قصة القط الأسود

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من روائع الأدب الصادرة عن الأديب إدغار آلان بو، وقد تطرق من خلالها للحديث حول أحد أنواع القطط التي كانت باستمرار يتم نسبها وربطها بالخرافات والأشباح.

قصة القط الأسود

في البداية كانت تسرد أحداث القصة عن لسان الراوي، حيث قال: كنت منذ أيام الطفولة شخص هادئ لطيف ورقيق المشاعر وشغوف، أحب إلى حد كبير الحيوانات الأليفة واللطيفة، وقد كنت من شدة تعلقي وولعي بتربية الحيوانات الأليفة ورعايتها والاهتمام بها أصبح الأمر من وجهة جميع المحيطين بي محط سخرية، وأول الساخرين كانوا زملائي في المدرسة، إلا أنني كنت على يقين دائم أن الحيوانات تتميز بالوفاء أكثر من بني البشر.

ومع مرور سنوات تزوجت من فتاة، وقد كنت في ذلك الوقت في سن العشرين، وبعد زواجي من تلك الفتاة بفترة وجيزة علمت أنها كذلك لديها هواية في تربية الحيوانات الأليفة، وهذا الأمر بعث في نفسي السرور، ومنذ ذلك اليوم بدأنا في التفكير في اقتناء بعض الحيوانات وأول ما بدأنا به هو مجموعة من الأسماك وعدد من الطيور وكلب وقط، وقد كان أكثر ما يبرز بين تلك الحيوانات هو القط، إذ كان قط ذو لون أسود كبير الحجم وبديع المظهر، كما أنه وفوق ذلك كله كان يتمتع بالذكاء الشديد والغريب، وقد كان ذلك الأمر يشد انتباه زوجتي لتذكر العديد من الحكايات والخرافات القديمة التي كان يشار بها إلى وجود سحره متخفيين على هيئة قطط، والتي كانت في الأصل لم تؤمن بها في يوم من الأيام.

وأول ما جلبنا القط إلى المنزل أطلقنا عليه اسم بلوتو، وقد كان من أكثر الحيوانات الموجودة لدينا ملازم لي، كما كان أيضاً رفيقي المفضل وعلى الدوام سرعان ما يفهمني من أي إشارة ومن النادر كان يتركني، وحتى بعد أن تغير مزاجي وطباعي بسبب المشروبات التي كنت أتناولها من الكحول، بقي إلى جانبي ويستحمل مزاجي المتقلب بين الحين والآخر، وعلى الرغم من أنني حاولت مراراً وتكراراً الإقلاع عن شرب الكحول من أجله، إلا أنني لم أقوى على ذلك، وكلما كانت مشاكل العمل تزداد فوق رأسي كنت ارتاد المقاهي وأسرف في الشرب، بالرغم من أنني كنت أكره التردد على مثل تلك الأماكن.

وفي يوم من الأيام بينما كنت عائد من المقهى وقد تناولت كمية كبيرة من المشروبات الكحولية كنت أترنح وأرتطم بالجدران على الطرقات وأسقط على الأرض، وفي مرة من المرات فجأة ظهر أمامي بلوتو وأخذ يتقرب مني شيئاً فشيئاً كعادته، إلا أنني في هذه المرة ذرفت به بعيداً عني.

وفي تلك الأثناء عاد يحاول مرة ثانية الاقتراب مني، ولكنني حينها شعرت بالضيق الشديد منه، ومن ثم نظرت من حولي فوجدت أمامي سكين تناولتها واقتربت من القط وبطريقة وحشية للغاية اقتلعت إحدى عينيه، وهنا صحوت من غفلتي وصحت بقولي: يا إلهي ماذا فعلت أنني إنسان متوحش وقميء، فقمت مسرعاً وتوجهت نحو حجرتي وغططت في النوم، ولكنني بقيت أشعر أن هناك شيئاً ما يطبق على صدري.

وفي صباح اليوم التالي استيقظت زوجتي من نومها وإذ بها ترى بلوتو أمامها وهو بعين واحدة، إلا أنه كان رابط الجأش، وهنا شعرت زوجتي بالأسى وسرعان ما قامت بالتخفيف عليه من ألمه ومعالجة جرحه، وحينما شاهدني كان ينظر نحوي باستمرار ويحاول الاقتراب مني، إلا أنني حينما تمعنت النظر في عينه الفارغة أصبت بذعر شديد وغادرت المنزل مسرعاً، وعند حلول المساء ذهبت كعادتي إلى المقهى، ولكن في تلك الليلة كنت في حالة اكتئاب فضيعة ويستوطن بداخلي الخوف من العودة إلى المنزل، وأخذت بتناول المشروبات بشكل مضني.

ولكن في نهاية الليل لم يكن أمامي سوى العودة إلى المنزل، وأول ما وصلت إلى هناك وجدت زوجتي نائمة كالمعتاد، ولكن القط بقي في انتظاري وقد كان يحدق بنظره إلي وكأنه يتوعدني، لم أستحمل تلك النظرات ولا حتى أن أشاهده أمامي، ولذلك قمت بإحضار حبل ولففته حول عنقه وعلقته بأحد الأشجار وقمت بشنقته، ثم بعد ذلك توجهت إلى فراشي، وفي تلك اللحظات كنت أشعر ببعض الراحة؛ وذلك لأنني لن أراه مرة أخرى وسوف أنسى ما فعلته به في وقت قريب.

وأثناء تلك الليلة استيقظت أنا وزوجتي على حريق كبير في المنزل، وقد احترق البيت بأكمله ونجوت أنا وزوجتي بأعجوبة، وبهذا أحترق كل ما أملك لم يتبقى لدينا سوى جدار واحد ما زال صامد، وقد كان ذلك الجدار لم تمسسه النار على الاطلاق، وهو ذات الحائط الذي يقع خلف سريري، فربما لأنه أعدت ترميمه منذ فترة بسيطة.

ولكن ما كان ملفت للانتباه في تلك الأثناء على الجدار هو أنه كان هناك شيء غريب، وحينما اقتربت من أجل معرفته وجدت صورة القط منقوشة عليه، كما كانت الجموع من حولي قد لاحظوا ذلك كذلك، وهذا ما جعلني أتأكد مما رأيته، وفي لحظة ما اعتقدت أنه لربما التقطها أحدهم حيث ما زالت معلقة على الشجرة، ومن التقطها ألقى بها إلى داخل الغرفة من أجل إيقاظنا فتركت أثرًا على الجدار، وقد قلت ذلك لنفسي من أجل أن أشعر بالراحة والطمأنينة.

وذات ليلة بينما كنت في المقهى شاهدته بأم عيني، إذ كان جالساً على أحد البراميل ويحدق النظر بي، حينها اقتربت منه لأنظر إليه عن قرب كان ليس هو، ولكن قط أسود وهناك بقعة بيضاء واضحة عند منطقة الصدر لديه، ثم بعد ذلك توجهت نحو المنزل، فتبعني في الطريق، كنت أنا وزوجتي نقيم في قبو المنزل المحترق وعندئذ نزل معي إلى القبو، حاولت أن أطرده لكنه عزف عن الذهاب، وحينما شاهدته زوجتي أخذته إلى حضنها أشارت لي أنه يشبه بلوتو، وفي صباح اليوم التالي شاهدته وقد أصبح بعين واحدة وأبدت زوجتي ملاحظه بأن البقعة البيضاء التي على صدره تشبه حبل المشنقة.

وفي ذلك الوقت بدأت أشعر بالكره تجاه ذلك القط، ولم أعد أتحمل وجوده في المنزل، إذ كنت بين الحين والآخر أشعر أنه سوف يقتلني، وبعد أن رجعت من المقهى كانت زوجتي مستيقظة في تلك الليلة، وسرعان ما تناولت فأس من القبو وهويت بها ناحية القط من أجل أن أقتله، ولكن هبت زوجتي وأنقذته، فإذا بالفأس تنزل فوق رأسها وسقطت على الأرض متوفية والدماء تملأ المكان، وفي تلك اللحظة شعرت الرعب والخوف وتراود في ذهني بأن أقوم بإخفاء الجثة، وبالفعل وضعت الجثة في أحد الجدران وبنيت فوقها، ومن ثم بحثت عن القط حتى أقتله فلم أعثر عليه، فاعتقدت أنه خاف مني وهرب.

وفي النهاية أبلغت الشرطة عن اختفاء زوجتي، وبعد أن بحثت عنها في كل مكان أتت لتبحث في القبو، وهنا بدأ الخوف يسيطر علي، ولكن أتمت الشرطة التفتيش ولم تعثر على أي شيء، وأخيراً بينما كنت أقول لهم لا يوجد شيء خبطت بيدي على الجدار، فإذا بي أسمع أكثر صوت مرعب سمعته في حياتي يخرج من الجدار صوت أرعبني لدرجة أني سقطت على الأرض مغمى علي، ولحظة واحدة حتى سقط الحائط وإذا بجثة زوجتي يغطيها دماء ذات لون أزرق والقط واقف فوق رأسها، لقد بنيت عليه الجدار وها أنا أنتظر الآن وضع حبل المشنقة حول عنقي والإعدام.

المصدر: كتاب القط الأسود وقصص أخرى – خالدة سعيد - 1986


شارك المقالة: