منطقهم أو فن التفكير في عام 1662، وتقول إنّه في أي استفسار معين بأنّه:

1- يجب أن نكتسب فكرة مميزة عن موضوعنا وفهمًا دقيقًا لأي مصطلحات أساسية.

2- ثم يجب أن نتجنب الانحراف في أي موضوعات غير ضرورية أو غير ذات صلة، وأن نتصرف بأفكارنا بترتيب طبيعي ومنطقي.

3- يترتب على ما سبق أنّه يجب علينا دراسة أبسط الموضوعات أولاً قبل التقدم إلى دراسة الأمور الأكثر تعقيدًا.

4- يجب أن نحرص على فحص موضوعنا بدقة وفقًا لكل جزء من أجزائه والتأكد من عدم ترك أي جزء دون فحص.

5- يجب أن نحافظ على تركيزنا ثابتًا على الموضوع المطروح.

6 أخيرًا والأهم من ذلك يجب ألّا نحكم على أي شيء أبعد مما نتصور، ويجب ألّا نؤكد صحة أي شيء ما لم يكن معروفًا بلا منازع أنّه كذلك.

في عملها اللاحق الدين المسيحي تنحرف أستل عن نظرية المعرفة ديكارت من خلال اقتراح أنّ إدراك الحقيقة هو مشاركة في عقل الله، وفي هذا الصدد تقترب أستل من معاصريها الديكارتيين غير التقليديين نوريس وماليبرانش فكلاهما ينكر وجهة نظر ديكارت بأنّ أفكارنا فطرية ولدت في داخلنا وفي أذهاننا، وبدلاً من ذلك تشترك وجهة نظرها مع نظرية أوغسطين المضيئة في أنّ العقل البشري قادر على فهم الأفكار فقط عن طريق النور الإلهي.

ميتافيزيقيا العقل والجسد:

يمكن العثور على حجة أستل للتمييز بين الروح والجسد أحد الاقسام من ديانتها المسيحية المضمنة في حجة أكبر ضد عقيدة لوك في (مسألة التفكير)، وتبدأ أستل نقدها للوك باستفسار عن طبيعة (الشيء الذي يفكر فينا) هل هو غير مادي؟ أم يمكن أن يكون ماديًا كما يبدو أنّ لوك يقترح في مقالته حول الفهم الإنساني في عام 1690؟ ورداً على ذلك أشارت إلى حقيقة أنّ العقل له خصائص ومشاعر مختلفة تمامًا عن الجسد، وأنّه يمكننا الحصول على فكرة كاملة عن العقل كشيء تفكير دون اعتباره معتمدًا على فكرتنا عن الجسد أو مرتبطًا بها كمادة ممتدة.

ولكن إذا كان بإمكاننا الحصول على فكرة كاملة عن شيء ما في استقلالية فكرة كاملة عن شيء آخر كما تقول فإنّ هذين الشيئين مختلفين حقًا، وبالتالي فإنّ العقل والجسد متميزان، وتقول كونترا لوك إنّه يمكننا التأكيد على أنّ فكرة التفكير في الوجود تستبعد الامتداد، وأنّ فكرة الوجود الممتد تستبعد الفكر.

مثل ديكارت تؤكد أستل أنّ الإنسان يتكون من مادتين:

1- الروح (أو العقل) وهو شيء مفكر.

2- الجسد وهو مادة ممتدة.

ومع ذلك فإنّها تدلي ببعض العبارات الواضحة حول كيفية تحرك الروح للجسد (السببية بين الروح والجسد) أو كيف يتسبب الجسد في الأحاسيس (السببية بين الجسد والروح)، ويبدو أنّ بعض تصريحاتها تشير إلى أنّها تؤيد نظرية عرضية للسببية بين الجسد والروح، ووفقًا لأحد المعارضين مالبرانش فلا تمتلك الجسد ولا الأرواح أي فعالية سببية حقيقية، حيث فقط الله لديه القوة السببية لإحداث تعديلات في العقل البشري.

في أحد فقرات دينها المسيحي تقترح أستل أنّ الله هو السبب الحقيقي لكل الإحساس، ويبدو أنّها تنفي أنّ الأشياء المادية لها أي قوة لإحداث تغييرات في أرواحنا، ومع ذلك يجب وضع هذه الملاحظات في سياق رد أستل على داماريس كودوورث ماشام الفيلسوف اللوكي الذي هاجم بشدة المثل الأخلاقية والميتافيزيقية مالبرانش لرسائل أستل نوريس، وفي المقطع المعني النقطة الرئيسية لأستل هي أنّه حتى لو اعتنقنا تلك المثل العليا مالبرانش دون نقد فليس من الواضح أنّها ضارة بالأخلاق كما يقترح مشام.

تشير تصريحات أخرى إلى أنّ أستل تحمل موقفًا تفاعليًا ديكارتيًا أرثوذكسيًا حول السببية بين الروح والجسد والروح، وفي الرسائل أثارت اعتراضين على وجهة نظر نوريس بأنّ إرادة الله هي السبب الحقيقي الوحيد لأحاسيسنا، وأنّ الأجساد غير قادرة على ممارسة تأثير سببي على الأرواح، فالاعتراضين هما:

1- أولاً تشير إلى حقيقة أنّه إذا كانت الأشياء المعقولة هي سمات زائدة عن الحاجة لخليقة الله، كما يقترح نوريس فإنّ هذا يسيء إلى فكرتنا عن الله باعتباره خالقًا مثاليًا وحكيمًا للغاية.

2- ثانيًا تشير إلى أنّ وجود أسباب ثانوية حقيقية أكثر ملاءمة لجلالة الله، لأنّه إذا كانت هذه الأسباب موجودة فلا داعي للتدخل المستمر في خليقته، وكبديل عن العرضية تدعم أستل وجهة النظر القائلة بأنّ هناك قوة طبيعية تطابق معقول في الأجساد تمكنهم من إحداث الأحاسيس في الروح، وفي الاقتراح الثاني تتخذ أستل أيضًا موقفًا ديكارتيًا أرثوذكسيًا من خلال اقتراح أنّ الجسد يميل إلى إحداث انطباعات على الروح وأنّ الروح لديها قوة نشطة لإحداث تغييرات في الجسد.

مفهوم أستل الفلسفي عن الذات كشيء تفكير يوجه فكرها النسوي، كما تنصح زملائها النساء بضرورة تعلم قيمة حب الذات وتقدير الذات أي حب واحترام أرواحهن وليس أجسادهن، ويجب أن يتوقفوا عن العيش مثل الحيوانات أو الآلات الديكارتية تلك الكائنات المادية البحتة الخالية من العقلانية، ويجب عليهم السعي وراء ما يفضي إلى كمالهم ككائنات مفكرة غير مادية.

المصدر: Mary Astell (1666-1731)Mary AstellAstell, M., The Christian Religion, As Profess’d by a Daughter of the Church of England. In a Letter to the Right Honourable, T.L. C.I., London: R. Wilkin, 1705.Astell: Political Writings, P. Springborg (ed.), Cambridge: Cambridge University Press, 1996A Serious Proposal to the Ladies. Parts I and II, P. Springborg (ed.), Ontario: Broadview Literary Texts, 2002.


شارك المقالة: